صفحة جزء
الطباق

هو أن يجمع بين متضادين مع مراعاة التقابل ، كالبياض والسواد ، والليل والنهار ، وهو قسمان : لفظي ومعنوي ، كقوله تعالى : فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ( التوبة : 82 ) طابق بين الضحك والبكاء والقليل والكثير .

ومثله لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ( الحديد : 23 ) .

وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا ( النجم : 43 - 44 ) .

وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ( الكهف : 18 ) .

سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ( الرعد : 10 ) .

[ ص: 502 ] وقوله تعالى : تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء . . . ( آل عمران : 26 ) الآية .

وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات ( فاطر : 19 - 22 ) .

ثم إذا شرط فيهما شرط وجب أن يشترط في ضديهما ضد ذلك الشرط ؛ كقوله تعالى : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى . . . ( الليل : 5 - 6 ) الآية ، لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والتقى والتصديق ، جعل ضده وهو التعسير مشتركا بين أضداد تلك الأمور ، وهي المنع والاستغناء والتكذيب .

ومنه : في جنة عالية قطوفها دانية ( الحاقة : 22 - 23 ) قابل بين العلو والدنو .

وقوله : فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ( الغاشية : 13 - 14 ) .

وقوله : ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ( القصص : 73 ) فذكر الليل والنهار وهما ضدان ، ثم قابلهما بضدين وهما الحركة والسكون على الترتيب ، ثم عبر عن الحركة بلفظ الإرداف ، فاستلزم الكلام ضربا من المحاسن زائدا على المبالغة ، وعدل عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل ؛ لكون الحركة تكون للمصلحة دون المفسدة ، وهي تسير إلى الإعانة بالقوة وحسن الاختيار الدال على رجاحة العقل وسلامة الحس ، وإضافة الظرف إلى تلك الحركة المخصوصة واقعة فيه ؛ ليهتدي المتحرك إلى بلوغ المأرب .

ومن الطباق المعنوي قوله تعالى : إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ( يس : 15 - 16 ) معناه : ربنا يعلم إنا لصادقون .

وقوله : الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ( البقرة : 22 ) قال أبو علي في [ ص: 503 ] " الحجة " : لما كان البناء رفعا للمبني قوبل بالفراش الذي هو على خلاف البناء ، ومن ثم وقع البناء على ما فيه ارتفاع في نصيبه إن لم يكن مدرا .

ومنه نوع يسمى الطباق الخفي ، كقوله تعالى : مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا ( نوح : 25 ) لأن الغرق من صفات الماء ، فكأنه جمع بين الماء في النار والنار ، قال ابن منقذ : وهي أخفى مطابقة في القرآن .

قلت : ومنه قوله تعالى : من الشجر الأخضر نارا ( يس : 80 ) فكأنه جمع بين الأخضر والأحمر ، وهذا أيضا فيه تدبيج بديعي .

ومنه : ولكم في القصاص حياة ( البقرة : 179 ) لأن معنى القصاص القتل ، فصار القتل سبب الحياة .

قال ابن المعتز : وهذا من أملح الطباق وأخفاه .

وقوله تعالى في الزخرف : ظل وجهه مسودا ( الآية : 17 ) لأن " ظل " لا تستعمل إلا نهارا ، فإذا لمح مع ذكر السواد كأنه طباق يذكر البياض مع السواد .

[ ص: 504 ] وقوله : ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ( غافر : 41 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية