صفحة جزء
عسى : فعل جامد لا يتصرف ، ومن ثم ادعى قوم أنه حرف .

ومعناه الترجي في المحبوب ، والإشفاق في المكروه
، وقد اجتمعتا في قوله تعالى : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم [ البقرة : 216 ] .

قال ابن فارس : وتأتي للقرب والدنو ، نحو : قل عسى أن يكون ردف لكم [ النمل : 72 ] .

وقال الكسائي : كل ما في القرآن من ( عسى ) على وجه الخبر فهو موحد كالآية السابقة ، ووجه على معنى : عسى الأمر أن يكون كذا . وما كان على الاستفهام فإنه يجمع ، نحو : فهل عسيتم إن توليتم [ محمد : 22 ] قال أبو عبيدة : معناه : هل عرفتم ذلك ، وهل أخبرتموه ؟ .

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهما ، عن ابن عباس قال : كل عسى في القرآن فهي واجبة .

وقال الشافعي : يقال : عسى من الله واجبة .

[ ص: 501 ] وقال ابن الأنباري : عسى في القرآن واجبة إلا في موضعين :

أحدهما : عسى ربكم أن يرحمكم [ الإسراء : 8 ] يعني : بني النضير ، فما رحمهم الله ، بل قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأوقع عليهم العقوبة .

والثاني : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا [ التحريم : 5 ] فلم يقع التبديل .

وأبطل بعضهم الاستثناء ، وعمم القاعدة ; لأن الرحمة كانت مشروطة بألا يعودوا ، كما قال : وإن عدتم عدنا [ الإسراء : 8 ] وقد عادوا ، فوجب عليهم العذاب ، والتبديل مشروطا بأن يطلق ولم يطلق ، فلا يجب .

وفي " الكشاف " : في سورة التحريم : عسى إطماع من الله تعالى لعباده ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن يكون ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بلعل وعسى ، ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت .

والثاني : أن يكون جيء به تعليما للعباد أن يكونوا بين الخوف والرجاء .

وفي " البرهان " : عسى ولعل من الله واجبتان ، وإن كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين ; لأن الخلق هم الذين يعرض لهم الشكوك والظنون ، والبارئ منزه عن ذلك .

والوجه في استعمال هذه الألفاظ : أن الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكون فيها ولا يقطعون على الكائن منها ، والله يعلم الكائن منها على الصحة ، صارت لها نسبتان : نسبة إلى الله تسمى نسبة قطع ويقين ، ونسبة إلى المخلوقين تسمى نسبة شك وظن ، فصارت هذه الألفاظ لذلك ترد : تارة بلفظ القطع بحسب ما هي عليه عند الله تعالى ، نحو : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه [ المائدة : 54 ] . وتارة بلفظ الشك بحسب ما هي عليه عند الخلق ، نحو : فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده [ المائدة : 52 ] ، ونحو : فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [ طه : 44 ] ، وقد علم الله - حال إرسالهما - ما يفضي إليه حال فرعون ، لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع . ولما نزل القرآن بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك ، والعرب قد تخرج الكلام المتيقن في صورة المشكوك لأغراض .

وقال ابن الدهان : ( عسى ) فعل ماضي اللفظ والمعنى ; لأنه طمع قد حصل في شيء مستقبل .

[ ص: 502 ] وقال قوم : ماضي اللفظ مستقبل المعنى ; لأنه إخبار عن طمع يريد أن يقع .

تنبيه : وردت في القرآن على وجهين :

أحدهما : رافعة لاسم صريح بعده فعل مضارع مقرون بأن ، والأشهر في إعرابها حينئذ أنها فعل ماض ناقص عامل عمل كان . فالمرفوع اسمها وما بعده الخبر . وقيل : متعد بمنزلة ( قارب ) معنى وعملا ، أو قاصر بمنزلة : قرب من أن يفعل ، وحذف الجار توسعا ; وهو رأي سيبويه والمبرد . وقيل : قاصر بمنزلة قرب ، وأن يفعل بدل اشتمال من فاعلها .

الثاني : أن يقع بعدها ( أن ) والفعل ; فالمفهوم من كلامهم أنها حينئذ تامة . وقال ابن مالك : عندي أنها ناقصة أبدا ، وأن وصلتها سدت مسد الجزأين كما في : أحسب الناس أن يتركوا [ العنكبوت : 2 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية