صفحة جزء
فصل

ويقع السؤال في أنه : هل نص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان ذلك ؟ قال القاضي أبو بكر [ ص: 279 ] في " الانتصار " : إنما هذا يرجع لحفظ الصحابة وتابعيهم ، كما أنه لا بد في العادة من معرفة معظمي العالم والخطيب ، وأهل الحرص على حفظ كلامه ، ومعرفة كتبه ومصنفاته ، من أن يعرفوا ما صنفه أولا وآخرا ، وحال القرآن في ذلك أمثل ، والحرص عليه أشد ، غير أنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قول ، ولا ورد عنه أنه قال : اعلموا أن قدر ما نزل علي بمكة كذا ، وبالمدينة كذا ، وفصله لهم ، ولو كان ذلك منه لظهر وانتشر ، وإنما لم يفعله لأنه لم يؤمر به ، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة ، وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ ; ليعرف الحكم الذي تضمنهما ، فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول بعينه ، وقوله هذا هو الأول المكي ، وهذا هو الآخر المدني ، وكذلك الصحابة والتابعون من بعدهم لما لم يعتبروا أن من فرائض الدين تفصيل جميع المكي والمدني مما لا يسوغ الجهل به ، لم تتوفر الدواعي على إخبارهم به ، ومواصلة ذكره على أسماعهم ، وأخذهم بمعرفته ، وإذا كان كذلك ساغ أن يختلف في بعض القرآن : هل هو مكي أو مدني ؟ وأن يعملوا في القول بذلك ضربا من الرأي والاجتهاد ، وحينئذ فلم يلزم النقل عنهم ذكر المكي والمدني ، ولم يجب على من دخل في الإسلام بعد الهجرة أن يعرف كل آية أنزلت قبل إسلامه مكية أو مدنية ، فيجوز أن يقف في ذلك أو يغلب على ظنه أحد الأمرين ، وإذا كان كذلك بطل ما توهموه من وجوب نقل هذا أو شهرته في الناس ، ولزوم العلم به لهم ، ووجوب ارتفاع الخلاف فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية