صفحة جزء
72 - من

لا تكون إلا اسما لوقوعها فاعلة ومفعولة ومبتدأة ، ولها أربعة أقسام متفق عليها : الموصولة ، والاستفهامية ، والشرطية ، والنكرة الموصوفة .

فالموصولة كقوله : وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون ( الأنبياء : 19 ) . ولله يسجد من في السماوات والأرض ( الرعد : 15 ) .

والاستفهامية ، وهي التي أشربت معنى النفي ، ومنه : ومن يغفر الذنوب إلا الله ( آل عمران : 135 ) و ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ( الحجر : 56 ) . ولا يتقيد [ ص: 353 ] جواز ذلك بأن يتقدمها الواو خلافا لابن مالك في التسهيل بدليل : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( البقرة : 255 ) . والشرطية كقوله تعالى : من عمل صالحا فلنفسه ( فصلت : 46 ) . و من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( الأنعام : 160 ) .

والنكرة الموصوفة كقوله : ومن الناس من يقول ( البقرة : 8 ) أي فريق يقول .

وقيل : موصولة ، وضعفه أبو البقاء بأن " الذي " يتناول أقواما بأعيانهم ، والمعنى هاهنا على الإيهام .

وتوسط الزمخشري فقال : إن كانت " أل " للجنس فنكرة ، أو للعهد فموصولة ، وكأنه قصد مناسبة الجنس للجنس ، والعهد للعهد ، لكنه ليس بلازم ، بل يجوز أن تكون للجنس ومن موصولة ، وللعهد ومن نكرة . ثم الموصولة قد توصف بالمفرد وبالجملة ، وفي التنزيل : كل من عليها فان ( الرحمن : 26 ) في أحد الوجهين ، أي كل شخص مستقر عليها .

قالوا : وأصلها أن تكون لمن يعقل ، وإن استعملت في غيره فعلى المجاز .

هذه عبارة القدماء ، وعدل جماعة إلى قولهم : ( من يعلم ) لإطلاقها على الباري ، كما في قوله تعالى : قل من رب السماوات والأرض قل الله ( الرعد : 16 ) وهو سبحانه يوصف بالعلم لا بالعقل لعدم الإذن فيه . وضيق سيبويه العبارة فقال : هي للأناسي .

فأورد عليه أنها تكون للملك كقوله تعالى : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ( الحج : 18 ) فكان حقه أن يأتي بلفظ يعم الجميع ، بأن يقول لأولي العلم .

[ ص: 354 ] وأجيب بأن هذا يقل فيها ، فاقتصر على الأناسي للغلبة .

وإذا أطلقت على ما لا يعقل ، فإما لأنه عومل معاملة من يعقل ، وإما لاختلاطه به .

فمن الأول قوله تعالى : أفمن يخلق كمن لا يخلق ( النحل : 17 ) والذي لا يخلق المراد به الأصنام ، لأن الخطاب مع العرب لكنه لما عوملت بالعبادة عبر عنها بمن ، بالنسبة إلى اعتقاد المخاطب ، ويجوز أن يكون المراد بمن لا يخلق العموم الشامل لكل ما عبد من دون الله من العاقلين وغيرهم ، فيكون مجيء " من " هنا للتغليب الذي اقتضاه الاختلاط في قوله تعالى : والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ( النور : 45 ) الآية ، فعبر بها عمن يمشي على بطنه ، وهم الحيات ، وعمن يمشي على أربع وهم البهائم ، لاختلاطها مع من يعقل في صدر الآية ، لأن عموم الآية يشمل العقلاء وغيرهم ، فغلب على الجميع حكم العاقل .

( فائدة ) قيل : إنما كانت من لمن يعقل وما لما لا يعقل ، لأن مواضع ما في الكلام أكثر من مواضع من ، وما لا يعقل أكثر ممن يعقل ، فأعطوا ما كثرت مواضعه للكثير ، وأعطوا ما قلت مواضعه للقليل ، وهو من يعقل للمشاكلة والمجانسة

( تنبيه ) ذكر الأبياري في شرح البرهان أن اختصاص من بالعاقل وما بغيره مخصوص بالموصولتين ، أما الشرطية فليست من هذا القبيل ، لأن الشرط يستدعي الفعل ولا يدخل على الأسماء

( تنبيه ) وقد سبق في قاعدة مراعاة اللفظ والمعنى بيان حكم من في ذلك ، وقوله تعالى : إلا من كان هودا أو نصارى ( البقرة : 111 ) فجعل اسم كان مفردا حملا على [ ص: 355 ] لفظ من ، وخبرها جمعا حملا على معناها ، ولو حمل الاسم والخبر على اللفظ معا لقال : إلا من كان يهوديا أو نصرانيا ، ولو حملهما على معناها لقال : إلا من كانوا هودا أو نصارى ، فصارت الآية الشريفة بمنزلة قولك : لا يدخل الدار إلا من كان عاقلين ، وهذه المسألة منعها ابن السراج وغيره ، وقالوا : لا يجوز أن يحمل الاسم والخبر معا على اللفظ ، فيقال : إلا من كان عاقلا ، أو يحملا معا على المعنى فيقال : إلا من كانوا عاقلين . وقد جاء القرآن بخلاف قولهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية