صفحة جزء
التضمين

وهو إعطاء الشيء معنى الشيء ، وتارة يكون في الأسماء وفي الأفعال وفي الحروف ؛ فأما في الأسماء فهو أن تضمن اسما معنى اسم ؛ لإفادة معنى الاسمين جميعا ، كقوله تعالى : حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ( الأعراف : 105 ) ضمن " حقيق " معنى " حريص " ليفيد أنه محقوق بقول الحق وحريص عليه .

وأما الأفعال فأن تضمن فعلا معنى فعل آخر ، ويكون فيه معنى الفعلين جميعا ، وذلك بأن يكون الفعل يتعدى بحرف ، فيأتي متعديا بحرف آخر ليس من عادته التعدي به ، فيحتاج إما إلى تأويله أو تأويل الفعل ليصح تعديه به .

واختلفوا أيهما أولى ؟ فذهب أهل اللغة وجماعة من النحويين إلى أن التوسع في الحرف وأنه واقع موقع غيره من الحروف أولى .

وذهب المحققون إلى أن التوسع في الفعل وتعديته بما لا يتعدى لتضمنه معنى ما يتعدى بذلك الحرف أولى ؛ لأن التوسع في الأفعال أكثر .

مثاله قوله تعالى : عينا يشرب بها عباد الله ( الإنسان : 6 ) فضمن " يشرب " معنى " يروي " ؛ لأنه لا يتعدى بالباء ، فلذلك دخلت الباء ، وإلا فـ " يشرب " يتعدى بنفسه ، فأريد باللفظ الشرب والري معا ، فجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد .

[ ص: 402 ] وقيل : التجوز في الحرف ، وهو الباء ، فإنها بمعنى ( من ) .

وقيل : لا مجاز أصلا ، بل العين ههنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء نفسه ؛ نحو : نزلت بعين ، فصار كقوله : مكانا يشرب به .

وعلى هذا : فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ( آل عمران : 188 ) قاله الراغب .

وهذا بخلاف المجاز ؛ فإن فيه العدول عن مسماه بالكلية ، ويراد به غيره ، كقوله تعالى : جدارا يريد أن ينقض ( الكهف : 77 ) فإنه استعمل " أراد " في معنى مقاربة السقوط ؛ لأنه من لوازم الإرادة ، وإن من أراد شيئا فقد قارب فعله ، ولم يرد باللفظ هذا المعنى الحقيقي الذي هو الإرادة ألبتة ، والتضمين أيضا مجاز ؛ لأن اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا ، والجمع بينهما مجاز خاص ، يسمونه بالتضمين ؛ تفرقة بينه وبين المجاز المطلق .

ومن التضمين قوله تعالى : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ( البقرة : 187 ) لأنه لا يقال : رفثت إلى المرأة ، لكن لما كان بمعنى الإفضاء ساغ ذلك .

وهكذا قوله : هل لك إلى أن تزكى ( النازعات : 18 ) وإنما يقال : هل لك في كذا ؟ لكن المعنى : أدعوك إلى أن تزكى .

وقوله : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( الشورى : 25 ) فجاء بـ " عن " لأنه ضمن التوبة معنى العفو والصفح .

وقوله : وإذا خلوا إلى شياطينهم ( البقرة : 14 ) وإنما يقال : خلوت به ، لكن ضمن " خلوا " معنى ذهبوا وانصرفوا ، وهو معادل لقوله : ( لقوا ) ( البقرة : 14 ) وهذا أولى من قول من قال : إن " إلى " هنا بمعنى الباء ، أو بمعنى ( مع ) .

[ ص: 403 ] وقال مكي : إنما لم تأت الباء ؛ لأنه يقال : خلوت به : إذا سخرت منه ، فأتى بـ " إلى " لدفع هذا الوهم .

وقوله : لأقعدن لهم صراطك المستقيم ( الأعراف : 16 ) قيل : ( الصراط ) منصوب على المفعول به ، أي : لأكرهن لهم صراطك ، أو لأمللنه لهم ، و " أقعد " وإن كان غير متعد ضمن معنى فعل متعد .

وقوله : ولا تعد عيناك عنهم ( الكهف : 28 ) ضمن " تعد " معنى ( تنصرف ) فعدي بـ " عن " ، قال ابن الشجري : ومن زعم أنه كان حق الكلام : " لا تعد عينيك عنهم " بالنصب ؛ لأن " تعد " متعد بنفسه ، فباطل ؛ لأن " عدوت " و " جاوزت " بمعنى واحد ، وأنت لا تقول : جاوز فلان عينه عن فلان ، ولو كانت التلاوة بنصب العين لكان اللفظ بنصبهما محمولا أيضا على : لا تصرف عينك عنهم . وإذا كان كذلك فالذي وردت به التلاوة من رفع العين يئول إلى معنى النصب فيها ؛ إذ كان ولا تعد عيناك بمنزلة " لا تنصرف " ومعناه : لا تصرف عينك عنهم ، فالفعل مسند إلى العين ، وهو في الحقيقة موجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال : ولا تعجبك أموالهم ( التوبة : 85 ) أسند الإعجاب إلى الأموال ، والمعنى لا تعجب بأموالهم .

وقوله : أو لتعودن في ملتنا ( إبراهيم : 13 ) ضمن معنى " لتدخلن " أو " لتصيرن " وأما قول شعيب : وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء ( الأعراف : 89 ) [ ص: 404 ] فليس اعترافا بأنه كان فيهم ، بل مؤول على ما سبق ، وتأويل آخر وهو أن يكون من نسبة فعل البعض إلى الجماعة ، أو قاله على طريق المشاكلة لكلامهم ، وهذا أحسن .

وقوله : أن لا تشرك بي شيئا ضمن ( لا تشرك ) معنى : لا تعدل ، والعدل : التسوية ، أي : لا تسو به شيئا .

وقوله : وأخبتوا إلى ربهم ( هود : 23 ) ضمن معنى " أنابوا " فعدي بحرفه .

وقوله : إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ( القصص : 10 ) ضمن : لتبدي به ( القصص : 10 ) معنى : " تخبر به " أو " لتعلم " ليفيد الإظهار معنى الإخبار ؛ لأن الخبر قد يقع سرا غير ظاهر .

وقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( الإسراء : 79 ) جوز الزمخشري نصب مقاما على الظرف على تضمين ( يبعثك ) معنى ( يقيمك ) .

وقوله : فأجمعوا أمركم وشركاءكم ( يونس : 71 ) قال الفارسي : ومن قرأ " فأجمعوا " بالقطع أراد فأجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم ؛ كقوله :


متقلدا سيفا ورمحا

وقوله : حتى إذا فزع عن قلوبهم ( سبأ : 23 ) قال ابن سيده : عداه بـ " من " لأنه في معنى كشف الفزع .

وقوله : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ( المائدة : 54 ) فإنه يقال : ذل له لا عليه ، ولكنه هنا ضمن معنى التعطف والتحنن .

وقوله : للذين يؤلون من نسائهم ( البقرة : 226 ) ضمن ( يؤلون ) ( البقرة : 226 ) معنى " يمتنعون " من وطئهن بالألية .

[ ص: 405 ] وقوله : لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ( الصافات : 8 ) أي : لا يصغون .

إن الذي فرض عليك القرآن ( القصص : 85 ) أي : أنزل .

فيما فرض الله له ( الأحزاب : 38 ) أي : أحل له .

ومطهرك من الذين كفروا ( آل عمران : 55 ) أي : مميزك .

إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( يونس : 81 ) أي : لا يرضى .

فاستقيموا إليه ( فصلت : 6 ) أي : أنيبوا إليه وارجعوا .

هلك عني سلطانيه ( الحاقة : 29 ) أي : زال .

فليحذر الذين يخالفون عن أمره ( النور : 63 ) فإنه يقال : خالفت زيدا من غير احتياج لتعديه بالجار ، وإنما جاء محمولا على : ينحرفون ، أو : يزيغون .

ومثله تعدية " رحيم " بالباء في نحو : وكان بالمؤمنين رحيما ( الأحزاب : 43 ) حملا على ( رءوف ) في نحو : رءوف رحيم ( التوبة : 128 ) ألا ترى أنك تقول : " رأفت به " ولا تقول : " رحمت به " ، ولكن لما وافقه في المعنى تنزل منزلته في التعدية .

وقوله : إني لما أنزلت إلي من خير فقير ( القصص : 24 ) ضمن معنى : سائل .

الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ( المطففين : 2 ) قال الزمخشري : ضمن معنى " تحاملوا " فعداه بـ " على " والأصل فيه " من " .

التالي السابق


الخدمات العلمية