صفحة جزء
حذف الفعل

وينقسم إلى عام وخاص :

فالخاص نحو " أعني " مضمرا ، وينتصب المفعول به في المدح ؛ نحو : والصابرين في البأساء والضراء ( البقرة : 177 ) [ ص: 268 ] وقوله : والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ( النساء : 162 ) أي : أمدح .

واعلم أنه إذا كان المنعوت متعينا لم يجز تقدير ناصب نعته بـ ( أعني ) نحو : الحمد لله الحميد ؛ بل المقدر فيه وفي نحوه ( أذكر ) أو ( أمدح ) فاعرف ذلك .

والذم نحو قوله تعالى : وامرأته حمالة الحطب ( المسد : 4 ) في قراءة النصب ، والأخفش ينصب في المدح بـ ( أمدح ) وفي الذم بـ ( أذم ) .

واعلم أن مراد المادح إبانة الممدوح من غيره ، فلا بد من إبانة إعرابه عن غيره ؛ ليدل اللفظ على المعنى المقصود ، ويجوز فيه النصب بتقدير ( أمدح ) والرفع على معنى ( هو ) ولا يظهران لئلا يصيرا بمنزلة الخبر .

والذي لا مدح فيه فاختزال العامل فيه واجب ، كاختزاله في " والله لأفعلن " إذ لو قيل : " أحلف بالله " لكان عدة لا قسما .

والعام كل منصوب دل عليه الفعل لفظا أو معنى أو تقديرا ، ويحذف لأسباب :

أحدها : أن يكون مفسرا ؛ كقوله تعالى : إذا السماء انشقت ( الانشقاق : 1 ) وإياي فارهبون ( البقرة : 40 ) .

ومنه أبشرا منا واحدا نتبعه ( القمر : 24 ) والسماء رفعها ( الرحمن : 7 ) إذا الشمس كورت ( التكوير : 1 ) وإن أحد من المشركين استجارك ( التوبة : 6 ) وإن طائفتان ( الحجرات : 9 ) فإنه ارتفع بـ " اقتتل " مقدرا .

[ ص: 269 ] قالوا : ولا يجوز حذف الفعل مع شيء من حروف الشرط العاملة سوى " إن " ؛ لأنها الأصل .

وجعل ابن الزملكاني هذا مما هو دائر بين الحذف والذكر ؛ فإن الفعل المفسر كالمتسلط على المذكور ، ولكن لا يتعين إلا بعد تقدم إبهام ، ولقد يزيده الإضمار إبهاما إذا لم يكن المضمر من جنس الملفوظ به ؛ نحو : والظالمين أعد لهم عذابا أليما ( الإنسان : 31 ) . إذ المذكور في حكم الشاهد للمقدر فيلتحق بباب الكناية . والتقدير : ويعذب الظالمين لأنه أعد لهم عذابا أليما .

الثاني : أن يكون هناك حرف جر ؛ نحو : بسم الله الرحمن الرحيم ( الفاتحة : 1 ) فإنه يفيد أن المراد : بسم الله أقرأ ، أو أقوم ، أو أقعد ، عند القراءة وعند الشروع في القيام أو القعود ، أي فعل كان .

واعلم أن النحاة اتفقوا على أن " بسم الله " بعض جملة ، واختلفوا .

فقال البصريون : الجملة اسمية ؛ أي : ابتدائي بسم الله .

وقال الكوفيون : الجملة فعلية ، وتابعهم الزمخشري في تقدير الجملة فعلية ، ولكن خالفهم في موضعين :

أحدهما : أنهم يقدرون الفعل مقدما وهو يقدره مؤخرا .

والثاني : أنهم يقدرونه فعل البداية ، وهو يقدره في كل موضع بحسبه ؛ فإذا قال الذابح : " بسم الله " ، كان التقدير : بسم الله أذبح ، وإذا قال القارئ : " بسم الله " فالتقدير : بسم الله أقرأ .

وما قال أجود مما قالوا ؛ لأن مراعاة المناسبة أولى من إهمالها ، ولأن اسم الله أهم من الفعل ، فكان أولى بالتقديم ، ومما يدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : باسمك ربي وضعت جنبي فقدم اسم الله على الفعل المتعلق فيه الجار وهو " وضعت " .

[ ص: 270 ] الثالث : أن يكون جوابا لسؤال وقع ، كقوله تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( لقمان : 25 ) .

وقوله : ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ( العنكبوت : 63 ) .

وقوله : وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم ( البقرة : 135 ) أي : بل نتبع .

أو جوابا لسؤال مقدر ؛ كقراءة : يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ( النور : 36 - 37 ) ببناء الفعل للمفعول ؛ فإن التقدير : يسبحه فيها رجال .

وفيه فوائد : منها الإخبار بالفعل مرتين ، ومنها جعل الفضلة عمدة .

ومنها : أن الفاعل فسر بعد اليأس منه ؛ كضالة وجدها بعد اليأس ، ويصح أن يكون " يسبح " بدلا من " يذكر " على طريقة : سبح اسم ربك الأعلى ( الأعلى : 1 ) و " له فيها " خبر مبتدأ هو " رجال " .

مثله قراءة من قرأ : زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ( الأنعام : 137 ) قال أبو العباس : المعنى زينه شركاؤهم ؛ فيرفع الشركاء بفعل مضمر دل عليه " زين " .

ومثله قوله تعالى : وجعلوا لله شركاء ( الأنعام : 100 ) إن جعلنا قوله " لله شركاء " مفعولي ( جعلوا ) لأن ( لله ) في موضع الخبر المنسوخ ، و ( شركاء ) نصب في موضع المبتدأ . وعلى هذا فيحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون مفعولا بفعل محذوف دل عليه [ ص: 271 ] سؤال مقدر ، كأنه قيل : أجعلوا لله شركاء ؟ قيل : جعلوا الجن ، فيفيد الكلام إنكار الشريك مطلقا ، فدخل اعتقاد الشريك من غير الجن في إنكار دخول اتخاذه من الجن .

والثاني : ذكره الزمخشري : أن الجن بدل من ( شركاء ) فيفيد إنكار الشريك مطلقا ، كما سبق ، وإن جعل ( لله ) صلة كان ( شركاء الجن ) مفعولين ، قدم ثانيهما على أولهما ، وعلى هذا فلا حذف .

فأما على الوجه الأول فقيل : وجعلوا لله شركاء الجن ( الأنعام : 100 ) ولم يقل : " وجعلوا الجن شركاء لله " تعظيما لاسم الله تعالى ؛ لأن شأن الله أعظم في النفوس ، فإذا قدم " لله " والكلام فيه يستدعي طلب المجعول له ما هو ؟ فقيل : شركاء ، وقع في غاية التشنيع ؛ لأن النفس منتظرة لهذا المهم المعلق بهذا المعظم نهاية التعظيم ؛ فإذا علم أنه علق به هذا المستبشع في النهاية كان أعظم موقعا من العكس ؛ لأنه إذا قيل : وجعلوا شركاء . لم يعطه تشوف النفوس ؛ لجواز أن يكون جعلوا شركاء في أموالهم وصدقاتهم ، أو غير ذلك .

الثالث : أن الجعل غالبا لا يتعلق بالله ويخبر به إلا وهو جعل مستقبح كاذب ؛ إذ لا يستعمل : جعل الله رحمة ومشيئة وعلما ونحوه . لا سيما بالاستقراء القرآني ؛ كـ : ويجعلون لله البنات ( النحل : 57 ) ويجعلون لله ما يكرهون ( النحل : 62 ) إلى غير ذلك . فإذا قيل : وجعلوا عصبة اقترحوها وافتروها ، وقصدوا بها تشوف النفوس إلى ذلك ما لا يحصل في " جعلوا شركاء " .

[ ص: 272 ] الرابع : أن أصل الجعل وإن جاز إسناده إلى الله فيما إذا كان الأمر لائقا ، فإن بابه مهول ؛ لأن الله تعالى قد علمنا عظيم خطره ، وألا نقول فيه إلا بالعلم ؛ كقوله : وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( البقرة : 169 ) وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ( النجم : 28 ) إلى غير ذلك مع ما دل عليه الأدب عقلا ، وكان نفس الجعل مستنكرا إن لم يتبع بمجعول لائق ، فإذا أتبع بمجعول غير لائق منهم ثم فسر بخاص مستنكر ، صار قوله : وجعلوا لله شركاء الجن ( الأنعام : 100 ) في قوة إنكار ذلك ثلاث مرات :

الأول : جسارتهم في أصل الجعل .

الثاني : في كون المجعول شركاء .

الثالث : في أنهم شركاء جن .

الخامس : أن في تقديم " لله " إفادة تخصيصهم إياه بالشركة على الوجه الثالث دون جميع ما يعبدون ؛ لأنه الإله الحق .

السادس : أنه جيء بكلمة " جعلوا " لا " اعتقدوا " ولا " قالوا " ؛ لأنه أدل على إثبات المعتقد ؛ لأنه يستعمل في الخلق والإبداع .

السابع : كلمة " شركاء " ولم يقل " شريكا " وفاقا لمزيد ما فتحوا من اعتقادهم .

الثامن : لم يقل " جنا " وإنما قال : " الجن " ؛ دلالة على أنهم اتخذوا الجن كلها ، وجعلوه من حيث هو صالح لذلك ، وهو أقبح من التنكير الذي وضعه للمفردات المعدولة .

الرابع : أن يدل عليه معنى الفعل الظاهر ؛ كقوله تعالى : انتهوا خيرا لكم ( النساء : 171 ) أي : وائتوا أمرا خيرا لكم ، فعند سيبويه : أن " خيرا " انتصب بإضمار " ائت " ؛ لأنه لما نهاه علم أنه يأمره بما هو خير ؛ فكأنه قال : " وائتوا خيرا " ؛ لأن النهي عن [ ص: 273 ] الشيء أمر بضده ؛ ولأن النهي تكليف ، وتكليف العدم محال ؛ لأنه ليس مقدورا ، فثبت أن متعلق التكليف أمر وجودي ، ينافي المنهي عنه ، وهو الضد .

وحمله الكسائي على إضمار ( كان ) أي : يكن الانتهاء خيرا لكم ، ويمنعه إضمار ( كان ) ولا تضمر في كل موضع ، ومن جهة المعنى إذ من ترك ما نهي عنه فقد سقط عنه اللوم ، وعلم أن ترك المنهي عنه خير من فعله ، فلا فائدة في قوله ( خيرا ) .

وحمله الفراء على أنه صفة لمصدر محذوف ؛ أي : انتهوا انتهاء خيرا لكم . وقال : إن هذا الحذف لم يأت إلا فيما كان ( أفعل ) نحو : خير لك ، وأفعل .

ورد مذهبه ومذهب الكسائي بقوله تعالى : ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم ( النساء : 171 ) لو حمل على ما قالا لا يكون خيرا ؛ لأن من انتهى عن التثليث وكان معطلا لا يكون خيرا له ، وقول سيبويه : وائت خيرا يكون أمرا بالتوحيد الذي هو خير . فلله در الخليل وسيبويه ، ما أطلعهما على المعاني !

وقوله : فأجمعوا أمركم وشركاءكم ( يونس : 71 ) إن لم يجعل مفعولا معه ، أي : وادعوا شركاءكم ، وبإظهار " ادعوا " قرأ أبي ، وكذلك هو مثبت في مصحف ابن مسعود .

وقوله تعالى : فراغ عليهم ضربا باليمين ( الصافات : 93 ) قال ابن الشجري : معناه مال عليهم يضربهم ضربا . ويجوز نصبه على الحال ؛ نحو : أتيته مشيا ، أي : ماشيا . ثم ادعهن يأتينك سعيا ( البقرة : 260 ) أي : ساعيات . وقوله : [ ص: 274 ] " باليمين " إما اليد أو القوة . وجوز ابن الشجري إرادة القسم ، والباء للتعليل ؛ أي : لليمين التي حلفها ، وهي قوله تعالى : لأكيدن أصنامكم ( الأنبياء : 57 ) .

وزعم النووي في قوله تعالى : قل لا تقسموا طاعة معروفة ( النور : 53 ) أن التقدير : ليكن منكم طاعة معروفة .

الخامس : أن يدل عليه العقل ؛ كقوله تعالى : فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه ( البقرة : 60 ) أي : فضرب فانفجرت .

وقوله : فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا ( القمر : 10 - 11 ) قال النحاس : التقدير : فنصرناه ففتحنا أبواب السماء ؛ لأن ما ظهر من الكلام يدل على ما حذف .

وقوله : يمده من بعده سبعة أبحر ( لقمان : 27 ) أي : يكتب بذلك كلمات الله ما نفدت ، قاله أبو الفتح .

وقوله : فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ( البقرة : 243 ) .

فقوله : ثم أحياهم . معطوف على فعل محذوف تقديره : فماتوا ثم أحياهم ، ولا يصح عطف قوله : ثم أحياهم على قوله : موتوا ؛ لأنه أمر ، وفعل الأمر لا يعطف على الماضي .

وقوله : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين ( البقرة : 213 ) أي : فاختلفوا فبعث ، وحذف لدلالة قوله تعالى : ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ( البقرة : 213 ) وهي في قراءة عبد الله كذلك .

[ ص: 275 ] وقيل : تقديره : " كان الناس أمة واحدة كفارا فبعث الله النبيين فاختلفوا " . والأول أوجه .

وقوله : أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم ( الأعراف : 63 ) فالهمزة للإنكار ، والواو للعطف ، والمعطوف عليه محذوف تقديره " أكذبتم وعجبتم أن جاءكم " .

وقوله : قال نعم وإنكم لمن المقربين ( الأعراف : 114 ) هو معطوف على محذوف سد مسده حرف الإيجاب ؛ كأنه قال إيجابا لقولهم : إن لنا لأجرا ( الأعراف : 113 ) نعم ، إن لكم أجرا ، وإنكم لمن المقربين .

وقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو على سفر البقرة : 184 ) أي : فأفطر فعدة ، خلافا للظاهرية ؛ حيث أوجبوا الفطر على المسافر أخذا من الظاهر .

وقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية ( البقرة : 196 ) أي : فحلق ففدية .

وقوله : فقلنا اضربوه ببعضها ( البقرة : 73 ) قال الزمخشري : التقدير " فضربوه فحيي " فحذف ذلك لدلالة قوله : كذلك يحيي الله الموتى ( البقرة : 73 ) .

وزعم ابن جني أن التقدير في قوله تعالى : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( النساء : 41 ) أن التقدير : فكيف يكون إذا جئنا .

السادس : أن يدل عليه ذكره في موضع آخر كقوله تعالى : وإذ قتلتم نفسا ( البقرة : 72 ) قال الواحدي : هو بإضمار " اذكر " ؛ ولهذا لم يأت لـ " إذ " بجواب .

ومثله [ ص: 276 ] قوله تعالى : وإلى ثمود أخاهم صالحا ( هود : 61 ) وليس شيء قبله تراه ناصبا لـ " صالحا " بل علم بذكر النبي والمرسل إليه أن فيه إضمار " أرسلنا " .

وقوله : ولسليمان الريح ( الأنبياء : 81 ) أي : وسخرنا .

ومثله ونوحا إذ نادى من قبل ( الأنبياء : 76 ) وذا النون ( الأنبياء : 87 )

وكذا وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ( الأنبياء : 78 ) أي : واذكر .

قال : ويدل على " اذكر " في هذه الآيات قوله تعالى : واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ( الأنفال : 26 ) واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ( الأعراف : 86 ) .

وما قاله ظاهر ؛ لأن مفعول " اذكر " يكون محذوفا أيضا تقديره : واذكروا حالكم ونحوه إذا كان كذا ، وذلك ليكون " إذ " في موضع نصب على الظرف ، ولو لم يقدر ذلك المحذوف لزم وقوع " إذ " مفعولا به ، والأصح أنها لا تفارق الظرفية .

السابع : المشاكلة ؛ كحذف الفاعل في " بسم الله " ؛ لأنه موطن لا ينبغي أن يتقدم فيه سوى ذكر الله ؛ فلو ذكر الفعل وهو لا يستغنى عن فاعله كان ذلك مناقضا للمقصود ، وكان في حذفه مشاكلة اللفظ للمعنى ؛ ليكون المبدوء به اسم الله ، كما تقول في الصلاة : الله أكبر ، ومعناه من كل شيء ، ولكن لا تقول هذا المقدر ليكون اللفظ في اللسان مطابقا لمقصود الجنان ، وهو أن يكون في القلب ذكر الله العظيم وحده ، وأيضا فلأن الحذف أعم من الذكر ، فإن أي فعل ذكرته كان المحذوف أعم منه ؛ لأن التسمية تشرع عند كل فعل .

[ ص: 277 ] الثامن : أن يكون بدلا من مصدره ؛ كقوله تعالى : فضرب الرقاب ( محمد : 4 ) وقوله : فإما منا بعد وإما فداء ( محمد : 4 ) أي : فإما أن تمنوا وإما أن تفادوا .

وقد اختلف في نصب " السلام " في قوله تعالى في سورة هود : ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما ( هود : 69 ) وفي الذاريات : هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما ( الذاريات : 24 - 25 ) وفي نصبها وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا بالقول ، أي : يذكرون قولا سلاما فيكون من باب : قلت حقا وصدقا .

الثاني : أن يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره : فقالوا سلمنا سلاما ؛ أي : سلمنا تسليما ، فيكون قد حكى الجملة بعد القول ثم حذفها ، واكتفى ببعضها .

والحاصل أنه هل هو منصوب بالقول ، أو بكونه مصدرا لفعل محذوف ؟

ومثله قوله تعالى : وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ( النحل : 30 ) منصوب بـ ( قالوا ) كقولك : فقلت حقا ، أو منصوب بفعل مضمر ؛ أي : قالوا أنزل خيرا ، من باب حذف الجملة المحكية وتبقية بعضها .

وأما قوله تعالى : وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ( النحل : 24 ) فمرفوع ؛ لأنه لا يمكن نصبه على تقدير " قالوا أساطير الأولين " لأنهم لم يكونوا يرونه من عند الله حتى يقولوا ذلك ، ولا هو أيضا من باب : قلت حقا وصدقا ، فلم يبق إلا رفعه .

[ ص: 278 ] تنبيه

قد يشتبه الحال في أمر المحذوف وعدمه ؛ لعدم تحصيل معنى الفعل ، كما قالوا في قوله تعالى : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( الإسراء : 110 ) فإنه قد يظن أن الدعاء فيه بمعنى النداء ؛ فلا يقدر في الكلام حذف ، وليس كذلك ، وإلا لزم الاشتراك إن كانا متفاوتين ، أو عطف الشيء على نفسه ، وإنما الدعاء هنا بمعنى التسمية التي تتعدى لمفعولين ؛ أي : سموه الله أو الرحمن .

وقد يشتبه في تعيين المحذوف لقيام قرينتين ؛ كقوله تعالى : بلى قادرين ( القيامة : 4 ) قدره سيبويه بـ " بلى نجمعها قادرين " فـ ( قادرين ) حال ، وحذف الفعل لدلالة : أن لن نجمع ( القيامة : 3 ) عليه .

وقدره الفراء " نحسب " لدلالة أيحسب الإنسان ( القيامة : 3 ) أي : بلى نحسبنا قادرين .

وتقدير سيبويه أولى ؛ لأن ( بلى ) ليس جوابا لـ " يحسب " إنما هو جواب لـ " أن لن نجمع " وقدره بعضهم : بلى نقدر قادرين .

وقيل : منصوب لوقوعه موقع الفعل ، وهو باطل ؛ لأنه ليس من نواصب الاسم وقوعه موقع الفعل

تنبيه آخر

إن الحذف على ضربين :

أحدهما : ألا يقام شيء مقام المحذوف ، كما سبق .

والثاني : أن يقام مقامه ما يدل عليه ؛ كقوله تعالى : فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم [ ص: 279 ] ( هود : 57 ) ليس الإبلاغ هو الجواب ؛ لتقدمه على قولهم ، فالتقدير : فإن تولوا فلا ملام علي لأني قد أبلغتكم ، أو : فلا عذر لكم عند ربكم لأني أبلغتكم . وقوله : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ( فاطر : 4 ) فلا تحزن واصبر .

وقوله : وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ( الأنفال : 38 ) أي : يصيبهم ما أصاب الأولين .

التالي السابق


الخدمات العلمية