صفحة جزء
قاعدة أخرى

فيما إذا ذكر الاسم مرتين .

إذا ذكر الاسم مرتين فله أربعة أحوال لأنه إما أن يكونا معرفتين ، أو نكرتين ، أو الثاني معرفة ، والأول نكرة ، أو عكسه .

فالأول أن يكونا معرفتين ، والثاني فيه هو الأول غالبا ، حملا له على المعهود [ ص: 83 ] الذي هو الأصل في اللام ، أو الإضافة ، كالعسر في قوله : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) ( الانشراح : 5 - 6 ) ولذلك ورد : لن يغلب عسر يسرين . قال التنوخي : إنما كان مع العسر واحدا ، لأن اللام طبيعة ، والطبيعة لا ثاني لها بمعنى أن الجنس هي ، والكلي لا يوصف بوحدة ولا تعدد .

وقوله : ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ) ( الصافات : 158 ) . 4 وقوله : ( فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص ) . وقوله : ( وقهم السيئات ومن تق السيئات ) ( غافر : 9 ) . وقوله : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) ( غافر : 16 - 17 ) .

وقوله : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ( غافر : 57 ) .

وقوله : ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ) ( فصلت : 37 ) .

وقوله : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين ) ( الفاتحة : 6 - 7 ) .

وهذه القاعدة ليست مطردة ، وهي منقوضة بآيات كثيرة كقوله تعالى : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ( الرحمن : 60 ) فإنهما معرفتان ، وهما غيران ، فإن الأول هو العمل ، والثاني الثواب . وقوله تعالى : ( أن النفس بالنفس ) ( المائدة : 45 ) أي القاتلة والمقتولة . وقوله : ( الحر بالحر ) ( البقرة : 178 ) . وقوله : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) ( الإنسان : 1 ) . وقوله : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة ) ( الإنسان : 2 ) .

وقوله : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ) [ ص: 84 ] ( المائدة : 48 ) . وقوله : ( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ) ( العنكبوت : 47 ) .

وقوله : ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ) ( آل عمران : 26 ) .

فالملك الذي يؤتيه الله للعبد لا يمكن أن يكون نفس ملكه ، فقد اختلفا وهما معرفتان ، لكن يصدق أنه إياه باعتبار الاشتراك في الاسم ، كما صرح بنحوه في قوله تعالى : ( قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ) ( آل عمران : 73 ) فقد أعاد الضمير في المنفصل المستغرق باعتبار أصل الفضل .

ونظيرها قوله تعالى : ( أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ) ( النساء : 139 ) وقوله : ( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض ) ( سبأ : 9 ) فالأول عام والثاني خاص .

وقوله : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ( غافر : 57 ) . ( إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) ( غافر : 61 ) . وقوله : ( قال فالحق والحق أقول ) ( ص : 84 ) فالأول نصب على القسم ، والثاني نصب بـ " أقول " ، وهذا بخلاف قوله : ( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) ( الإسراء : 105 ) .

وأما قوله : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) ( يوسف : 53 ) فالأول معرفة بالضمير ، والثانية عامة ، والأولى خاصة ، فالأول داخل في الثاني . وكذا قوله : ( عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله ) ( ص : 26 ) وقوله : ( برب العالمين رب موسى وهارون ) ( الشعراء : 47 - 48 ) وقوله : ( أبلغ الأسباب أسباب السماوات ) ( غافر : 36 - 37 ) . وقوله : ( سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ( الفتح : 23 ) .

وقوله : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) ( البقرة : 185 ) ثم قال : [ ص: 85 ] ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ( البقرة : 185 ) فهما وإن اختلفا يكون الأول خاصا ، والثاني عاما متفقان بالجنس . وكذلك ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ( النجم : 28 ) ولذلك استدل بها على أن الأصل إلغاء الظن مطلقا .

وأما قوله تعالى : ( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ) ( القصص : 25 ) بعد قوله : ( قالت إحداهما ) ( القصص : 26 ) فيحتمل أن تكون الأولى هي الثانية ، وألا تكون . ونظيرها قوله تعالى : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) ( البقرة : 282 ) .

فإن كانت " إحداهما " الثانية مفعولا ، فالاسم الأول هو الثاني على قاعدة المعرفتين ، وإن كانت فاعلا فهما واحد باعتبار الجنس ، وأكثر النحاة على أن الإعراب إذا لم يظهر في واحد من الاسمين تعين كون الأول فاعلا ، خلافا لما قاله الزجاج في قوله تعالى : ( فما زالت تلك دعواهم ) ( الأنبياء : 15 ) .

وقوله : ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ) ( آل عمران : 78 ) فالكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم ثم كرره بقوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) ( البقرة : 79 ) والكتاب الثاني التوراة . والثالث جنس كتب الله تعالى أي ما هو من شيء في كتب الله تعالى وكلامه . قال الراغب .

( الثاني ) أن يكونا نكرتين ، فالثاني غير الأول ، وإلا لكان المناسب هو التعريف بناء على كونه معهودا سابقا . قالوا : والمعنى في هذا والذي قبله أن النكرة تستغرق الجنس ، والمعرفة تتناول البعض ، فيكون داخلا في الكل سواء قدم أو أخر . والمشهور في تمثيل هذا القسم اليسر في قوله تعالى : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) ( الانشراح : 5 - 6 ) .

[ ص: 86 ] وقد قيل : إن تنكير ( يسرا ) للتعميم ، وتعريف اليسر للعهد الذي كانوا عليه ، يؤكده سبب النزول ، أو الجنس الذي يعرفه كل أحد ليكون اليسر الثاني مغايرا للأول بخلاف العسر ، والتحقيق أن الجملة الثانية هنا تأكيد للأولى لتقديرها في النفس ، وتمكينها من القلب ، ولأنها تكرير صريح لها ، ولا تدل على تعدد اليسر ، كما لا يدل قولنا : وإن مع زيد كتابا ، إن مع زيد كتابا ، على أن معه كتابين ، فالأفصح أن هذا تأكيد .

وقوله تعالى : ( الله الذي خلقكم من ضعف ) ( الروم : 54 ) الآية ، فإن كلا من المذكور غير الآخر ، فالضعف الأول النطفة أو التراب ، والثاني الضعف الموجود في الطفل والجنين ، والثالث في الشيخوخة ، والقوة الأولى التي تجعل للطفل حركة وهداية لاستدعاء اللبن ، والدفع عن نفسه بالبكاء ، والثانية بعد البلوغ .

قال ابن الحاجب في قوله تعالى : ( غدوها شهر ورواحها شهر ) ( سبأ : 12 ) : الفائدة في إعادة لفظ شهر الإعلام بمقدار زمن الغدو ، وزمن الرواح ، والألفاظ التي تأتي مبينة للمقادير لا يحسن فيها الإضمار .

واعلم أنه ينبغي أن يأتي في هذا القسم الخلاف الأصولي في نحو : صل ركعتين ، صل ركعتين ، هل يكون أمرين بمأمورين ، والثاني تأسيس ، أو لا ؟ وفيه قولان .

وقد نقضوا هذا القسم بقوله تعالى : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) ( الزخرف : 84 ) فإن فيه نكرتين ، والثاني هو الأول وأجاب الطيبي بأنه من باب التكرير وإناطة أمر زائد .

[ ص: 87 ] وهذه القاعدة فيما إذا لم يقصد التكرير ، وهذه الآية من قصد التكرير ، ويدل عليه تكرير ذكر الرب فيما قبله من قوله : ( سبحان رب السماوات والأرض رب العرش ) ( الزخرف : 82 ) .

وأجاب غيره بأن إلها بمعنى معبود ، والاسم المشتق إنما يقصد به ما تضمنه من الصفة ، فأنت إذا قلت : زيد ضارب عمرو ، ضارب بكر ، لا يتخيل أن الثاني هو الأول ، وإن أخبر بهما عن ذات واحدة ، فإن المذكور حقيقة إنما هو المضروبان لا الضاربان ، ولا شك أن الضميرين مختلفان .

ومنها قوله تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) ( البقرة : 117 ) الثاني هو الأول ، وأجيب بأن أحدهما محكي من كلام السائل ، والثاني من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما الكلام في وقوعهما من متكلم واحد . ومنها قوله تعالى : ( فباءوا بغضب على غضب ) ( البقرة : 90 ) ومنها : ( ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير ) ( الملك : 8 - 9 ) .

ومنها : ( وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ) ( الأنعام : 37 ) .

( الثالث ) أن يكون الأول نكرة ، والثاني معرفة ، فهو كالقسم الأول ، يكون الثاني فيه هو الأول ، كقوله تعالى : ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) ( المزمل : 15 - 16 ) . وقوله : ( فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري ) ( النور : 35 ) . وقوله : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل ) ( الشورى : 41 - 42 ) . وقوله : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ) ( الشورى : 52 - 53 ) وهذا منتقض بقوله : ( لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق ) أي لا يملكون شيئا من الرزق ، فابتغوا عند الله كل رزق ( العنكبوت : 17 ) .

وقوله : ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير ) ( النساء : 128 ) ، [ ص: 88 ] فإنهم استدلوا بها على استحباب كل صلح ، فالأول داخل في الثاني ، وليس بجنسه . وكذلك ( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ( يونس : 36 ) وقوله : ( ويؤت كل ذي فضل فضله ) ( هود : 3 ) الفضل الأول العمل ، والثاني الثواب . وكذلك : ( ويزدكم قوة إلى قوتكم ) ( هود : 52 ) . وكذلك : ( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) ( الفتح : 4 ) . وكذلك ( زدناهم عذابا فوق العذاب ) ( النحل : 88 ) تعريفه أن المزيد غير المزيد عليه . وكذلك : ( كتاب أنزلناه إليك ) ( إبراهيم : 1 ) إلى قوله : ( أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب ) ( الأنعام : 157 ) .

( الرابع ) : عكسه فلا يطلق القول به بل يتوقف على القرائن ، فتارة تقوم قرينة على التغاير ، كقوله تعالى : ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ) ( الروم : 55 ) . وكذلك قوله : ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا ) ( النساء : 153 ) . وقوله : ( ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى ) ( غافر : 53 - 54 ) قال الزمخشري : المراد بالهدى جميع ما آتاه من الدين والمعجزات والشرائع ، والهدى والإرشاد .

وتارة تقوم قرينة على الاتحاد كقوله تعالى : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرءانا عربيا ) ( الزمر : 27 - 28 ) وقوله : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) ( الأحقاف : 29 ) . إلى قوله : ( إنا سمعنا كتابا ) ( الأحقاف : 30 ) .

وأما قوله تعالى في سورة البقرة : ( بالمعروف ) ( البقرة : 178 ) . وقوله أيضا : ( من معروف ) ( البقرة : 240 ) فهو من إعادة النكرة معرفة لأن ( من معروف ) وإن كان في التلاوة متأخرا عن ( بالمعروف ) فهو في الإنزال متقدم عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية