صفحة جزء
قد

تدخل على الماضي المتصرف وعلى المضارع بشرط تجرده عن الجازم والناصب وحرف التنفيس .

وتأتي لخمس معان : التوقع ، والتقريب ، والتقليل ، والتكثير والتحقيق .

[ ص: 265 ] فأما التوقع فهو نقيض " ما " التي للنفي ، وتدخل على الفعل المضارع نحو : قد يخرج زيد تدل على أن الخروج متوقع أي منتظر ، وأما مع الماضي فلا يتحقق الوقوع بمعنى الانتظار ، لأن الفعل قد وقع وذلك ينافي كونه منتظرا ، ولذلك استشكل بعضهم كونها للتوقع مع الماضي ، ولكن معنى التوقع فيه أن قد تدل على أنه كان متوقعا منتظرا ، ثم صار ماضيا ، ولذلك تستعمل في الأشياء المترقبة .

وقال الخليل : إن قولك : قد قعد ، كلام لقوم ينتظرون الخير . ومنه : قول المؤذن : قد قامت الصلاة لأن الجماعة منتظرون .

وظاهر كلام ابن مالك في تسهيله أنها لم تدخل على المتوقع لإفادة كونه متوقعا ، بل لتقريبه من الحال . انتهى . ولا يبعد أن يقال : إنها حينئذ تفيد المعنيين .

واعلم أنه ليس من الوجه الابتداء بها إلا أن تكون جوابا لمتوقع كقوله تعالى : قد أفلح المؤمنون ( المؤمنون : 1 ) لأن القوم توقعوا علم حالهم عند الله .

وكذلك قوله : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها : ( المجادلة : 1 ) ، لأنها كانت تتوقع إجابة الله تعالى لدعائها .

وأما التقريب ، فإنها ترد للدلالة عليه مع الماضي فقط ، فتدخل لتقريبه من الحال ، ولذلك تلزم قد مع الماضي إذا وقع حالا كقوله تعالى : وقد فصل لكم ما حرم عليكم ( الأنعام : 119 ) ، وأما ما ورد دون قد فقوله تعالى : هذه بضاعتنا ردت إلينا ( يوسف : 65 ) فـ " قد " فيه مقدرة ، هذا مذهب المبرد والفراء وغيرهما . وقيل : لا يقدر قبله قد .

وقال ابن عصفور : إن جواب القسم بالماضي المتصرف المثبت ، إن كان قريبا من [ ص: 266 ] زمن الحال دخلت عليه قد واللام ، نحو : والله لقد قام زيد ، وإن كان بعيدا لم تدخل ، نحو : والله لقام زيد .

وكلام الزمخشري يدل على أن قد مع الماضي في جواب القسم للتوقع ، قال في الكشاف عند قوله تعالى : لقد أرسلنا نوحا إلى قومه ( الآية : 59 ) في سورة الأعراف .

فإن قلت : مالهم لا يكادون ينطقون باللام إلا مع قد ، وقل عندهم مثل قوله :


حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا فما إن حديث ولا صال

.

قلت : إنما كان كذلك ، لأن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها ، فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم .

وقال ابن الخباز : إذا دخلت قد على الماضي أثرت فيه معنيين : تقريبه من زمن الحال ، وجعله خبرا منتظرا ، فإذا قلت : قد ركب الأمير فهو كلام لقوم ينتظرون حديثك ، هذا تفسير الخليل . انتهى .

وظاهره أنها تفيد المعنيين معا في الفعل الواحد . ولا يقال : إن معنى التقريب ينافي معنى التوقع ، لأن المراد به ما تقدم تفسيره .

وكلام الزمخشري في المفصل يدل على أن التقريب لا ينفك عن معنى التوقع .

وأما التقليل ، فإنها ترد له مع المضارع ، إما لتقليل وقوع الفعل نحو : قد يجود البخيل ، [ ص: 267 ] وقد يصدق الكذوب ، أو للتقليل لمتعلق كقوله تعالى : قد يعلم ما أنتم عليه ( النور : 64 ) أي ما هم عليه هو أقل معلوماته سبحانه .

وقال الزمخشري : هي للتأكيد ، وقال : إن " قد " إن دخلت على المضارع كانت بمعنى ربما ، فوافقت ربما في خروجها إلى معنى التكثير ، والمعنى : إن جميع السماوات والأرض مختصا به خلقا وملكا وعلما ، فكيف يخفى عليه أحوال المنافقين .

وقال في سورة الصف في قوله تعالى : لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ( الآية : 5 ) قد معناها التوكيد ، كأنه قال : تعلمون علما يقينا لا شبهة لكم فيه .

ونص ابن مالك على أنها كانت للتقليل صرفت المضارع إلى الماضي .

وقد نازع بعض المتأخرين في أن قد تفيد التقليل ، مع أنه مشهور ، ونص عليه الجمهور ، فقال : قد تدل على توقع الفعل عمن أسند إليه ، وتقليل المعنى لم يستفد من قد ، بل لو قيل : البخيل يجود والكذوب يصدق ، فهم منه التقليل ، لأن الحكم على من شأنه البخل بالجود ، وعلى من شأنه الكذب بالصدق ، إن لم يحمل ذلك على صدور ذلك قليلا ، كان الكلام كذبا ، لأن آخره يدفع أوله .

وأما التكثير فهو معنى غريب ، وله من التوجيه نصيب ، وقد ذكره جماعة من المتأخرين . وجعل منه الزمخشري : قد نرى تقلب وجهك في السماء ( البقرة : 144 ) . وجعلها غيره للتحقيق . وقال ابن مالك : إن المضارع هنا بمعنى الماضي أي قد رأينا .

وأما التحقيق فترد لتحقيق وقوع المتعلق مع المضارع والماضي ، لكنه قد يرد والمراد به [ ص: 268 ] المضي كما في قوله تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء ( البقرة : 144 ) . قد نعلم إنه ليحزنك ( الأنعام : 33 ) قد يعلم ما أنتم عليه ( النور : 64 ) .

وقال الراغب : إن دخلت على الماضي اجتمعت لكل فعل متجدد ، نحو : قد من الله علينا ( يوسف : 90 ) . قد كان لكم آية ( آل عمران : 13 ) . لقد رضي الله عن المؤمنين ( الفتح : 18 ) . لقد تاب الله ( التوبة : 117 ) . ولهذا لا تستعمل في أوصاف الله ، لا يقال : قد كان الله غفورا رحيما . فأما قوله تعالى : أن سيكون منكم مرضى ( المزمل : 20 ) فهو متأول للمرضى في المعنى ، كما أن النفي في قولك : ما علم الله زيدا يخرج ، هو للخروج ، وتقديره : قد يمرضون فيما علم الله ، وما يخرج زيد فيما علم الله ، وإن دخلت على المضارع فذلك لفعل يكون في حاله ، نحو : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم ( النور : 63 ) أي قد يتسللون فيما علم الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية