الثامن : الاختزال ،  وهو الافتعال ، من خزله قطع وسطه ، ثم نقل في الاصطلاح إلى حذف كلمة أو أكثر ، وهي إما اسم ، أو فعل ، أو حرف .   
[ ص: 207 ] الأول : الاسم فمنه حذف المبتدأ ، كقوله تعالى :  
سيقولون ثلاثة  و ( خمسة ) و ( سبعة ) ( الكهف : 22 ) ، أي : هم ثلاثة ، وهم خمسة ، وهم سبعة .  
وقوله :  
قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة     ( آل عمران : 13 ) أي : إحداهما بدليل قوله بعده :  
وأخرى كافرة     ( آل عمران : 13 ) .  
وقوله :  
بلاغ فهل يهلك     ( الأحقاف : 35 ) أي : هذا بلاغ .  
وقوله :  
بل عباد مكرمون     ( الأنبياء : 26 ) أي : هم عباد .  
وعلى هذا قال  
أبو علي     : قوله تعالى :  
بشر من ذلكم النار     ( الحج : 72 ) أي : هي النار .  
وقوله :  
وحاق بآل فرعون سوء العذاب  النار     ( غافر : 45 - 46 ) أي : هو النار .  
ويمكن أن يكون " النار " في الآيتين مبتدأ ، والخبر الجملة التي بعدها ، ويمكن في الثانية أن تكون النار بدلا من سوء العذاب .  
وقوله :  
فقالوا ساحر كذاب     ( غافر : 24 ) أي : هذا ساحر .  
وقوله :  
إلا قالوا ساحر أو مجنون     ( الذاريات : 52 ) ،  
قالوا أساطير الأولين     ( الفرقان : 5 ) .  
وقل الحق من ربكم     ( الكهف : 29 ) أي : هذا الحق من ربكم ; وليس هذا      
[ ص: 208 ] كما يظنه بعض الجهال ، أي : قل القول الحق ; فإنه لو أريد هذا لنصب " الحق " والمراد إثبات أن القرآن حق ، ولهذا قال : من ( ربكم ) وليس المراد هنا قول حق مطلق ; بل هذا المعنى مذكور في قوله :  
وإذا قلتم فاعدلوا     ( الأنعام : 152 ) وقوله :  
ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق     ( الأعراف : 169 ) .  
وقوله :  
سورة أنزلناها     ( النور : 1 ) أي : هذه سورة .  
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها     ( فصلت : 46 ) أي : فعمله لنفسه ، وإساءته عليها ، وقوله :  
وإن مسه الشر فيئوس قنوط     ( فصلت : 49 ) أي : فهو يئوس ،  
لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد  متاع قليل     ( آل عمران : 196 - 197 ) أي : تقلبهم متاع ، أو ذاك متاع .  
وما أدراك ما الحطمة  نار الله الموقدة     ( الهمزة : 5 - 6 ) أي : والحطمة نار الله .  
إنها ترمي بشرر كالقصر     ( المرسلات : 32 ) أي : كل واحدة منها كالقصر ، فيكون من باب قوله :  
فاجلدوهم ثمانين جلدة     ( النور : 4 ) أي : كل واحد منهم ، والمحوج إلى ذلك أنه لا يجوز أن يكون الشرر كله كقصر واحد ، والقصر هو البيت من أدم كان يضرب على المال ، ويؤيده قوله :  
جمالة صفر     ( المرسلات : 33 ) أفلا تراه كيف شبهه بالجماعة ، أي : كل واحدة من الشرر كالجمل لجماعاته ، فجماعاته إذن مثل الجمالات الصفر ، وكذلك الأول ، شررة منه كالقصر ، قاله  
 nindex.php?page=showalam&ids=13042أبو الفتح بن جني     .  
وأما قوله :  
ولا تقولوا ثلاثة     ( النساء : 171 ) فقيل : إن " ثلاثة " خبر مبتدأ محذوف تقديره " آلهتنا ثلاثة " .   
[ ص: 209 ] واعترض باستلزامه إثبات الإلهية لانصراف النفي الداخل على المبتدأ أو الخبر إلى المعنى المستفاد من الخبر لا إلى معنى المبتدأ ، وحينئذ يقتضي نفي عدة الآلهة لا نفي وجودهم .  
قيل : وهو مردود ; لأن نفي كون آلهتهم ثلاثة يصدق بألا يكون للآلهة الثلاثة وجود بالكلية ; لأنه من السالبة المحصلة فمعناه ليس آلهتكم ثلاثة ، وذلك يصدق بألا يكون لهم آلهة ، وإنما حذف إيذانا بالنهي عن مطلق العدد المفهم للمساواة بوجه ما ، فما ظنك بمن صرح بالشركة ، كما قال تعالى :  
لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة     ( المائدة : 73 ) وقال سبحانه :  
وما من إله إلا إله واحد     ( المائدة : 73 ) فأفهم أنه لو وجد الإله يكون غيره معه خطأ لإفهامه مساواة ما ، كقوله تعالى :  
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون     ( الأنعام : 1 ) ولزم من نفي الثلاثة لامتناع المساواة المعلومة عقلا والمدلول عليها بقوله :  
إنما الله إله واحد     ( النساء : 171 ) نفي الشركة مطلقا ; فإن تخصيص النهي وقع في مقابلة الفعل ودليلا عليه ، فإنهم كانوا يقولون في الله  
وعيسى   وأمه ثلاثة . ونحوه في الخروج على السبب  
لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة     ( آل عمران : 130 ) .  
وقال صاحب " إسفار الصباح " : " الوجه تقدير كون ثلاثة ، أو في الوجود "      
[ ص: 210 ] ثم حذف الخبر الذي هو " لنا " أو " في الوجود " الحذف المطرد ، وما دل عليه توحيد لا إله إلا الله .  
ثم حذف المبتدأ حذف الموصوف كالعدد إذا كان معلوما .  
كقولك : عندي ثلاثة .  
أي : دراهم وقد علم بقرينة قوله تعالى :  
إنما الله إله واحد     ( النساء : 171 ) .  
وقد عورض هذا بأن نفي وجود ثلاثة لا ينفي وجود إلهين ، وأجيب بأن تقديره " آلهتنا ثلاثة " يوجب ثبوت الآلهة ، وتقدير " لنا آلهة " لا يوجب ثبوت إلهين .  
فعورض بأنه كما لا يوجبه فلا ينفيه .  
فأجيب بأنه إذا لم ينفه فقد نفاه ما بعده من قوله :  
إنما الله إله واحد     ( النساء : 171 ) .  
فعورض بأن ما بعده إن نفى ثبوت إلهين فكيف ثبوت آلهة .  
فأجاب بأنه لا ينفيه ، ولكن يناقضه ، لأن تقدير " آلهتنا ثلاثة " يثبت وجود إلهين ، لانصراف النفي في الخبر عنه ، بخلاف تقدير " لنا آلهة ثلاثة " فإنه لا يثبت وجود إلهين ; لانصراف النفي إلى أصل الإثبات للآلهة .  
وفي أجوبة هذه المقدمات نظر .  
قلت : وذكر  
 nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني  أن الآية من حذف المضاف ; أي : ثالث ثلاثة ; لقوله في موضع آخر :  
لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة     ( المائدة : 73 ) .