صفحة جزء
33 - ذو وذات

بمعنى صاحب ،
ومنه قوله تعالى : ذو العرش المجيد ( البروج : 15 ) وقوله : ذواتا أفنان ( الرحمن : 48 ) ولا يستعمل إلا مضافا ، ولا يضاف إلى صفة ، ولا إلى ضمير .

وإنما وضعت وصلة إلى وصف الأشخاص بالأجناس ، كما أن " الذي " وضعت وصلة إلى وصل المعارف بالجمل ، وسبب ذلك أن الوصف إنما يراد به التوضيح والتخصيص ، والأجناس أعم من الأشخاص فلا يتصور تخصيصها لها ، فإنك إذا قلت : مررت برجل علم أو مال أو فضل ، ونحوه ، لم يعقل ما لم يقصد به المبالغة ، فإذا قلت : بذي علم صح الوصف ، وأفاد التخصيص ، ولذلك كانت الصفة تابعة للموصوف في إعرابه ومعناه .

[ ص: 243 ] وأما قراءة ابن مسعود " وفوق كل ذي عالم عليم " ( يوسف : 76 ) فقيل : العالم هنا مصدر ، كالصالح والباطل ، وكأنه قال : وفوق كل ذي علم ( يوسف : 76 ) فالقراءتان في المعنى سواء . وقيل : " ذي " زائدة . وقيل : من إضافة المسمى إلى الاسم ، أي وفوق كل ذي شخص يسمى عالما ، أو يقال له عالم عليم . ولا يضاف إلى ضمير الأشخاص ، ولهذا لحنوا قول بعضهم : صلى الله على محمد وذويه .

واختلفوا هل تضاف " ذو " إلى ضمير الأجناس ، فمنعه الأكثرون . والظاهر الجواز ، لأن ضمير الجنس هو الجنس في المعنى . كقوله : إنما يعرف الفضل من الناس ذووه

وعن ابن بري أنها تضاف إلى ما يضاف إليه صاحب ، لأنها رديفته ، وأنه لا يمتنع إضافتها للضمير إلا إذا كانت وصلة ، وإلا فلا يمتنع .

وقال المطرزي في المغرب : ذو بمعنى الصاحب تقتضي شيئين : موصوفا ومضافا إليه ، تقول : جاءني رجل ذو مال ، بالواو في الرفع ، وبالألف في النصب ، وبالياء في الجر ، ومنه ذو بطن خارجة ، أي جنينها ، وألقت الدجاجة ذا بطنها ، أي باضت أو سلحت . وتقول للمؤنث : امرأة ذات مال ، وللبنتين ذواتا مال ، وللجماعة ذوات مال .

قال : هذا أصل الكلمة ، ثم اقتطعوا عنها مقتضاها وأجروها مجرى الأسماء التامة المستقلة ، غير المقتضية لما سواها ، فقالوا : ذات متميزة ، وذات قديمة ومحدثة ، ونسبوا إليها كما هي من غير تغيير علامة التأنيث ، فقالوا : الصفات الذاتية واستعملوها استعمال النفس والشيء .

وعن أبي سعيد يعني السيرافي كل شيء ذات ، وكل [ ص: 244 ] ذات شيء ، وحكى صاحب التكملة قول العرب : جعل ما بيننا في ذاته ، وعليه قول أبي تمام :


ويضرب في ذات الإله فيوجع

.

قال شيخنا يعني الزمخشري : إن صح هذا فالكلمة عربية ، وقد استمر المتكلمون في استعمالها ، وأما قوله تعالى : عليم بذات الصدور ( هود : 5 ) وقوله : فلان قليل ذات اليد ، فمن الأول . والمعنى الإقلال لمصاحبة اليد . وقولهم : أصلح الله ذات بينه ، وذو اليد أحق . انتهى .

وقال السهيلي : والإضافة لـ " ذي " أشرف من الإضافة لصاحب ، لأن قولك : " ذو " يضاف إلى التابع ، وصاحب يضاف إلى المتبوع ، تقول : أبو هريرة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تقول : النبي صاحب أبي هريرة إلا على جهة ما ، وأما ذو فإنك تقول فيها : ذو المال ، وذو العرش ، فتجد الاسم الأول متبوعا غير تابع ، ولذلك سميت أقيال حمير بالأذواء ، نحو قولهم : ذو جدن ، وذو يزن وذو عمرو ، وفي الإسلام أيضا ذو [ ص: 245 ] العين وذو الشهادتين ، وذو السماكين ، وذو اليدين ، هذا كله تفخيم للشيء وليس ذلك في لفظة صاحب ، وبني على هذا الفرق أنه سبحانه قال في سورة الأنبياء : وذا النون ( الآية : 87 ) فأضافه إلى النون وهو الحوت ، وقال في سورة القلم : ولا تكن كصاحب الحوت ( الآية : 48 ) قال : والمعنى واحد ، لكن بين اللفظين تفاوت كبير في حسن الإشارة إلى الحالتين ، وتنزيل الكلام في الموضعين ، فإنه حين ذكر في موضع الثناء عليه ( ذا النون ) ولم يقل : ( صاحب النون ) ، لأن الإضافة بذي أشرف من صاحب ، ولفظ النون أشرف من الحوت ، لوجود هذا الاسم في حروف الهجاء أوائل السور ، وليس في اللفظ الآخر ما يشرفه لذلك ، فالتفت إلى تنزيل الكلام في الآيتين يلح لك ما أشرنا إليه في هذا الغرض ، فإن التدبر لإعجاز القرآن واجب ومفترض .

وقوله تعالى : وأصلحوا ذات بينكم ( الأنفال : 1 ) أي الحال بينكم ، وأزيلوا المشاجرة ، وتكون للإرادة والنية كقوله : والله عليم بذات الصدور ( آل عمران : 154 ) أي السرائر .

التالي السابق


الخدمات العلمية