صفحة جزء
رأى

إن كانت بصرية تعدت لواحد ، أو علمية تعدت لاثنين ،
وحيث وقع بعد البصرية منصوبا كان الأول مفعولها ، والثاني حالا . ومما يحتمل الأمرين قوله تعالى : ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ) ( الحج : 2 ) فإن كانت بصرية كان الناس مفعولا ، وسكارى حالا ، وإن كانت علمية فهما مفعولاها .

وكذلك قوله تعالى : ( وترى كل أمة جاثية ) ( الجاثية : 28 ) . وقوله تعالى : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) ( الزمر : 60 ) ، فهذه الجملة أعني قوله : ( وجوههم مسودة ) ( الزمر : 60 ) في موضع نصب ، إما على الحال إن كانت بصرية ، أو مفعول ثان إن كانت قلبية .

واعلم أنه قد وقع في القرآن ( ألم يروا كم أهلكنا ) ( الأنعام : 6 ) في بعض المواضع بغير واو كما في الأنعام ، وفي بعضها بالواو ، وفي بعضها بالفاء ( أفلم يروا ) ( سبأ : 9 ) . وهذه الكلمة تأتي على وجهين .

- ( أحدهما ) : أن تتصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة ، فيذكر بالألف والواو ، ولتدل الألف على الاستفهام ، والواو على عطف جملة على جملة قبلها ، وكذلك الفاء لكنها أشد اتصالا مما قبلها .

[ ص: 133 ] - ( والثاني ) : أن يتصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال ، فاقتصر على الألف دون الواو والفاء ليجري مجرى الاستئناف .

ولا ينتقض هذا الأصل بقوله في سورة النحل : ( ألم يروا إلى الطير ) ( الآية : 79 ) لاتصالها بقوله : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ) ( النحل : 78 ) وسبيلها الاعتبار بالاستدلال فبني عليه ( ألم يروا إلى الطير )

وأما " أرأيت " فبمعنى " أخبرني " ، ولا يذكر بعدها إلا الشرط ، وبعده الاستفهام ، على التقديم والتأخير كقوله تعالى : ( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم ) ( الأنعام : 46 ) الآية ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ) ( الملك : 30 ) . وقوله تعالى : ( أرأيت الذي يكذب بالدين ) ( الماعون : 1 ) .

وأما " رأيت " الواقعة في كلام الفقهاء ، فهي كذلك قال ابن خروف : إلا أنهم يلجئون فيها ، وجوابها أرأيت إن كان كذا وكذا ؟ كيف يكون كذا بمعنى عدم الشرط . ثم الاستفهام بعده على نمط الآيات الشريفة ، وهي معلقة عن العمل بما بعدها من الآيات الكريمة ، وكذلك الرؤية كيف تصرفت .

وأما قوله تعالى : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) ( الفرقان : 45 ) فدخلها معنى التعجب كأنه قيل : ألم تعجب إلى كذا ! فتعدت بإلى كأنه : ألم تنظر ، ودخلت إلى بمعنى التعجب ، وعلق الفعل على جملة الاستفهام ، وليست ببدل من الرب تعالى ، لأن الحرف لا يعلق .

وأما " أرأيتك " فقد وقعت هذه اللفظة في سورة الأنعام في موضعين وغيرها ، [ ص: 134 ] وليس لها في العربية نظير ; لأنه جمع فيها بين علامتي خطاب ، وهما التاء والكاف ، والتاء اسم بخلاف الكاف فإنها عند البصريين حرف يفيد الخطاب ، والجمع بينهما يدل على أن ذلك تنبيها على مبناها عليه من مرتبة ، وهو ذكر الاستبعاد بالهلاك ، وليس فيما سواها ما يدل على ذلك ، فاكتفى بخطاب واحد .

قال أبو جعفر بن الزبير : الإتيان بأداة الخطاب بعد الضمير المفيد لذلك تأكيد باستحكام غفلته كما تحرك النائم باليد ، والمفرط الغفلة باليد واللسان ، ولهذا حذفت الكاف في آية يونس ، لأنه لم يتقدم قبلها ذكر صمم ولا بكم يوجب تأكيد الخطاب ، وقد تقدم قبلها قوله : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ) ( يونس : 31 ) إلى ما بعدهن ، فحصل تحريكهم وتنبيههم بما لم يبق بعده إلا التذكير بعذابهم . انتهى .

وقال ابن فارس في قوله تعالى : ( أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) ( الإسراء : 62 ) قال البصريون : هذه الكاف لو كانت اسما استحال أن تعدى " أرأيت " إلا إلى مفعولين ، والثاني هو الأول ، يريد قولهم : " أرأيت زيدا قائما " لا تعدى " أرأيت " إلا إلى مفعول هو " زيد " ومفعول آخر هو " قائم " ، فالأول هو الثاني .

وقال غيره : من جعل الأداة المؤكد بها الخطاب في " أرأيتكم " ضميرا لم يلزمه اعتراض بتعدي فعل الضمير المتصل إلى مضمره المتصل ، لأن ذلك جائز في " الأفعال المذكورة والآيات المذكورة " ، باب الظن ، وفي فعلين من غير باب " ظننت " ، وهما " فقدت " و " عدمت " ، وكذلك تعدي فعل الظاهر إلى مضمره المتصل جائز في الأفعال [ ص: 135 ] المذكورة والآيات المذكورة من باب الظن ; لأن المراد بـ " رأيت " رؤية القلب فهي من المستثنى ، وإنما الممتنع مطلقا تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره ، فلا اختلاف في منع هذا من كل الأفعال .

وأما من جرد أداة الخطاب المؤكد بها للحرفية ، وهو قول الجمهور فلا كلام في ذلك .

وقد اختلف في موضع الكاف من هذا اللفظ على أقوال . قال سيبويه : لا موضع لها . وقال الكسائي : موضعها نصب . وقال الفراء : رفع . ثم قال الكسائي : لم يرد أن يرفع الرجل فعله على نصبه ، وقال الفراء : لم يقصد بالفعل قصد واحد معروف ولو قصد واحد لعينه لما قال " أرأيتك " وفتح الفاء للآتي ، ولكنه فعل ترك فيه اسم الفاعل ، وجعلت الكاف فيه خلفا .

إذا علمت هذا فلها موضعان :

( أحدهما ) : أن تكون بمعنى أخبرني فلا تقع إلا على اسم مفرد ، أو جملة شرط كقوله تعالى : ( أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم ) ( الأنعام : 46 ) الآية ، ولا يقع الشرط إلا ماضيا ، لأن ما بعده ليس بجواب له ، وإنما هو معلق بـ " أرأيتك " ، وجواب الشرط إما محذوف للعلم به ، وإما للاستفهام مع عامله ، معني عنه . وإذا ثني هذا أو جمع لحقت بالتثنية والجمع الكاف ، وكانت التاء مفردة بكل حال .

قال السيرافي : يجوز أن يكون إفرادهم للتاء استغناء بتثنية الكاف وجمعها ، لأنها [ ص: 136 ] للخطاب ، وإنما فعلوا ذلك للفرق بين أرأيت بمعنى أخبرني ، وغيرها إذا كانت بمعنى علمت .

( والثاني ) تكون فيه بمعنى انتبه كقولك : أرأيت زيدا فإني أحبه ، أي انتبه له ، فإني أحبه ولا يلزمه الاستفهام .

وقد يحذف الكلام الذي هو جواب للعلم به فلا يذكر ، كقوله تعالى : ( ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله ) ( هود : 88 ) فلم يأت بجواب .

وأتى في موضع آخر بالجواب ، ولم يأت بالشرط ، قال تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله ) ( الجاثية : 23 ) فـ " من " الأول بمنزلة " الذي " .

التالي السابق


الخدمات العلمية