صفحة جزء
السابع عشر

الترقي

كقوله تعالى : ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها ( الأعراف : 195 ) الآية ، فإنه سبحانه بدأ منها بالأدنى لغرض الترقي ؛ لأن منفعة الوصف الرابع أهم من منفعة الثالث ، فهو أشرف منه ، ومنفعة الثالث أعم من منفعة الثاني ، ومنفعة الثاني أعم من منفعة الأول ، فهو أشرف منه .

وقد قرن السمع بالعقل ولم يقرن به البصر في قوله : ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ( يونس : 42 - 43 ) وما قرن بالأشرف كان أشرف ، وحكي ذلك عن علي بن عيسى الربعي .

قال الشيخ أبو الفتح القشيري :

فإن قيل : قد كان الأولى أن يقدم الوصف الأعلى ، ثم ما دونه ، حتى ينتهي إلى [ ص: 341 ] أضعفها ؛ لأنه إذا بدأ بسلب الوصف الأعلى ، ثم بسلب ما دونه ، كان ذلك أبلغ في الذم ؛ لأنه لا يلزم من سلب الأعلى سلب ما دونه ، كما تقول : ليس زيد بسلطان ، ولا وزير ، ولا أمير ، ولا وال . والغرض من الآية المبالغة في الذم .

قلت : ما ذكرته طريق حسنة في علم المعاني ، والمقصود من الآية طريقة أخرى ، وهي أنه تعالى أثبت أن الأصنام التي تعبدها الكفار أمثال الكفار ، في أنها مقهورة مربوبة ، ثم حطها عن درجة المثلية بنفي هذه الصفات الثابتة للكفار عنها ، وقد علمت أن المماثلة بين الذوات المتنائية إنما تكون باعتبار الصفات الجامعة بينها ؛ إذ هي أسباب في ثبوت المماثلة بينها ، وتقوى المماثلة بقوة أسبابها ، وتضعف بضعفها ، فإذا سلب وصف ثابت لإحدى الذاتين عن الأخرى انتفى وجه من المماثلة بينهما ، ثم إذا سلب وصف من الأول انتفى وجه من المماثلة أقوى من الأول ، ثم لا يزال يسلب أسباب المماثلة ، أقواها فأقواها ، حتى تنتفي المماثلة كلها بهذا التدريج . وهذه الطريقة ألطف من سلب أسباب المماثلة ؛ أقواها ثم أضعفها فأضعفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية