صفحة جزء
الرابع

تنقسم إلى مرشحة - وهي أحسنها - وهي أن تنظر إلى جانب المستعار وتراعيه ، كقوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم ( البقرة : 16 ) فإن المستعار منه الذي هو الشراء هو المراعى هنا ، وهو الذي رشح لفظتي الربح والتجارة للاستعارة لما بينهما من الملاءمة .

وإلى تجريدية ، وهي أن تنظر إلى جانب المستعار له ، ثم تأتي بما يناسبه ويلائمه ، كقوله تعالى : فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ( النحل : 112 ) فالمستعار اللباس ، والمستعار له الجوع ، فمجرد الاستعارة بذكر لفظ الأداة المناسبة للمستعار له وهو الجوع ، لا المستعار وهو اللباس ، ولو أراد ترشيحها لقال : وكساها لباس الجوع . وفي هذه الآية مراعاة المستعار له الذي هو المعنى ، وهو الجوع والخوف ؛ لأن ألمهما يذاق ولا يلبس ، ولا يكسى .

وقد تجيء ملاحظة المستعار الذي هو اللفظ ، كقوله تعالى : وامرأته حمالة الحطب ( المسد : 4 ) [ ص: 488 ] إذا حملنا الحطب على النميمة ، فاعتبر اللفظ فقال : " حمالة " ولم يقل : " راوية " فيلاحظ المعنى .

وأما الاستعارة بالكناية فهي ألا يصرح بذكر المستعار ، بل تذكر بعض لوازمه تنبيها به عليه ، كقوله : شجاع يفترس أقرانه ، وعالم يغترف منه الناس ، تنبيها على أن الشجاع أسد والعالم بحر .

ومنه المجاز العقلي كله عند السكاكي .

ومن أقسامها - وهو دقيق - أن يسكت عن ذكر المستعار ، ثم يومي إليه بذكر شيء من توابعه وروادفه ؛ تنبيها عليه فتقول : شجاع يفترس أقرانه ، فنبهت بالافتراس على أنك قد استعرت له الأسد .

ومنه قوله تعالى : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه فنبه بالنقض الذي هو من توابع الحبل وروادفه ، على أنه قد استعار للعهد الحبل لما فيه من باب الوصلة بين المتعاهدين .

ومنها قوله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ( الفرقان : 23 ) لأن حقيقته " عملنا " لكن " قدمنا " أبلغ ؛ لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من سفره ؛ لأنه من أجل إمهالهم السابق عاملهم كما يفعل الغائب عنهم إذا قدم فرآهم على خلاف ما أمر به ، وفي هذا تحذير من الاغترار بالإمهال .

وقوله : إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ( الحاقة : 11 ) لأن حقيقة " طغى " علا ، والاستعارة أبلغ ؛ لأن " طغى " علا قاهرا .

[ ص: 489 ] وكذلك بريح صرصر عاتية ( الحاقة : 6 ) لأن حقيقة عاتية : شديدة ، والعتو أبلغ ؛ لأنه شدة فيها تمرد .

وقوله : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك . . . الآية ، وحقيقته : لا تمنع ما تملك كل المنع ، والاستعارة أبلغ ؛ لأنه جعل منع النائل بمنزلة غل اليدين إلى العنق ، وحال الغلول أظهر .

وقوله تعالى : وأخرجت الأرض أثقالها قيل : أخرجت ما فيها من الكنوز .

وقيل : يحيي به الموتى وأنها أخرجت موتاها ، فسمى الموتى ثقلا تشبيها بالحمل الذي يكون في البطن ؛ لأن الحمل يسمى ثقلا ، قال تعالى : فلما أثقلت ( الأعراف : 189 ) .

ومنها جعل الشيء للشيء ، وليس له من طريق الادعاء والإحاطة به نافعة في آيات الصفات ؛ كقوله تعالى : تجري بأعيننا ( القمر : 14 ) .

وقوله : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ( الزمر : 67 ) ويسمى التخييل ، قال الزمخشري : ولا تجد بابا في علم البيان أدق ولا أعون في تعاطي المشبهات منه ، وأما قوله تعالى : كأنه رءوس الشياطين ( الصافات : 65 ) قال الفراء : فيه ثلاثة أوجه .

أحدها : أنه جعل طلعها رءوس الشياطين في القبح .

والثاني : أن العرب تسمي بعض الحيات شيطانا وهو ذو القرن .

الثالث : أنه شوك قبيح المنظر يسمى رءوس الشياطين .

فعلى الأول يكون تخييلا ، وعلى الثاني يكون تشبيها مختصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية