صفحة جزء
القسم الثاني : الاستفهام المراد به الإنشاء ، وهو على ضروب :

[ ص: 443 ] الأول : مجرد الطلب ، وهو الأمر ، كقوله - تعالى - : أفلا تذكرون ( يونس : 3 ) أي اذكروا . وقوله : وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ( آل عمران : 20 ) أي أسلموا . وقوله : ألا تحبون أن يغفر الله لكم ( النور : 22 ) أي أحبوا . وقوله : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ( النساء : 75 ) أي قاتلوا . وقوله - تعالى - : أفلا يتدبرون القرآن ( النساء : 82 ) ، وقوله : فهل أنتم منتهون ( المائدة : 91 ) انتهوا ، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه - : " انتهينا " .

وجعل بعضهم منه قوله - تعالى - : ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ( البقرة : 106 ) . وقوله تعالى : أتصبرون ( الفرقان : 20 ) وقال ابن عطية والزمخشري : المعنى : أتصبرون أم لا تصبرون ؟ والجرجاني في النظم على حذف مضاف ، أي لنعلم أتصبرون .

الثاني : النهي ، كقوله - تعالى - : ما غرك بربك الكريم ( الانفطار : 6 ) أي لا يغرك . وقوله في سورة التوبة : أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه ( التوبة : 13 ) ، بدليل قوله : فلا تخشوا الناس ( المائدة : 44 ) .

الثالث : التحذير ، كقوله : ألم نهلك الأولين ( المرسلات : 16 ) أي قدرنا عليهم فنقدر عليكم .

الرابع : التذكير ، كقوله - تعالى - : قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه ( يوسف : 89 ) ، وجعل بعضهم منه : ألم يجدك يتيما فآوى ( الضحى : 6 ) ، ألم نشرح لك صدرك ( الانشراح : 1 ) .

[ ص: 444 ] الخامس : التنبيه ؛ وهو من أقسام الأمر ، كقوله - تعالى - : ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ( البقرة : 258 ) . ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( الفرقان : 45 ) . ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ( البقرة : 243 ) . ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( الفيل : 1 ) ، والمعنى في كل ذلك : انظر بفكرك في هذه الأمور وتنبه .

وقوله - تعالى - : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ( الحج : 63 ) حكاه صاحب الكافي عن الخليل ، ولذلك رفع الفعل ولم ينصبه .

وجعل منه بعضهم : فأين تذهبون ( التكوير : 26 ) للتنبيه على الضلال . وقوله - تعالى - : ومن يرغب عن ملة إبراهيم ( البقرة : 130 ) .

السادس : الترغيب ، كقوله - تعالى - : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( الحديد : 11 ) ، هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ( الصف : 10 ) .

السابع : التمني ، كقوله : فهل لنا من شفعاء ( الأعراف : 53 ) ، أنى يحيي هذه الله بعد موتها ( البقرة : 259 ) ، قال العزيزي في تفسيره : أي كيف ، وما أعجب معاينة الإحياء !

الثامن : الدعاء ؛ وهو كالنهي ، إلا أنه من الأدنى إلى الأعلى ، كقوله - تعالى - : أتهلكنا بما فعل السفهاء ( الأعراف : 155 ) . وقوله : أتجعل فيها من يفسد فيها ( البقرة : 30 ) وهم لم يستفهموا ؛ لأن الله قال : إني جاعل في الأرض خليفة ( البقرة : 30 ) . وقيل : المعنى إنك ستجعل ؛ وشبهه أبو عبيدة بقول الرجل لغلامه وهو يضربه : ألست الفاعل كذا !

[ ص: 445 ] وقيل : بل هو تعجب وضعف ، وقال النحاس : الأولى ما قاله ابن مسعود ، وابن عباس - رضي الله عنهما - ، ولا مخالف لهما : أن الله - تعالى - لما قال : إني جاعل في الأرض خليفة ( البقرة : 30 ) قالوا : وما ذاك الخليفة ! يكون له ذرية يفسدون ، ويقتل بعضهم بعضا ! وقيل : المعنى أتجعلهم فيها أم تجعلنا ، وقيل : المعنى تجعلهم وحالنا هذه أم يتغير .

التاسع والعاشر : العرض والتحضيض ، والفرق بينهما : الأول طلب برفق ، والثاني بشق ، فالأول كقوله - تعالى - : ألا تحبون أن يغفر الله لكم ( النور : 22 ) . والثاني : ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ( التوبة : 13 ) . ومن الثاني : أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون ( الشعراء : 10 و 11 ) المعنى ائتهم وأمرهم بالاتقاء .

الحادي عشر : الاستبطاء ، كقوله : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( يس : 48 ) ، بدليل : ويستعجلونك بالعذاب ( الحج : 47 ) ومنه ما قال صاحب الإيضاح البياني : حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ( البقرة : 214 ) .

وقال الجرجاني : في الآية تقديم وتأخير ؛ أي حتى يقول الرسول : ألا إن نصر الله قريب ، والذين آمنوا : متى نصر الله ؟ وهو حسن .

الثاني عشر : الإياس : فأين تذهبون ( التكوير : 26 ) .

الثالث عشر : الإيناس ، نحو : وما تلك بيمينك ياموسى ( طه : 17 ) . وقال [ ص: 446 ] ابن فارس : الإفهام ؛ فإن الله - تعالى - قد علم أن لها أمرا قد خفي على موسى عليه السلام ، فأعلم من حالها ما لم يعلم .

وقيل : هو للتقرير ، فيعرف ما في يده حتى لا ينفر إذا انقلبت حية .

الرابع عشر : التهكم والاستهزاء : أصلاتك تأمرك ( هود : 87 ) ، ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون ( الصافات : 92 ) .

الخامس عشر : التحقير ، كقوله - تعالى - : وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا ( الفرقان : 41 ) ومنه ما حكى صاحب " الكتاب " : من أنت زيدا ؟ على معنى من أنت تذكر زيدا !

السادس عشر : التعجب ، نحو : ما لي لا أرى الهدهد ( النمل : 20 ) . كيف تكفرون بالله ( البقرة : 28 ) ومنهم من جعله للتنبيه .

السابع عشر : الاستبعاد ، كقوله : أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ( الدخان : 13 ) أي يستبعد ذلك منهم بعد أن جاءهم الرسول ثم تولوا عنه .

الثامن عشر : التوبيخ ، كقوله - تعالى - : أفغير دين الله يبغون ( آل عمران : 83 ) ، لم تقولون ما لا تفعلون ( الصف : 2 ) .

أفتتخذونه وذريته أولياء ( الكهف : 50 ) ولا تدخل همزة التوبيخ إلا على فعل قبيح ، أو ما يترتب عليه فعل قبيح .

الفائدة الرابعة : قد يجتمع الاستفهام الواحد للإنكار والتقرير ، كقوله : [ ص: 447 ] فأي الفريقين أحق بالأمن ( الأنعام : 81 ) أي ليس الكفار آمنين ، والذين آمنوا أحق بالأمن ؛ ولما كان أكثر مواقع التقرير دون الإنكار ، قال : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( الأنعام : 82 ) .

وقد يحتملهما ، كقوله : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ( الحجرات : 12 ) .

ويحتمل أنه استفهام تقرير ، وأنه طلب منهم أن يقروا بما عندهم تقرير ذلك ؛ ولهذا قال مجاهد : التقدير " لا " فإنهم لما استفهموا استفهام تقرير بما لا جواب له إلا أن يقولوا " لا " جعلوا كأنهم قالوا ؛ وهو قول الفارسي والزمخشري .

ويحتمل أن يكون استفهام إنكار بمعنى التوبيخ على محبتهم لأكل لحم أخيهم فيكون " ميتة " ، والمراد محبتهم له غيبته على سبيل المجاز ، و ( فكرهتموه ) بمعنى الأمر ، أي اكرهوه . ويحتمل أن يكون استفهام إنكار بمعنى التكذيب ، أنهم لما كانت حالهم حال من يدعي محبة أكل لحم أخيه نسب ذلك إليهم ، وكذبوا فيه ، فيكون ( فكرهتموه ) خبرا .

الخامسة : إذا خرج الاستفهام عن حقيقته ؛ فإن أريد التقرير ونحوه لم يحتج إلى معادل ، كما في قوله - تعالى - : ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ( البقرة : 106 ) فإن معناه التقرير .

وقال ابن عطية : ظاهره الاستفهام المحض ، والمعادل على قول جماعة : أم تريدون ( البقرة : 108 ) . وقيل ( أم ) منقطعة فالمعادل عندهم محذوف ؛ أي أم علمتم ، وهذا كله على أن القصد بمخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - مخاطبة أمته ، وأما إن كان هو المخاطب وحده فالمعادل محذوف لا غير ، وكلا القولين مروي . انتهى .

[ ص: 448 ] وما قاله غير ظاهر ، والاستفهام هنا للتقرير فيستغنى عن المعادل ، أما إذا كان على حقيقته ، فلا بد من تقدير المعادل ، كقوله - تعالى - : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ( الزمر : 24 ) أي كمن ينعم في الجنة ؟

وقوله - تعالى - : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ( فاطر : 8 ) أي كمن هداه الله ، بدليل قوله - تعالى - : فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( فاطر : 8 ) التقدير : ذهبت نفسك عليهم حسرات ، بدليل : فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( فاطر : 8 ) .

وقد جاء في التنزيل موضع صرح فيه بهذا الخبر ، وحذف المبتدأ ، على العكس مما نحن فيه ، وهو قوله - تعالى - : كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ( محمد : 15 ) أي أكمن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الأنهار ، كمن هو خالد في النار ؟ على أحد الأوجه .

وجاء مصرحا بهما على الأصل في قوله - تعالى - : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ( الأنعام : 122 ) .

أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله ( محمد : 14 ) . فرآه حسنا .

السادسة : استفهام الإنكار لا يكون إلا على ماض ، وخالف في ذلك صاحب " الأقصى القريب " وقال : قد يكون عن مستقبل ، كقوله - تعالى - : أفحكم الجاهلية يبغون ( المائدة : 50 ) وقوله - تعالى - : أليس الله بعزيز ذي انتقام ( الزمر : 37 ) [ ص: 449 ] قال : أنكر أن حكم الجاهلية مما يبغى لحقارته ، وأنكر عليهم سلب العزة عن الله - تعالى ، وهو منكر في الماضي والحال والاستقبال .

وهذا الذي قاله مخالف لإجماع البيانيين ، ولا دليل فيما ذكره بل الاستفهام في الآيتين عن ماض ، ودخله الاستقبال ، تغليبا لعدم اختصاص المنكر بزمان ، ولا يشهد له قوله - تعالى - : أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ( البقرة : 61 ) لأن الاستبدال - وهو طلب البدل - وقع ماضيا ، ولا : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ( غافر : 28 ) وإن كانت " أن " تخلص المضارع للاستقبال ، لأنه كلام ملموح به جانب المعنى . وقد ذكر ابن جني في التنبيه أن الإعراب قد يرد خلاف ما عليه المعنى .

السابعة : هذه الأنواع من خروج الاستفهام عن حقيقته في النفي ؛ هل تقول : إن معنى الاستفهام فيه موجود ، وانضم إليه معنى آخر ؟ أو تجرد عن الاستفهام بالكلية ؟ لا ينبغي أن يطلق أحد الأمرين ، بل منه ما تجرد كما في التسوية ، ومنه ما يبقى ، ومنه ما يحتمل ويحتمل ، ويعرف ذلك بالتأمل . وكذلك الأنواع المذكورة في الإثبات ؛ وهل المراد بالتقرير الحكم بثبوته ، فيكون خبرا محضا ؟ أو أن المراد طلب إقرار المخاطب به مع كون السائل يعلم ، فهو استفهام تقرير المخاطب ، أي يطلب أن يكون مقررا به ؟ وفي كلام النحاة والبيانيين ، كل من القولين ، وقد سبق الإشارة إليه .

الثامنة : الحروف الموضوعة للاستفهام ثلاثة : الهمزة ، وهل ، وأم ، وأما غيرها مما يستفهم به كمن ، وما ، ومتى ، وأين ، وأنى ، وكيف ، وكم ، وأيان ، فأسماء استفهام ، استفهم بها نيابة عن الهمزة . وهي تنقسم إلى ما يختص بطلب التصديق ، باعتبار الواقع ، كهل وأم المنقطعة ، وما يختص بطلب التصور كأم المتصلة ، وما لا يختص كالهمزة . ولكون الهمزة أم الباب اختصت بأحكام لفظية ، ومعنوية .

[ ص: 450 ] 1 - فمنها كون الهمزة لا يستفهم بها حتى يهجس في النفس إثبات ما يستفهم عنه ، بخلاف " هل " فإنه لا ترجح عنده بنفي ولا إثبات . حكاه الشيخ أبو حيان : عن بعضهم .

2 - ومنها اختصاصها باستفهام التقرير ، وقد سبق عن سيبويه وغيره أن التقرير لا يكون بهل ، والخلاف فيه .

وقال الشيخ أبو حيان : إن طلب بالاستفهام تقرير ، أو توبيخ ، أو إنكار ، أو تعجب ، كان بالهمزة دون هل ، وإن أريد الجحد كان بهل ، ولا يكون بالهمزة .

3 - ومنها أنها تستعمل لإنكار إثبات ما يقع بعدها ، كقولك : أتضرب زيدا وهو أخوك ؟ قال - تعالى - : أتقولون على الله ما لا تعلمون ( الأعراف : 28 ) ولا تقع " هل " هذا الموقع ، وأما قوله - تعالى - : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ( الرحمن : 60 ) فليس منه ؛ لأن هذا نفي له من أصله ، والممنوع من إنكار إثبات ما وقع بعدها ، قاله ابن الحاجب .

4 - ومنها أنها يقع الاسم منصوبا بعدها بتقدير ناصب أو مرفوعا بتقدير رافع يفسره ما بعده ، كقولك : أزيدا ضربت ؟ وأزيد قام ؟ ، ولا تقول : هل زيدا ضربت ؟ ولا هل زيد قام ؟ إلا على ضعف .

وإن شئت ، فقل : ليس في أدوات الاستفهام ما إذا اجتمع بعده الاسم والفعل يليه الاسم في فصيح الكلام إلا الهمزة ، فتقول : أزيد قام ؟ ولا تقول : هل زيد قام ؟ إلا في ضرورة بل الفصيح : هل قام زيد ؟

5 - ومنها أنها تقع مع أم المتصلة ، ولا تقع مع " هل " وأما المنقطعة ، فتقع فيهما جميعا . فإذا قلت : أزيد عندك أم عمرو ؟ فهذا الموضع لا تقع فيه هل ما لم تقصد إلى المنقطعة . ذكره ابن الحاجب .

[ ص: 451 ] 6 - ومنها أنها تدخل على الشرط ، تقول : أإن أكرمتني أكرمتك . وأإن تخرج أخرج معك ؟ أإن تضرب أضرب ؟ ولا تقول : هل إن تخرج أخرج معك ؟

7 - ومنها جواز حذفها ، كقوله - تعالى - : وتلك نعمة تمنها علي ( الشعراء : 22 ) وقوله - تعالى - : هذا ربي ( الأنعام : 76 ) في أحد الأقوال وقراءة ابن محيصن : ( سواء عليهم أنذرتهم ) ( البقرة : 6 ) .

8 - ومنها زعم ابن الطراوة أنها لا تكون أبدا إلا معادلة أو في حكمها ؛ بخلاف غيرها ، فتقول : أقام زيد أم قعد ؟ ويجوز ألا يذكر المعادل ؛ لأنه معلوم من ذكر الضد .

ورد عليه الصفار ، وقال : لا فرق بينها وبين غيرها ؛ فإنك إذا قلت : هل قام زيد ؟ فالمعنى هل قام أم لم يقم ؟ لأن السائل إنما يطلب اليقين ، وذلك مطرد في جميع أدوات الاستفهام . قال : وأما قوله : إنه عزيز في كلامهم ، لا يأتون لها بمعادل فخطأ ؛ بل هو أكثر من أن يحصر ، قال - تعالى - : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ( المؤمنون : 115 ) ، أفرأيت الذي تولى ( النجم : 33 ) ، أفرأيتم اللات والعزى ( النجم : 19 ) ، أفرأيت الذي كفر بآياتنا ( مريم : 77 ) وهو كثير جدا .

9 - ومنها تقديمها على الواو ، وغيرها من حروف العطف ، فتقول : أفلم أكرمك ؟ أولم أحسن إليك ؟ قال الله - تعالى - : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ( البقرة : 75 ) وقال - تعالى - : أوكلما عاهدوا عهدا ( البقرة : 76 ) وقال - تعالى - : أثم إذا ما وقع آمنتم به ( يونس : 51 ) فتقدم الهمزة على حروف العطف : الواو ، والفاء ، وثم .

[ ص: 452 ] وكان القياس تأخيرها عن العاطف ، فيقال : فألم أكرمك ؟ ، وألم أحسن إليك ؟ كما تقدم على سائر أدوات الاستفهام ، نحو قوله - تعالى - : وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ( آل عمران : 101 ) ، وقوله - تعالى - : أم هل تستوي الظلمات والنور ( الرعد : 16 ) وقوله - تعالى - : فأين تذهبون ( التكوير : 26 ) فلا يجوز أن يؤخر العاطف عن شيء من هذه الأدوات ؛ لأن أدوات الاستفهام جزء من جملة الاستفهام ، والعاطف لا يقدم عليه جزء من المعطوف ، وإنما خولف هذا في الهمزة لأنها أصل أدوات الاستفهام ، فأرادوا تقديمها تنبيها على أنها الأصل في الاستفهام ، لأن الاستفهام له صدر الكلام .

والزمخشري اضطرب كلامه ، فتارة يجعل الهمزة في مثل هذا داخلة على محذوف عطف عليه الجملة التي بعدها ، فيقدر بينهما فعلا محذوفا تعطف الفاء عليه ما بعدها ، وتارة يجعلها متقدمة على العاطف كما ذكرناه ، وهو الأولى .

وقد رد عليه في الأول بأن ثم مواضع لا يمكن فيها تقدير فعل قبلها ، كقوله - تعالى - : أومن ينشأ في الحلية ( الزخرف : 18 ) ، أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق ( الرعد : 19 ) ، أفمن هو قائم ( الرعد : 33 ) .

وقال ابن خطيب زملكا : الأوجه أن يقدر محذوف بعد الهمزة قبل الفاء [ ص: 453 ] تكون الفاء عاطفة عليه ؛ ففي مثل قوله - تعالى - : أفإن مات ( آل عمران : 144 ) لو صرح به لقيل : أتؤمنون به مدة حياته فإن مات ارتددتم ، فتخالفوا سنن اتباع الأنبياء قبلكم في ثباتهم ، على ملك أنبيائهم بعد موتهم ؟ وهذا مذهب الزمخشري .

فائدة

زعم ابن سيده في كلامه على إثبات الجمل أن كل فعل يستفهم عنه ولا يكون إلا مستقبلا .

ورد عليه الأعلم وقال : هذا باطل ، ولم يمنع أحد : هل قام زيد أمس ؟ وهل أنت قائم أمس ؟ وقد قال - تعالى - : فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ( الأعراف : 44 ) فهذا كله ماض غير آت .

التالي السابق


الخدمات العلمية