صفحة جزء
إذا

نوعان ظرف ومفاجأة . فالتي للمفاجأة ، نحو : خرجت فإذا السبع .

وتجيء اسما [ ص: 168 ] وحرفا فإذا كانت اسما كانت ظرف مكان ، وإذا كانت حرفا كانت من حروف المعاني الدالة على المفاجأة ، كما أن الهمزة تدل على الاستفهام ، فإذا قلت : خرجت فإذا زيد ، فلك أن تقدر إذا ظرف مكان ، ولك أن تقدرها حرفا ، فإن قدرتها حرفا كان الخبر محذوفا ، والتقدير موجود ، وإن قدرتها ظرفا كان الخبر ، وقد تقدم ، كما تقول : عندي زيد ، فتخبر بظرف المكان عن الجثة ، والمعنى حيث خرجت فهناك زيد .

ولا يجوز أن يكون في هذه الحالة ظرف زمان ، لامتناع وقوع الزمان خبرا عن الجثة ، وإذا امتنع أن تكون للزمان تعين أن تكون مكانا ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : ( فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ) ( الروم : 48 ) فإذا الأولى ظرفية ، والثانية مفاجأة . وتجيء ظرف زمان ، وحق زمانها أن يكون مستقبلا ، نحو : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) ( النصر : 1 ) .

وقد تستعمل للماضي من الزمان كـ " إذ " كما في قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض ) ( آل عمران : 156 ) لأن قالوا ماض ، فيستحيل أن يكون زمانه مستقبلا . ومثله قوله تعالى : ( حتى إذا أتوا على وادي النمل ) ( النمل : 18 ) ( حتى إذا جاءوك يجادلونك ) ( الأنعام : 25 ) ( حتى إذا بلغ بين السدين ) ( الكهف : 93 ) ( حتى إذا ساوى بين الصدفين ) ( الكهف : 96 ) ( حتى إذا جعله نارا ) ( الكهف : 96 ) ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ) ( الجمعة : 11 ) لأن الانفضاض واقع في الماضي .

وتجيء للحال كقوله تعالى : ( والنجم إذا هوى ) ( النجم : 1 ) ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) ( الليل : 1 - 2 ) والتقدير : والنجم هاويا ، والليل غاشيا ، والنهار متجليا ، فإذا ظرف زمان ، والعامل فيه استقرار محذوف في موضع نصب على الحال ، والعامل فيها " أقسم " المحذوف .

[ ص: 169 ] وقد استشكل الزمخشري تقدير العامل في ذلك ، وأوضحه الشيخ أثير الدين ، فقال : في القول تقدير الفعل فإن إذا ظرف مستقبل ، ولا جائز أن يكون العامل فيه فعل القسم المحذوف ، لأن " أقسم " إنشائي فهو في الحال ، و " إذا " لما يستقبل فيأبى أن يعمل الحال في المستقبل لاختلاف زمان العامل والمعمول ، ولا جائز أن يكون ثم مضاف محذوف أقيم المقسم به مقامه ، أي وطلوع النجوم ، ومجيء الليل ، لأنه معمول لذلك الفعل ، فالطلوع حال ولا يعمل في المستقبل ضرورة أن زمان العامل زمان المعمول .

ولا جائز أن يعمل فيه نفس المقسم به ، لأنه ليس من قبيل ما يعمل ، ولا جائز أن يقدر محذوف قبل الظرف ، ويكون قد عمل فيه فيكون ذلك العامل في موضع الحال ، وتقديره : والنجم كائنا إذا هوى ، والليل كائنا إذا يغشى ، لأنه يلزم " كائنا " ألا يكون منصوبا بعامل إذ لا يصح ألا يكون معمولا لشيء مما فرضناه أن يكون عاملا . وأيضا فيكون المقسم به جثة ، وظروف الزمان لا تكون أحوالا عن الجثث كما لا تكون أخبارا لهن :

فأما الوجه الأول فهو الذي ذكره أبو البقاء قال في قوله تعالى : ( والنجم إذا هوى ) ( النجم : 29 ) العامل في الظرف فعل القسم المحذوف تقديره : أقسم بالنجم وقت هويه .

وما ذكره الشيخ عليه من الإشكال فقد يجاب عنه بوجهين :

[ ص: 170 ] ( أحدهما ) : أن الزمانين لما اشتركا في الوقوع المحقق نزلا منزلة الزمان الواحد ، ولهذا يصح عطف أحدهما على الآخر كقوله تعالى : ( إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ) ( الفرقان : 10 ) ثم قال : ( ويجعل ) ( الفرقان : 10 ) .

وهو قريب من جواب الفارسي لما سأله أبو الفتح عن قوله تعالى : ( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم ) ( الزخرف : 39 ) مستشكلا إبدال " إذ " من " اليوم " فقال : " اليوم " حال ، " وظلمتم " في الماضي ، فقال : إن الدنيا والآخرة متصلتان ، وإنهما في حكم الله تعالى سواء ، فكأن " اليوم " ماض ، وكأن " إذ " مستقبله .

والثاني أنه على ظاهره ، ولا يلزم ما ذكر ؛ لأن الحال كما تأتي مقارنة تأتي مقدرة ، وهي أن تقدر المستقبل مقارنا ، فتكون أطلقت ما بالفعل على ما بالقوة مجازا ، وجعلت المستقبل حاضرا كقوله تعالى : ( فادخلوها خالدين ) ( الزمر : 73 ) .

وأما الوجه الثاني فيمكن أن يقال : يجوز تقديره ، وهو العامل ولا يلزم ما قال من اختلاف الزمانين ، لأنه يجوز الآن أن يقسم بطلوع النجم في المستقبل ، والقسم في الحال ، والطلوع في المستقبل ، ويجوز أن يقسم بالشيء الذي سيوجد .

وأما الوجه الأخير ، فهو الذي ذكره ابن الحاجب في شرح " المفصل " فقال : إذا ثبت أنها لمجرد الظرفية ، فليست متعلقة بفعل القسم ، لأنه يصير المعنى : أقسم في هذا الوقت بالليل ، فيصير القسم مقيدا ، والمعنى على خلافه بل تتعلق بفعل محذوف فهي إذن في موضع الحال من الليل انتهى .

[ ص: 171 ] وقد وقع في محذور آخر ، وهو أن الليل عبارة عن الزمان المعروف ، فإذا جعلت " إذا " معمولة لفعل هو حال من الليل ، لزم وقوع الزمان في الزمان وهو محال ، وأما ما ذكره الشيخ عليه فقد يمنع بل يجوز ذلك ويكون حالا مقدرة .

وقوله : يلزم ألا يكون له عامل . قلنا : بل له عامل ، وهو فعل القسم ، ولا يضر كونه إنشاء لما ذكرنا أنها حال مقدرة .

وأما الشبهة الأخيرة ، فقد سألها أبو الفتح ، فقال : كيف جاز لظرف الزمان هنا أن يكون حالا من الجثة ، وقد علم امتناع كونه صلة له وصفة وخبرا ! وأجاب بأنها جرت مجرى الوقت الذي يؤخر ويقدم . وهي أيضا بعيدة لا تنالها أيدينا ، ولا يحيط علمنا بها في حال نصبها ، إحاطتنا بما يقرب منها ، فجرت لذلك مجرى المعدوم .

فإن قيل : كيف جاز لظرف الزمان أن يكون حالا من النجم ؟ وأجاب بأن مثل هذا يجوز في الحال من حيث كان فضلة . انتهى .

وقد يقال : ولئن سلمنا الامتناع في الحال أيضا ، فيكون على حذف مضاف ، أي وحضور الليل ، وتجعله حالا من الحضور لا من الجثة .

والتحقيق - وبه يرتفع الإشكال في هذه المسألة - أن يدعى أن " إذا " كما تجرد عن الشرطية كذلك تجرد عن الظرفية ، فهي في هذه الآية الشريفة لمجرد الوقت من دون تعلق بالشيء تعلق الظرفية الصناعية ، وهي مجرورة المحل ههنا لكونها بدلا عن الليل ، كما جرت بـ " حتى " في قوله : ( حتى إذا جاءوها ) ( الزمر : 71 ) والتقدير : أقسم بالليل وقت غشيانه ، أي أقسم بوقت غشيان الليل ، وهذا واضح .

فإن قلت : هل صار أحد إلى تجردها عن الظرفية والشرطية معا ؟ قلت : نعم [ ص: 172 ] نص عليه في التسهيل ، فقال : وقد تفارقها الظرفية مفعولا بها ، أو مجرورة بحتى ، أو مبتدأ . وعلم مما ذكرنا زيادة رابع وهو البدلية

( فائدة ) . وتستعمل أيضا للاستمرار كقوله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) ( البقرة : 14 ) وقوله : ( لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض ) ( آل عمران : 156 ) فهذا فيما مضى لكن دخلت " إذا " لتدل على أن هذا شأنهم أبدا ، ومستمر فيما سيأتي ، كما في قوله :


وندمان يزيد الكأس طيبا سقيت إذا تغورت النجوم

ثم فيه مسائل .

( الأولى ) المفاجأة عبارة عن موافقة الشيء في حال أنت فيها ، قال تعالى : ( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ) ( الأعراف : 107 ) وقوله : ( وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ) ( الروم : 36 ) .

قالوا : ولا تقع بعد " إذا " المفاجأة إلا الجملة الاسمية ، وبعد " إذ " إلا الفعل الماضي .

ومذهب المبرد وتبعه أكثر المتأخرين - أن المفاجأة نقلها إلى المكان عن الزمان ، ومعنى الآية : موافقة الثعبان لإلقاء موسى العصا في المكان ، وكذلك قولهم : خرجت فإذا السبع ، أي فإذا موافقة السبع ، لحرف حي في المكان ، وهي معنى قولهم : فإذا السبع بالحفرة ، وعلى هذا لا يكون مضافا إلى الجملة بعدها .

[ ص: 173 ] ( الثانية ) : الظرفية ضربان : ظرف محض ، وظرف مضمن معنى الشرط .

- فالأول نحو قولك : راحة المؤمن إذا دخل الجنة . ومنه قوله تعالى : ( والليل إذا يغشى ) ( الليل : 1 ) ومنه ( وإذا كنت فيهم ) ( النساء : 108 ) و إذا كنت علي راضية ، و " إذا كنت علي غضبى " لأنه لو كان فيها معنى الشرط ، لكان جوابها معنى ما تقدم ، ويصير التقدير في الأول : " إذا يغشى أقسم " فيفسد المعنى لغة ، أو يصير القسم متعلقا على شرط ، لا مطلقا فيؤدي إلى أن يكون القسم غير حاصل الآن ، وإنما يحصل إذا وجد شرطه ، وليس المعنى عليه ، بل على حصول القسم الآن من غير تقييد . وكذا حكم : ( والنجم إذا هوى ) ( النجم : 1 ) ( والليل إذا يسر ) ( الفجر : 4 ) .

ومما يتضمن للظرفية العارية من الشرط قوله : ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) ( الشورى : 39 ) لأنه لو كان فيها معنى الشرط لوجبت الفاء في جوابها .

والضرب الثاني يقتضي شرطا وجوابا ، ولهذا تقع الفاء بعدها على حد وقوعها بعد " إذ " كقوله تعالى : ( إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) ( الأنفال : 45 ) وكذا كثر وقوع الفعل بعد ماضي اللفظ مستقبل المعنى ، نحو : إذا جئتني أكرمتك . ومنه : إذا قلت [ ص: 174 ] لصاحبك أنصت فقد لغوت . وتختص المضمنة معنى الشرط بالفعل ، ومذهب سيبويه أنها لا تضاف إلا إلى جملة فعلية ، ولهذا إذا وقع بعدها اسم قدر بينه وبينها فعل محافظة على أصلها ، فإن كان الاسم مرفوعا كان فاعل ذلك الفعل المقدر ، كقوله تعالى : ( إذا السماء انشقت ) ( الانشقاق : 1 ) وإن كان منصوبا كان مفعولا ، والفاعل فيه أيضا ذلك المقدر ، كقوله :

إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته



والتقدير : إذا بلغت .

ومنهم من منع اختصاصها بالفعل ، لجواز : " إذا زيد ضربته " . وعلى هذا فالمرفوع بعدها مبتدأ ، وهو قول الكوفيين ، واختاره ابن مالك . وعلى القولين فمحل الجملة بعدها الجر بالإضافة ، والفاعل فيها جوابها ، وقيل : ليست مضافة والعامل فيها الفعل الذي يليها لا جوابها .

( تنبيه ) : مما يفرق فيه بين المفاجأة والمجازاة أن " إذا " التي للمفاجأة لا يبتدأ بها كقوله : ( إذا هم يقنطون ) ( الروم : 36 ) والتي بمعنى المجازاة يبتدأ بها ، نص عليه سيبويه ، فقال في الأولى : إذا جواب بمنزلة الفاء ، وإنما صارت جوابا بمنزلة الفاء ، لأنه لا يبدأ بها كما لا يبدأ بالفاء .

[ ص: 175 ] قال النحاس : ولكن قد عورض سيبويه بأن الفاء قد تدخل عليها ، فكيف تكون عوضا منها ؟

والجواب : أنها إنما تدخل توكيدا ، وأما قوله تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم ) ( الجاثية : 25 ) فيحتمل أنها متمحضة الظرفية لعدم الفاء في جوابها مع " ما " ، ويحتمل أن يكون " ما " جواب قسم مقدر ، لا جواب الشرط ، فلذلك لم يجئ بالفاء .

( الثالثة ) جوز ابن مالك أن تجيء لا ظرفا ولا شرطا ، وهي الداخلة عليها " حتى " الجارة كقوله تعالى : ( حتى إذا جاءوها ) ( الزمر : 71 ) أو الواقعة مفعولا كقوله عليه السلام : إني لأعلم إذا كنت علي راضية وكما جاز تجردها عن الشرط جاز تجردها عن الظرف .

وتحصل أنها تارة ظرف لما يستقبل ، وفيها معنى الشرط ، نحو : ( إذا طلقتم النساء ) ( الطلاق : 1 ) وتارة ظرف مستقبل غير شرط ، نحو : ( ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ) ( مريم : 66 ) وتارة ظرف غير مستقبل ، نحو : ( إذا ما أتوك لتحملهم ) ( التوبة : 92 ) وتارة لا ظرف ولا شرط ، وتارة لا تكون اسم زمان ، وهي المفاجأة .

( الرابعة ) أصل " إذا " الظرفية لما يستقبل من الزمان كما أن " إذ " لما مضى منه ، ثم يتوسع فيها ، فتستعمل في الفعل المستمر في الأحوال كلها الحاضرة ، والماضية ، والمستقبلة ، فهي في ذلك شقيقة الفعل المستقبل الذي هو يفعل حيث يفعل به نحو ذلك . قالوا : إذا استعطي فلان أعطى ، وإذا استنصر نصر ، كما قالوا : فلان يعطي [ ص: 176 ] الراغب ، وينصر المستغيث ، من غير قصد إلى تخصيص وقت دون وقت ، وحال دون حال . قاله الزمخشري في كشافه القديم .

الخامسة : تجاب الشرطية بثلاثة أشياء .

- أحدها : الفعل نحو : إذا جئتني أكرمتك .

- وثانيها : الفاء نحو : إذا جئتني فأنا أكرمك .

- ثالثها : إذا المكانية قال تعالى : ( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) ( الروم : 25 ) وقوله : ( حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون ) ( المؤمنون : 64 ) .

وما قبلها إما جوابها ، نحو : إذا جئتني أكرمتك ، أو ما دل عليه جوابها ، كقوله تعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ) ( المؤمنون : 101 ) والمعنى فإذا نفخ في الصور تقاطعوا ، ودل عليه قوله : ( فلا أنساب بينهم ) . وكذا قوله : ( يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ) ( الفرقان : 22 ) وإنما احتيج لهذا التقدير لأن ما بعد " لا " النافية في مثل هذا الموضع لا يعمل فيه ما قبلها . وأيضا فإن " بشرى " مصدر ، والمصدر لا يتقدم عليه ما كان في صلته .

ومن ذلك قوله : ( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) ( الروم : 25 ) فالعامل في " إذا " الأولى ما دل عليه ( إذا أنتم تخرجون ) والتقدير خرجتم . ولا يجوز أن يعمل فيه " تخرجون " لامتناع أن يعمل ما بعد " إذا " في المكانية فيما قبلها ، وحكمها في ذلك حكم الفاء .

[ ص: 177 ] ومنه قوله تعالى : ( فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ) ( المدثر : 8 - 9 ) فالعامل في " إذا " ما دل عليه قوله تعالى : ( فذلك يومئذ يوم عسير ) والتقدير : فإذا نقر في الناقور صعب الأمر . وقوله : ( هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم ) ( سبأ : 7 ) فالعامل في " إذا " ما دل عليه قوله تعالى : ( إنكم لفي خلق جديد ) ( سبأ : 7 ) من معنى " بعثتم " أو " مبعوثون " .

فإن قيل : أيجوز نصب " إذا " بقوله " جديد " لأن المعنى عليه ؟ قيل : لا يجوز لامتناع أن يعمل ما بعد " إن " فيما قبلها ، وهذا يسمى مجاوبة الإعراب ، والمعنى للشيء الواحد ، وكان أبو علي الفارسي يلم به كثيرا ، وذلك أنه يوجد في المنظوم والمنثور . والمعنى يدعو إلى أمر ، والإعراب يمنع منه ، وقد سبق بيانه في نوع ما يتعلق بالإعراب .

( المسألة السادسة ) : " إذا " توافق " إن " في بعض الأحكام ، وتخالفها في بعض ، فأما الموافقة : فهي إن كل واحد منهما يطلب شرطا وجزاء ، نحو : إذا قمت قمت ، وإذا زرتني أكرمتك .

وكل واحدة منهما تطلب الفعل ، فإن وقع الاسم بعد واحدة منهما قدر له فعل يرفعه يفسره الظاهر ، مثاله في " إن " قوله تعالى : ( وإن امرأة خافت ) ( النساء : 128 ) ( إن امرؤ هلك ) ( النساء : 176 ) وقوله : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ) ( التوبة : 6 ) ومثاله في " إذا " قوله تعالى : ( إذا السماء انشقت ) ( الانشقاق : 1 ) و ( إذا الشمس كورت ) ( التكوير : 1 ) وما بعدها في السورة من النظائر ، وكذا قوله : ( إذا السماء انفطرت ) ( الانفطار : 1 ) وما بعدها من النظائر ، و ( إذا وقعت الواقعة ) ( الواقعة : 1 ) .

[ ص: 178 ] - وأما الأحكام التي تخالفها ففي مواضع :

الأول أن لا تدخل إلا على مشكوك نحو : إن جئتني أكرمتك ، ولا يجوز : إن طلعت الشمس آتيك ، لأن طلوع الشمس متيقن ، ثم إن كان المتيقن الوقوع مبهم الوقت جاز كقوله تعالى : ( أفإن مت ) ( الأنبياء : 34 ) ونظائره .

وأما " إذا " فظاهر كلام النحاة يشعر بأنها لا تدخل إلا على المتيقن ، وما في معناه ، نحو : إذا طلعت الشمس فأتني ، وقوله :


إذا مت فادفني إلى جنب كرمة



وقوله :

إذا طلعت شمس النهار فسلمي

وذلك لكونها للزمن المعين بالإضافة على مذهب الأكثر ، ولذلك لم يجزموا بها في الاختيار لعدم إبهامها كالشروط ، ولذلك وردت شروط القرآن بها ، كقوله : ( إذا الشمس كورت ) ( التكوير : 1 ) ونظائرها السابقة ، لكونها متحققة الوقوع .

وأما قوله تعالى : ( وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ) ( الإنسان : 28 ) فقد أشكل دخولها على غير الواقع ، وأجيب بأن التبديل محتمل وجهين : أحدهما : إعادتهم في الآخرة لأنهم أنكروا البعث . والثاني : إهلاكهم في الدنيا ، وتبديل أمثالهم ، فيكون كقوله : ( إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ) ( النساء : 133 ) فإن كان المراد في الدنيا ، [ ص: 179 ] وجب أن يجعل هذا بمعنى " إن " الشرطية ، لأن هذا شيء لم يكن ، فهي مكان " إن " لأن الشرط يمكن أن يكون ، وألا يكون ، ألا ترى إلى ظهورها في قوله تعالى : ( إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ) ( النساء : 133 ) ( إن نشأ نخسف بهم الأرض ) ( سبأ : 9 ) وإنما أجاز لـ " إذا " أن تقع موقع " إن " لما بينهما من التداخل والتشابه .

وقال ابن الخويي : الذي أظنه أنه يجوز دخولها على المتيقن والمشكوك ، لأنها ظرف وشرط ، فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك كـ " إن " وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقن كسائر الظروف .

وإنما اشترط فيما تدخل عليه ( إن ) أن يكون مشكوكا فيه ، لأنها تفيد الحث على الفعل المشروط لاستحقاق الجزاء ، ويمتنع فيه لامتناع الجزاء ، وإنما يحث على فعل ما يجوز ألا يقع ، أما ما لا بد من وقوعه فلا يحث عليه ، وإنما امتنع دخول " إذا " على المشكوك إذا لحظت فيها الظرفية ، لأن المعنى حينئذ التزام الجزاء في زمان وجود الشرط ، والتزام الشيء في زمان لا يعلم وجود شرط فيه ليس بالتزام .

ولما كان الفعل بعد " إن " مجزوما به يستعمل فيه ما ينبئ عن تحققه ، فيغلب لفظ الماضي كقوله : ( فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة ) ( الأعراف : 131 ) فجيء بـ " إذا " في جانب الحسنة ، وبـ " إن " في جانب السيئة ، لأن المراد بالحسنة جنس الحسنة ، ولهذا عرفت ، وحصول الحسنة المطلقة مقطوع به فاقتضت البلاغة التعبير بـ " إذا " وجيء بـ " إن " في جانب السيئة ، لأنها نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة ، كالمرض بالنسبة إلى الصحة ، والخوف بالنسبة إلى الأمن .

ومنه قوله تعالى في سورة الروم : ( وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ) ( الآية : 36 ) . وقوله : [ ص: 180 ] ( فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ) ( الروم : 48 ، 49 ) .

وأما قوله تعالى : ( وإذا مس الإنسان ضر ) ( الزمر : 8 ) بلفظ " إذا " مع " الضر " ، فقال السكاكي : نظر في ذلك إلى لفظ المس ، وتنكير الضر المفيد للتعليل ليستقيم التوبيخ ، وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرر ، وللتنبيه على أن مس قدر يسير من الضر لأمثال هؤلاء ، حقه أن يكون في حكم المقطوع به .

وأما قوله تعالى : ( وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ) ( فصلت : 51 ) بعد قوله : ( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه ) ( فصلت : 51 ) أي أعرض عن الشكر ، وذهب بنفسه وتكبر ، والذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير للمعرض المتكبر لا لمطلق الإنسان ، ويكون لفظ " إذا " للتنبيه على أن مثل هذا المعرض المتكبر يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا .

الموضع الثاني : من الأحكام المخالفة أن المشروط بـ " إن " إذا كان عدما لم يمتنع الجزاء في الحال ، حتى يتحقق اليأس من وجوده ، ولو كان العدم مشروطا بـ " إذا " وقع الجزاء في الحال ، مثل : إن لم أطلقك فأنت طالق ، لم تطلق إلا في آخر العمر ، وإذا قال : إذا لم أطلقك فأنت طالق ، تطلق في الحال ، لأن معناه أنت طالق في زمان عدم تطليقي لك ، فأي زمان تخلف عن التطليق يقع فيه الطلاق . وقوله : إن لم أطلقك ، تعليق للطلاق على امتناع الطلاق ولا يتحقق ذلك إلا بموته غير مطلق .

الثالث : أن " إن " تجزم الفعل المضارع إذا دخلت عليه ، و " إذا " لا تجزمه لأنها لا تتمحض شرطا ، بل فيها معنى التزام الجزاء في وقت الشرط ، من غير وجوب أن يكون [ ص: 181 ] معللا بالشرط . وقد جاء الجزم بها إذا أريد بها معنى " إن " وأعرض عما فيها من معنى الزمان ، كقوله :

وإذا تصبك خصاصة فتجمل .

الرابع : أن " إذا " هل تفيد التكرار والعموم ؟ فيه قولان ، حكاهما ابن عصفور : ( أحدهما ) : نعم ، فإذا قلت : إذا قام زيد قام عمرو ، أفادت أنه كلما قام زيد قام عمرو . والثاني : لا يلزم . قال : والصحيح أن المراد بها العموم كسائر أسماء الشرط ، وأما " إن " ففيها كلام عن ابن جني يأتي في باب " إن " .

الخامس : أنك تقول : أقوم إذا قام زيد ، فيقتضي أن قيامك بعد قيامه مرتبط بقيامه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ، بل يعاقبه على الاتصال ، بخلاف : أقوم إن قام زيد ، فيقتضي أن قيامك بعد قيامه ، وقد يكون عقبه ، وقد يتأخر عنه .

فالحاصل من " إن " التقييد بالاستقبال دون اقتضاء تعقيب ، أو مباعدة بخلاف " إذا " . ذكره أبو جعفر بن الزبير في كتابه " ملاك التأويل " .

المسألة السابعة : قيل قد تأتي زائدة كقوله : ( إذا السماء انشقت ) ( الانشقاق : 1 ) تقديره : انشقت السماء ، كما قال : ( اقتربت الساعة ) ( القمر : 1 ) ( أتى أمر الله ) ( النحل : 1 ) ورد هذا بأن الجواب مضمر .

[ ص: 182 ] ويجوز مجيئها بمعنى " إذ " وجعل منه ابن مالك قوله تعالى : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا ) ( الجمعة : 11 ) . ورد بفوات المعنى لأن " إذا " تفيد أن هذا حالهم المستمر ، بخلاف " إذ " فإنها لا تعطي ذلك .

وقولهم : إذا فعلت كذا ، فيكون على ثلاثة أضرب : ( أحدها ) : يكون المأمور به قبل الفعل ، تقول : إذا أتيت الباب ، فالبس أحسن الثياب ، ومنه قوله تعالى : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) ( المائدة : 6 ) ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ ) ( النحل : 98 ) . ( الثاني ) : أن يكون مع الفعل كقولك : إذا قرأت فترسل . ( الثالث ) : أن يكون بعده كقوله تعالى : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ( المائدة : 2 ) ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا ) ( الجمعة : 9 )

التالي السابق


الخدمات العلمية