صفحة جزء
10 - " أن " المفتوحة المشددة

تجيء للتأكيد كالمكسورة ، واستشكله بعضهم لأنك لو صرحت بالمصدر المنسبك منها لم تفد توكيدا ، وهو ضعيف لما علم من الفرق بين " أن والفعل والمصدر " .

وقال في المفصل : " إن " و " أن " تؤكدان مضمون الجملة إلا أن المكسورة ، الجملة معها على استقلالها بفائدتها .

قال ابن الحاجب : لأن وضع " إن " تأكيد للجملة من غير تغيير لمعناها ، فوجب أن تستقل بالفائدة بعد دخولها ، وأما المفتوحة فوضعها وضع الموصولات ، في أن الجملة معها كالجملة مع الموصول ، فلذلك صارت مع جملتها في حكم الخبر ، فاحتاجت إلى جزء آخر ليستقل معها بالكلام ، فتقول : إن زيدا قائم ، وتسكت . وتقول : أعجبني أن زيدا قائم ، فلا تجد بدا من هذا الجزء الذي معها ، لكونها صارت في حكم الجزء الواحد ، إذ معناه أعجبني قيام زيد ، ولا يستقل بالفائدة ما لم ينضم إليه جزء آخر ، فكذلك المفتوحة مع جملتها ، ولذلك وقعت فاعلة ومفعولة ومضافا إليها ، وغير ذلك مما تقع فيه المفردات .

ومن وجوه الفرق بينهما أنه لا تصدر بالمفتوحة الجملة كما تصدر بالمكسورة لأنها [ ص: 204 ] لو صدرت لوقعت مبتدأ ، والمبتدأ معرض لدخول إن فيؤدي إلى اجتماعهما .

ولأنها قد تكون بمعنى " لعل " كما في قوله تعالى : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( الأنعام : 109 ) وتلك لها صدر الكلام ، فقصدوا إلى أن تكون هذه مخالفة لتلك في الوضع . يقصد من أول الأمر الفرق بينهما أي لعلها .

11 - إنما

لقصر الصفة على الموصوف ، أو الموصوف على الصفة ،
وهي للحصر عند جماعة كالنفي والاستثناء .

وفرق البيانيون بينهما فقالوا : الأصل أن يكون ما يستعمل له إنما مما يعلمه المخاطب ولا ينكره ، كقولك : إنما هو أخوك ، وإنما هو صاحبك القديم ، لمن يعلم ذلك ، ويقر به . وما يستعمل له النفي والاستثناء على العكس ، فأصله أن يكون مما يجهله المخاطب وينكره نحو : وما من إله إلا الله ( آل عمران : 62 ) .

ثم إنه قد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل له النفي والاستثناء نحو : وما محمد إلا رسول ( آل عمران : 144 ) الآية ونحو : إن أنتم إلا بشر مثلنا ( إبراهيم : 10 ) والرسل ما كانوا على دفع البشرية عن أنفسهم ، وادعاء الملائكية ، لكن الكفار كانوا يعتقدون أن الله لا يرسل إلا الملائكة ، وجعلوا أنهم بادعائهم النبوة ينفون عن أنفسهم البشرية ، فأخرج الكلام مخرج ما يعتقدون ، وأخرج الجواب أيضا مخرج ما قالوا حكاية لقولهم ، كما يحكي المجادل كلام خصمه ، ثم يكر عليه بالإبطال ، كأنه قيل : الأمر كما زعمتم أننا بشر ، ولكن ليس الأمر كما زعمتم من اختصاص الملائكة بالرسالة ، فإن الله يبعث من الملائكة رسلا ومن الناس .

[ ص: 205 ] وقد ينزل المجهول منزلة المعلوم لادعاء المتكلم ظهوره ، فيستعمل له " إنما " كقوله تعالى : إنما نحن مصلحون ( البقرة : 11 ) فإن كونهم مصلحين منتف فهو مجهول ، بمعنى أنه لم يعلم بينهم صلاح ، فقد نسبوا الإصلاح إلى أنفسهم ، وادعوا أنهم كذلك ظاهر جلي ، ولذلك جاء الرد عليهم مؤكدا من وجوه .

12 - " إلى " لانتهاء الغاية ، وهي مقابلة لـ " من " ، ثم لا يخلوا أن يقترن بها قرينة تدل على أن ما بعدها داخل فيما قبلها ، أو غير داخل ، وإن لم يقترن بها قرينة تدل على أن ما بعدها داخل فيما قبلها أو غير داخل ، فيصار إليه قطعا ، وإن لم يقترن بها .

واختلف في دخول ما بعدها في حكم ما قبلها على مذاهب .

( أحدها ) : لا تدخل إلا مجازا لأنها تدل على غاية الشيء ونهايته التي هي حده ، وما بعد الحد لا يدخل في المحدود ، ولهذا لم يدخل شيء من الليل في الصوم في قوله تعالى : ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة : 187 ) .

( الثاني ) : عكسه أي أنه يدخل ولا يخرج إلا مجازا ، بدليل آية الوضوء .

( والثالث ) : أنها مشتركة فيهما لوجود الدخول وعدمه .

( والرابع ) : إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها أو جزءا كالمرافق ، دخل وإلا فلا .

والحق أنه لا يطلق فقد يدخل نحو : وأيديكم إلى المرافق ( المائدة : 6 ) وقد [ ص: 206 ] لا يدخل نحو : ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة : 187 ) .

وقيل في آية المرافق : إنها على بابها ، وذلك أن المرفق هو الموضع الذي يتكئ الإنسان عليه في رأس العضد ، وذلك هو المفصل وفريقه ، فيدخل فيه مفصل الذراع ، ولا يجب في الغسل أكثر منه . وقيل : " إلى " تدل على وجوب الغسل إلى المرافق ، ولا ينبغي وجوب غسل المرفق لأن الحد لا يدخل في المحدود ، ولا ينفيه التحديد ، كقولك : سرت إلى الكوفة فلا يقتضي دخولها ولا ينفيه ، كذلك المرافق إلا أن غسله ثبت بالسنة .

ومنشأ الخلاف في آية الوضوء أن " إلى " حرف مشترك ، يكون للغاية والمعية ، واليد تطلق في كلام العرب على ثلاثة معان : على الكفين فقط ، وعلى الكف والذراع والعضد ، فمن جعل " إلى " بمعنى " مع " ، وفهم من اليد مجموع الثلاثة ، أوجب دخوله في الغسل ، ومن فهم من " إلى " الغاية ، ومن اليد ما دون المرفق لم يدخلها في الغسل .

قال الآمدي : ويلزم من جعلها بمعنى " مع " أن يوجب غسلها إلى المنكب ; لأن العرب تسميه يدا . وقد تأتي بمعنى مع كقوله : من أنصاري إلى الله ( آل عمران : 52 ) . ويزدكم قوة إلى قوتكم ( هود : 52 ) . ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( النساء : 2 ) . وأيديكم إلى المرافق ( المائدة : 6 ) . وإذا خلوا إلى شياطينهم ( البقرة : 11 ) .

وقيل : ترجع إلى الانتهاء ، والمعنى في الأول : من يضيف نصرته إلى نصرة الله ، وموضعها حال أي من أنصاري مضافا إلى الله .

والمعنى في الأخرى : ولا تضيفوا [ ص: 207 ] أموالكم إلى أموالهم وكني عنه بالأكل كما قال : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( البقرة : 188 ) أي لا تأخذوا .

وقد تأتي للتبيين ، قال ابن مالك : وهي المعلقة في تعجب أو تفضيل بحب أو بغض مبينة لفاعلية مصحوبها كقوله تعالى : قال رب السجن أحب إلي ( يوسف : 33 ) .

ولموافقة اللام كقوله : والأمر إليك ( النمل : 33 ) وقيل : للانتهاء وأصله والأمر إليك . وكقوله : ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( يونس : 25 ) وموافقة " في " في قوله تعالى : هل لك إلى أن تزكى ( النازعات : 18 ) وقيل : المعنى بل أدعوك إلى أن تزكى .

وزائدة كقراءة بعضهم : فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ( إبراهيم : 37 ) بفتح الواو . وقيل : ضمن " تهوى " معنى " تميل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية