صفحة جزء
فصل

في بيان من جمع القرآن حفظا

من الصحابة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-

حفظه في حياته جماعة من الصحابة ، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة ، أقلهم بالغون حد التواتر ، وجاء في ذلك أخبار ثابتة في " الترمذي " و " المستدرك " وغيرهما من حديث ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا قال الترمذي : هذا حديث حسن . وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .

[ ص: 335 ] وفي " البخاري " عن قتاده قال : سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : أربعة ; كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .

قال الحافظ البيهقي في كتاب " المدخل " : " الرواية الأولى أصح " ، ثم أسند عن ابن سيرين قال : جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة لا يختلف فيهم : معاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد ، وأبو زيد ، واختلفوا في رجلين من ثلاثة : أبو الدرداء وعثمان ، وقيل : عثمان وتميم الداري .

وعن الشعبي : جمعه ستة : أبي ، وزيد ، ومعاذ ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد ، ومجمع بن جارية ، قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة ، قال : ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد غير عثمان .

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : وقد أشبع القاضي أبو بكر محمد بن الطيب في كتاب " الانتصار " الكلام في حملة القرآن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقام الأدلة على أنهم كانوا [ ص: 336 ] أضعاف هذه العدة المذكورة ، وأن العادة تحيل خلاف ذلك ، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة ; وذلك في أول خلافة أبي بكر ، وما في " الصحيحين " : " قتل سبعون من الأنصار يوم بئر معونة ; كانوا يسمون القراء " .

ثم أول القاضي الأحاديث السابقة بوجوه منها : اضطرابها ، وبين وجه الاضطراب في العدد ، وإن خرجت في " الصحيحين " ، مع أنه ليس منه شيء مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها بتقرير سلامتها ; فالمعنى : لم يجمعه على جميع الأوجه والأحرف والقراءات التي نزل به إلا أولئك النفر ، ومنها أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته إلا تلك الجماعة ، ومنها أنه لم يجمع جميع القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذه من فيه تلقيا غير تلك الجماعة ، وغير ذلك .

قال المازري : وكيف يمكن الإحاطة بأنه لم يكمله سوى أربعة ، والصحابة متفرقون في البلاد ، وإن لم يكمله سوى أربعة فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون .

قال الشيخ : وقد سمى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام القراء من الصحابة في أول " كتاب القراءات " له فسمى عددا كثيرا .

قلت : وذكر الحافظ شمس الدين الذهبي في كتاب " معرفة القراء " ما يبين ذلك ، وأن هذا العدد هم الذين عرضوه على النبي - صلى الله عليه وسلم - واتصلت بنا أسانيدهم ، وأما من جمعه [ ص: 337 ] منهم ولم يتصل بنا فكثير ، فقال : ذكر الذين عرضوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن وهم سبعة : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وقال الشعبي : لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان ، ثم رد على الشعبي قوله : بأن عاصما قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي ، وأبي بن كعب ، وهو أقرأ من أبي بكر ، وقد قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وهو مشكل ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو الدرداء .

قال : وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة ; كمعاذ بن جبل ، وأبي زيد ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعبد الله بن عمر ، وعقبة بن عامر ، ولكن لم تتصل بنا قراءتهم ، قال : وقرأ على أبي جماعة من الصحابة ; منهم أبو هريرة ، وابن عباس ، وعبد الله بن السائب .

التالي السابق


الخدمات العلمية