صفحة جزء
الإبدال

من كلامهم إبدال الحروف وإقامة بعضها مقام بعض ؛ يقولون : مدحه ومدهه ، وهو كثير ألف فيه المصنفون ، وجعل منه ابن فارس قوله تعالى : فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ( الشعراء : 63 ) [ ص: 446 ] فقال : فالراء واللام متعاقبان كما تقول العرب : فلق الصبح وفرقه ، قال : وذكر عن الخليل ولم أسمعه سماعا أنه قال في قوله تعالى : فجاسوا خلال الديار ( الإسراء : 5 ) إنما أراد " فحاسوا " ، فقامت الجيم مقام الحاء .

قال ابن فارس : وما أحسب الخليل قال هذا ، ولا أحقه عنه .

قلت : ذكر ابن جني في " المحتسب " أنها قراءة أبو السمال ، وقال : قال أبو زيد أو غيره : قلت له : إنما هو " فجاسوا " فقال : حاسوا وجاسوا واحد . وهذا يدل على أن بعض القراء يتخير بلا رواية ، ولذلك نظائر . انتهى .

وهذا الذي قاله ابن جني غير مستقيم ، ولا يحل لأحد أن يقرأ إلا بالرواية ، وقوله : إنهما بمعنى واحد لا يوجب القراءة بغير الرواية كما ظنه أبو الفتح ، وقائل ذلك والقارئ به هو أبو السوار الغنوي لا أبو السمال ، فاعلم ذلك .

كذلك أسنده الحافظ أبو عمرو الداني فقال : حدثنا المازني قال : سألت أبا السوار الغنوي ، فقرأ " فحاسوا " بالحاء غير الجيم ، فقلت : إنما هو " فجاسوا " قال : حاسوا وجاسوا واحد . ويعني أن اللفظين بمعنى واحد ، وإن كان أراد أن القراءة بذلك تجوز في الصلاة ، والغرض كما جازت بالأولى فقد غلط في ذلك وأساء .

وزعم الفارسي في تذكرته في قوله : إني أحببت حب الخير ( ص 32 ) أنه [ ص: 447 ] بمعنى حب الخيل ، وسميت الخيل خيرا لما يتصل بها من العز والمنعة ، كما روي : الخيل معقود بنواصيها الخير وحينئذ فالمصدر مضاف إلى المفعول به .

وقيل في قوله تعالى : وأرسلنا الرياح لواقح ( الحجر : 22 ) : إن أصله " ملاقح " ؛ لأنه يقال : ألقحت الريح السحاب ؛ أي : جمعته ، وكل هذا تفسير معنى ، وإلا فالواجب صون القرآن أن يقال فيه مثل ذلك .

وذكر أبو عبيدة في قوله : إلا مكاء وتصدية ( الأنفال : 35 ) معناه " تصددة " ، فأخرج الدال الثانية ياء لكسر الدال الأولى ، كما حكاه صاحب " الترقيص " .

وحكي عن أبي رياش في قول امرئ القيس :

فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي معناه " تنسلل " ، فأخرج اللام الثانية ياء لكسرة اللام الأولى ، ومثله قول الآخر :


وإني لأستنعي وما بي نعسة     لعل خيالا منك يلقى خياليا

أراد أستنعس ، فأخرج السين ياء .

[ ص: 448 ] وقال الفارسي في " التذكرة " : قرأ أبو الحسن أو من قرأ له قوله تعالى فيما حكى عن يعقوب في القلب والإبدال : فمن اضطر غير باغ ولا عاد ( الأنعام : 145 ) غير عائد ، واستحسنه الفارسي ألا يعود إليه كما يعود في حال السعة من العشاء إلى الغداء .

وقيل في قوله تعالى : وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ( الأنعام : 100 ) إن خرقه واخترقه وخلقه واختلقه بمعنى واحد ، هو قول أهل الكتابين في المسيح وعزير ، وقول قريش في الملائكة .

وجوز الزمخشري كونه من خرق الثوب : إذا شقه ، أي : أنهم اشتقوا له بنين وبنات .

التالي السابق


الخدمات العلمية