صفحة جزء
الثانية : تأتي الصفة لازمة لا للتقييد ، فلا مفهوم لها ، كقوله تعالى : ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ( المؤمنون : 117 ) قال الزمخشري : هو كقوله : وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ( الأعراف : 33 ) وهي صفة لازمة نحو قوله : يطير بجناحيه ( الأنعام : 38 ) جيء بها للتوكيد ; لا أن يكون في الآلهة ما يجوز إلا أن يقوم عليه برهان ، ويجوز أن يكون اعتراضا بين الشرط والجزاء ; كقولك : من أحسن إلى زيد - لا أحق بالإحسان منه - فالله مثيبه .

وقال الماتريدي : هذا لبيان خاصة الإشراك بالله ألا تقوم على صحته حجة ، لا بيان أنه نوعان كما في قوله : ولا طائر يطير بجناحيه ( الأنعام : 38 ) هو بيان خاصة الطيران لا أنه نوعان .

[ ص: 12 ] وقوله : سفها بغير علم ( الأنعام : 140 ) والسفه لا يكون إلا عن جهل ، وقيل : بغير علم بمقدار قبحه .

وقوله : ويقتلون النبيين بغير الحق ( البقرة : 61 ) ولا يكون قتلهم إلا كذلك ; لأن معناه " بغير الحق " في اعتقادهم ; لأن التصريح بصفة فعلهم القبيح أبلغ في ذمهم وإن كانت تلك الصفة لازمة للفعل ، كما في عكسه : قال رب احكم ‎بالحق ( الأنبياء : 112 ) لزيادة معنى في التصريح بالصفة .

وقال بعضهم : ولأن قتل النبي قد يكون بحق ; كقتل إبراهيم - عليه السلام - ولده ، ولو وجد لكان بحق .

وقال الزمخشري : " إنما قيده لأنهم لم يقتلوا ولم يفسدوا في الأرض ، وإلا استوجبوا القتل بسبب كونه شبهة ، وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم ، ولو أنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يوجب عندهم القتل .

وكقوله تعالى : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ( البقرة : 197 ) مع أن ذلك منهي عنه في غير الحج أيضا ، لكن خصص بالذكر هنا لتأكيد الأمر وخطره في الحج ، وأنه لو قدر جواز مثل ذلك في غير الحج لم يجز في الحج ، كيف وهو لا يجوز مطلقا .

وقوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة : 196 ) ولم يذكر مثل ذلك في قوله تعالى : ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة : 187 ) لأن الرياء يقع في الحج كثيرا ، فاعتنى فيه بالأمر بالإخلاص .

وقوله تعالى : ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ( القصص : 50 ) واتباع الهوى لا يكون إلا كذلك .

وقيل : بل يكون الهوى في الحق ; فلا يكون من هذا النوع .

وقوله تعالى : ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ( المائدة : 50 ) فإن حكمه تعالى حسن لمن يوقن ولمن لا يوقن ، لكن لما كان القصد ظهور حسنه والاطلاع عليه وصفه بذلك ; لأن الموقن هو الذي يطلع على ذلك دون الجاهل .

[ ص: 13 ] وقوله تعالى : فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ( البقرة : 79 ) والكتابة لا تكون إلا باليد ، ففائدته مباشرتهم ذلك التحريف بأنفسهم ، وذلك زيادة في تقبيح فعلهم ; فإنه يقال : كتب فلان كذا ، وإن لم يباشره بل أمر به ، كما في قول علي : " كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية .

التالي السابق


الخدمات العلمية