صفحة جزء
وأنواع الإفرادي في القرآن كثير يعجز العد عن إحصائها . كقوله : [ ص: 380 ] كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعوا ( المعارج : 15 - 17 ) قال : الدعاء من النار مجاز .

وكقوله - تعالى - : أم أنزلنا عليهم سلطانا الآية ( الروم : 35 ) والسلطان هنا هو البرهان ، أي برهان يستدلون به ، فيكون صامتا ناطقا ، كالدلائل المخبرة ، والعبرة والموعظة . وقوله : فأمه هاوية ( القارعة : 9 ) فاسم الأم الهاوية مجاز ؛ أي كما أن الأم كافلة لولدها وملجأ له ، كذلك أيضا النار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع .

وقوله : قتل الخراصون ( الذاريات : 10 ) قتل الإنسان ما أكفره ( عبس : 17 ) قاتلهم الله أنى يؤفكون ( المنافقون : 4 ) والفعل في هذه المواضع مجاز أيضا لأنه بمعنى أبعده الله وأذله . وقيل : قهره وغلبه .

وهو كثير ، فلنذكر أنواعه لتكون ضوابط لبقية الآيات الشريفة .

( الأول ) : إيقاع المسبب موقع السبب . كقوله - تعالى - : قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم ( الأعراف : 26 ) وإنما نزل سببه ، وهو الماء . وكقوله : يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ( الأعراف : 27 ) . ولم يقل : " كما فتن أبويكم " ، لأن الخروج من الجنة هو المسبب الناشئ عن الفتنة ، فأوقع المسبب موقع السبب ، أي لا تفتتنوا بفتنة الشيطان ، فأقيم فيه السبب مقام المسبب ، وهو سبب خاص ، فإذا عدم فيعدم المسبب ، فالنهي في الحقيقة لبني آدم ، والمقصود عدم وقوع هذا الفعل منهم ، فلما أخرج السبب من أن يوجد بإيراد النهي عليه ، كان أدل على امتناع النهي بطريق الأولى .

وقوله - تعالى - : ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ( المؤمن : 41 ) [ ص: 381 ] وهم لم يدعوه إلى النار إنما دعوه إلى الكفر ؛ بدليل قوله : تدعونني لأكفر بالله ( المؤمن : 42 ) لكن لما كانت النار مسببة عنه أطلقها عليه .

وقوله - تعالى - : فاتقوا النار ( البقرة : 24 ) أي العناد المستلزم للنار . وقوله : إنما يأكلون في بطونهم نارا ( النساء : 10 ) لاستلزام أموال اليتامى إياها .

وقوله - تعالى - : وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ( النور : 33 ) إنما أراد - والله أعلم - الشيء الذي ينكح به ، من مهر ونفقة وما لا بد للمتزوج منه .

وقوله - تعالى - : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( البقرة : 188 ) أي لا تأكلوها بالسبب الباطل الذي هو القمار .

وقوله : والرجز فاهجر ( المدثر : 5 ) أي عبادة الأصنام ؛ لأن العذاب مسبب عنها .

وقوله : وليجدوا فيكم غلظة ( التوبة : 123 ) أي وأغلظوا عليهم ، ليجدوا ذلك وإنما عدل إلى الأمر بالوجدان تنبيها على أنه المقصود لذاته ، وأما الإغلاظ فلم يقصد لذاته بل لتجدوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية