صفحة جزء
56 - اللام

قسمان إما أن تكون عاملة ، أو غير عاملة
.

القسم الأول غير العاملة

وتجيء لعشرة معان : معرفة ، ودالة على البعد ، ومخففة ، وفارقة ، ومحققة ، وموجبة ، ومؤكدة ، ومتممة ، وموجهة ، ومسبوقة ، والمؤذنة ، والموطئة .

فالمعرفة التي معها ألف الوصل ، عند من يجعل المعرفة اللام وحدها ، وينسب لسيبويه . وذهب الخليل إلى أنه ثنائي ، وهمزته همزة قطع ، وصلت لكثرة الاستعمال .

وتنقسم المعرفة إلى عهدية واستغراقية ، وقد سبقا في قاعدة التنكير والتعريف ، وزاد قوم طلب الصلة ، وجعل منه : ركبا في السفينة ( الكهف : 71 ) فأكله الذئب ( يوسف : 17 ) .

وللإضمار فإن الجحيم هي المأوى ( النازعات : 39 ) ، ولا خلاف أن الإضمار [ ص: 287 ] بعدها مراد ، وإنما اختلفوا في تقديره ، فعند الكوفيين : هي مأواه ، وعند البصريين : هي المأوى له .

واللام في التعريف مرققة إلا في اسم الله فيجب تفخيمها إذا كان قبلها ضمة ، أو فتحة ، وهي في الأسماء تفخيم الجرس ، وفي المعنى توقير المسمى وتعظيمه سبحانه .

والدالة على البعد الداخلة على أسماء الإشارة ، إعلاما بالبعد أو توكيدا له على الخلاف فيه .

والمخففة التي يجوز معها تخفيف إن المشددة ، نحو : إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق : 4 ) . وتسمى لام الابتداء ، والفارقة لأنها تفرق بينها وبين إن النافية .

والمخففة هي التي تحقق الخبر مع المبتدأ ، كقوله تعالى : ولمن صبر وغفر ( الشورى : 43 ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( التوبة : 128 ) .

والموجبة بمعنى إلا عند الكوفيين كقوله تعالى : وإن كل لما جميع لدينا محضرون ( يس : 32 ) وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ( الزخرف : 35 ) أي : ما كل ، فجعلوا : إن بمعنى ما ، واللام بمعنى إلا في الإيجاب .

وقرأ الكسائي : وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( إبراهيم : 46 ) بالرفع والمراد : وما كان مكرهم إلا لتزول منه .

والمؤكدة وهي الزائدة أول الكلام ، وتقع في موضعين :

[ ص: 288 ] أحدهما : المبتدأ وتسمى لام الابتداء ، فيؤذن بأنه المحكوم عليه ، قال تعالى : لمسجد أسس على التقوى ( التوبة : 108 ) ليوسف وأخوه أحب ( يوسف : 8 ) لأنتم أشد رهبة ( الحشر : 13 ) .

ثانيهما : في باب " إن " على اسمها إذا تأخر ، نحو : إن في ذلك لعبرة ( النازعات : 26 ) .

وعلى خبرها ، نحو : إن ربك لبالمرصاد ( الفجر : 14 ) إن إبراهيم لحليم أواه ( هود : 75 ) إن بطش ربك لشديد ( البروج : 12 ) .

فـ " إن " في هذا توكيد لما يليها ، واللام لتوكيد الخبر ، وكذا في " أن " المفتوحة ، كقراءة سعيد : إلا أنهم ليأكلون الطعام ( الفرقان : 20 ) بفتح الهمزة ، فإنه ألغى اللام ، لأنها لا تدخل إلا على " إن " المكسورة ، أو على ما يتصل بالخبر إذا تقدم عليه ، نحو : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( الحجر : 72 ) فإن تقديره : ليعمهون في سكرتهم .

واختلف في اللام في قوله : لمن ضره ( الحج : 13 ) فقيل هي مؤخرة ، والمعنى يدعو لمن ضره أقرب من نفعه .

وجاز تقديمها وإيلاؤها المفعول ، لأنها لام التوكيد واليمين ، فحقها أن تقع صدر الكلام .

واعترض بأن اللام في صلة " من " فتقدمها على الموصول ممتنع ، وأجاب الزمخشري بأنها حرف لا يفيد غير التوكيد ، وليست بعاملة كـ " من " المؤكدة في نحو : ما جاءني من أحد ، دخولها وخروجها سواء ، ولهذا جاء تقديمها .

ويجوز ألا تكون هنا موصولة ، بل نكرة ، ولهذا قال الكسائي : اللام في غير موضعها ، [ ص: 289 ] و " من " في موضع نصب بـ " يدعو " ، والتقدير : يدعو من ضره أقرب من نفعه ، أي يدعو إلها ضره أقرب من نفعه .

قال المبرد : يدعو في موضع الحال ، والمعنى في ذلك هو الضلال البعيد في حال دعائه إياه ، وقوله : لمن مستأنف مرفوع بالابتداء ، وقوله : ضره أقرب من نفعه ( الحج : 13 ) في صلته ، و لبئس المولى ( الحج : 13 ) خبره .

وهذا يستقيم لو كان في موضع " يدعو " يدعى ، لكن مجيئه بصيغة فعل الفاعل ، وليس فيه ضميره يبعده .

والمتممة كقوله تعالى : إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ( الإسراء : 42 ) إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ( الإسراء : 75 ) فاللام هنا لتتميم الكلام . قال الزمخشري : " إذن " دالة على أن ما بعدها جواب وجزاء .

والموجهة في جواب " لولا " كقوله تعالى : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم ( الإسراء : 74 ) فاللام في " لقد " توجه للتثبيت .

وسماها ابن الحاجب مؤذنة " لأن " ليؤذن بأن ما دخلت عليه هو اللازم لما دخل عليه الأول نحو : إن جئتني لأكرمتك ، فاللام مؤذنة بالدخول عليه اللازم المجيء . [ ص: 290 ] والمسبوقة في جواب لو كقوله تعالى : لو نشاء لجعلناه حطاما ( الواقعة : 65 ) أي تفيد تأخره لأشد العقوبة ، كقوله تعالى : حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس ( يونس : 24 ) وهذا بخلاف قوله : لو نشاء جعلناه أجاجا ( الواقعة : 70 ) بغير لام ، فإنه يفيد التعجيل ، أي جعلناه أجاجا لوقته .

والمؤذنة الداخلة على أداة الشرط بعد تقدم القسم لفظا أو تقديرا ، لتؤذن أن الجواب له لا للشرط ، أو للإيذان بأن ما بعدها مبني على قسم قبلها . وتسمى الموطئة لأنها وطأت الجواب للقسم أي مهدته .

وقول المعربين : إنها موطئة للقسم فيه تجوز ، وإنما هي موطئة لجوابه كقوله : لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ( الحشر : 12 ) وليست جوابا للقسم ، وإنما الجواب ما يأتي بعد الشرط ، ويجمع هذه الأربعة المتأخرة قولك : لام الجواب .

وقد اجتمعا في قوله تعالى : كلا لئن لم ينته لنسفعا ( العلق : 15 ) فاللام في لئن مؤذنة بالقسم ، وقوله : نسفعا جواب القسم المقدر ، تقديره : والله لنسفعن .

ومن جواب القسم قوله : ولقد آتينا موسى الكتاب ( البقرة : 87 والقصص : 43 ) وزعم الشيخ أثير الدين في تفسيره أنها لام التوكيد ، وليس كما قال ، وقد قال الواحدي في البسيط : إنها لام القسم ، ولا يجوز أن تكون لام ابتداء ، لأن لام الابتداء لا تلحق إلا الأسماء ، وما يكون بمنزلتها كالمضارع .

التالي السابق


الخدمات العلمية