صفحة جزء
16 - " أما " المفتوحة الهمزة المشددة الميم

كلمة فيها معنى الشرط ، بدليل لزوم الفاء في جوابها . وقدرها سيبويه بمهما ، وفائدتها في الكلام أنها تكسبه فضل تأكيد ، تقول : زيد ذاهب فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب ، قلت : أما زيد فذاهب . ولهذا قال سيبويه : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب .

وفي إيرادها في قوله تعالى : فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ( البقرة : 26 ) إحماد عظيم للمؤمنين ، ونعي على الكافرين لرميهم بالكلمة الحمقاء .

والاسم الواقع بعدها إن كان مرفوعا فهو مبتدأ ، كقوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين ( الكهف : 79 ) وأما الغلام ( الكهف : 80 ) وأما الجدار ( الكهف : 82 ) . وإن كان منصوبا فالناصب له ما بعد الفاء على الأصح ، كقوله تعالى : فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر ( الضحى : 9 - 10 ) . وقرئ : وأما ثمود فهديناهم ( فصلت : 17 ) بالرفع والنصب ، فالرفع بالابتداء لاشتغال الفعل عنهم بضميرهم .

وتذكر لتفصيل ما أجمله المخاطب ، وللاقتصار على بعض ما ادعى . فالأول كقوله تعالى : فأما الذين شقوا ففي النار ( هود : 106 ) وأما الذين سعدوا ففي الجنة ( هود : 108 ) ، فهذا تفصيل لما جمع في قوله : ذلك يوم مجموع له الناس [ ص: 215 ] ( هود : 103 ) وبيان أحكام الشقي والسعيد . والثاني : كما لو قيل : زيد عالم شجاع كريم ، فيقال : أما زيد فعالم أي لا يثبت له بما ادعى سوى العلم .

واختلف في تعدد الأقسام بها ، فقيل : إنه لازم وحمل قوله تعالى : والراسخون في العلم ( آل عمران : 7 ) على معنى " وأما الراسخون " ليحصل بذلك التعدد بعدها ، وقطعه عن قوله : وما يعلم تأويله إلا الله ( آل عمران : 7 ) . ومنهم من قال : إنه غير لازم ، بل قد يذكر فيها قسم واحد . ولا ينافي ذلك أن تكون للتفصيل لما في نفس المتكلم كقوله تعالى : فأما الذين في قلوبهم زيغ ( آل عمران : 7 ) . حكى القولين ابن جمعة الموصلي في شرح الدرة وصحح الأول .

والأقرب الثاني ، والتقدير في الآية : وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم ، ودل عليه والراسخون الآية .

قال بعضهم : وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا ( الآية : 26 ) إلى قوله : وما يضل به إلا الفاسقين ( الآية : 26 ) .

وهذا حكاه ابن قتيبة عن بعض المتقدمين ، قال : فالفاسقون هاهنا هم الذين في قلوبهم زيغ ، وهم الضالون بالتمثيل ، ثم خالفه فقال : وأنت إذا جعلت المتبعين المتشابه بالتأويل المنافقين في اليهود المحرفين له دون المؤمنين ، كما قال الله تعالى : في قلوبهم زيغ ( آل عمران : 7 ) أي غير الإسلام ، وضح لك الأمر وصح ما قلناه من معرفة الراسخين بالمتشابه ، وعلى هذا فالوقف على : والراسخون في العلم ( آل عمران : 7 ) .

[ ص: 216 ] وأما قوله تعالى : وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك ( الواقعة : 90 - 91 ) فقيل : الفاء جواب " أما " ، ويكون الشرط لا جواب له ، وقد سد جواب " أما " مسد جواب الشرط .

وقيل بل جواب الشرط ، والشرط وجوابه سد مسد جواب " أما " . وتجيء أيضا مركبة من " أم " المنقطعة ، و " ما " الاستفهامية ، وأدغمت الميم في الميم ، كقوله تعالى : أم ماذا كنتم تعملون ( النمل : 84 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية