صفحة جزء
حذف الفاعل المشهور امتناعه إلا في ثلاثة مواضع : أحدها : إذا بني الفعل للمفعول .

ثانيها : في المصدر ، إذا لم يذكر معه الفاعل ، مظهرا يكون محذوفا ، ولا يكون مضمرا نحو : أو إطعام ( البلد : 14 ) .

ثالثها : إذا لاقى الفاعل ساكنا من كلمة أخرى ، كقولك للجماعة : اضرب القوم ، وللمخاطبة : اضرب القوم .

وجوز الكسائي حذفه مطلقا إذا ما وجد ما يدل عليه ; كقوله تعالى : كلا إذا بلغت التراقي ( القيامة : 26 ) أي : بلغت الروح .

وقوله : حتى توارت بالحجاب ( ص : 32 ) أي : الشمس .

فإذا نزل بساحتهم ( الصافات : 177 ) يعني العذاب ; لقوله قبله : أفبعذابنا يستعجلون ( الصافات : 176 ) .

فلما جاء سليمان ( النمل : 36 ) تقديره : فلما جاء الرسول سليمان .

والحق أنه في المذكورات مضمر لا محذوف ، وقد سبق الفرق بينهما .

[ ص: 216 ] أما حذفه وإقامة المفعول مقامه مع بناء الفعل للمفعول فله أسباب : منها : العلم به ; كقوله تعالى : خلق الإنسان من عجل ( الأنبياء : 37 ) وخلق الإنسان ضعيفا ( النساء : 28 ) ونحن نعلم أن الله خالقه .

قال ابن جني : وضابطه أن يكون الغرض إنما هو الإعلام بوقوع الفعل بالمفعول ، ولا غرض في إبانة الفاعل من هو .

ومنها تعظيمه ، كقوله : قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ( يوسف : 41 ) إذ كان الذي قضاه عظيم القدر .

وقوله : وغيض الماء وقضي الأمر ( هود : 44 ) .

وقوله : والذين يؤمنون بما أنزل إليك ( البقرة : 4 ) قال الزمخشري في " كشافه القديم " : هذا أدل على كبرياء المنزل وجلالة شأنه من القراءة الشاذة " أنزل " مبنيا للفاعل ، كما تقول : الملك أمر بكذا ، ورسم بكذا ; وخاصة إذا كان الفعل فعلا لا يقدر عليه إلا الله ; كقوله : وقضي الأمر ( هود : 44 ) قال : كأن طي ذكر الفاعل كالواجب لأمرين : أحدهما : أنه إن تعين الفاعل وعلم أن الفعل مما لا يتولاه إلا هو وحده ، كان ذكره فضلا ولغوا .

والثاني : الإيذان بأنه منه ، غير مشارك ولا مدافع عن الاستئثار به والتفرد بإيجاده .

وأيضا فما في ذلك من مصير أن اسمه جدير بأن يصان ويرتفع به عن الابتذال والامتهان ، وعن الحسن : لولا أني مأذون لي في ذكر اسمه لربأت به عن مسلك الطعام والشراب .

ومنها مناسبة الفواصل ، نحو : وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( الليل : 19 ) ولم يقل : " يجزيها " .

[ ص: 217 ] ومنها مناسبة ما تقدمه ; كقوله في سورة براءة : رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ( التوبة : 87 ) ; لأن قبلها : وإذا أنزلت سورة ( التوبة : 86 ) على بناء الفعل للمفعول ; فجاء قوله : وطبع ( التوبة : 87 ) ليناسب بالختام المطلع ، بخلاف قوله فيما بعدها : وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ( التوبة : 93 ) فإنه لم يقع قبلها ما يقتضي البناء ; فجاءت على الأصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية