صفحة جزء
لو

لو : حرف شرط في المضي ، يصرف المضارع إليه ، بعكس ( إن ) الشرطية :

، واختلف في إفادتها الامتناع وكيفية إفادتها إياه على أقوال :

أحدها : أنها لا تفيده بوجه ، ولا تدل على امتناع الشرط ولا امتناع الجواب ، بل هي لمجرد ربط الجواب بالشرط ، دالة على التعليق في الماضي . كما دلت ( إن ) على التعليق في المستقبل ، ولم تدل بالإجماع على امتناع ولا ثبوت .

قال ابن هشام : وهذا القول كإنكار الضروريات ، إذ فهم الامتناع منها كالبديهي ; فإن كل من سمع : ( لو فعل ) فهم عدم وقوع الفعل من غير تردد ; ولهذا جاز استدراكه فتقول : لو [ ص: 526 ] جاء زيد أكرمته ، لكنه لم يجئ .

الثاني : وهو لسيبويه ، قال : إنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، أي : أنها تقتضي فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره ، والمتوقع غير واقع ; فكأنه قال : حرف يقتضي فعلا امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته .

الثالث : وهو المشهور على ألسنة النحاة ، ومشى عليه المعربون : أنها حرف امتناع لامتناع ، أي : يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط ، فقولك : لو جئت لأكرمتك ، دال على امتناع الإكرام لامتناع المجيء .

واعترض بعدم امتناع المجيء واعترض بعدم امتناع الجواب في مواضع كثيرة ، كقوله تعالى : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله [ لقمان : 27 ] ( ولو أسمعهم لتولوا ) [ الأنفال : 23 ] ; فإن عدم النفاد عند فقد ما ذكر ، والتولي عند عدم الإسماع أولى .

والرابع : وهو لابن مالك : أنها حرف يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه ، من غير تعرض لنفي التالي . قال : فقيام زيد من قولك : لو قام زيد قام عمرو ، محكوم بانتفائه وبكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام من عمرو ، وهل وقع لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له ؟ لا تعرض لذلك . قال ابن هشام : وهذه أجود العبارات .

فائدة : أخرج ابن أبي حاتم ، من طريق الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : كل شيء في القرآن ( لو ) فإنه لا يكون أبدا .

فائدة ثانية : تختص لو المذكورة بالفعل ; وأما نحو : قل لو أنتم تملكون [ الإسراء : 100 ] فعلى تقديره .

قال الزمخشري : وإذا وقعت ( أن ) بعدها وجب كون خبرها فعلا ، ليكون عوضا عن الفعل المحذوف . ورده ابن الحاجب بآية : ( ولو أنما في الأرض ) [ لقمان : 27 ] ، وقال : إنما ذاك إذا كان مشتقا لا جامدا ، ورده ابن مالك بقوله :


لو أن حيا مدرك الفلاح أدركه ملاعب الرماح



قال ابن هشام : وقد وجدت آية في التنزيل وقع فيها الخبر اسما مشتقا ، ولم يتنبه لها [ ص: 527 ] الزمخشري ، كما لم يتنبه لآية لقمان ، ولا ابن الحاجب ، وإلا لما منع من ذلك ، ولا ابن مالك ، وإلا لما استدل بالشعر ، وهي قوله : ( يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ) [ الأحزاب : 20 ] . ووجدت آية الخبر فيها ظرف : ( لو أن عندنا ذكرا من الأولين ) [ الصافات : 168 ] .

ورد ذلك الزركشي في " البرهان " وابن الدماميني بأن ( لو ) في الآية الأولى للتمني ، والكلام في الامتناعية ، وأعجب من ذلك أن مقالة الزمخشري سبقه إليها السيرافي ، وهذا الاستدراك وما استدرك به منقول قديما في شرح " الإيضاح " لابن الخباز ، لكن في غير مظنته ، فقال في باب ( إن ) وأخواتها : قال السيرافي : لو أن زيدا أقام لأكرمته ، لا يجوز : لو أن زيدا حاضرا لأكرمته ; لأنك لم تلفظ بفعل يسد مسد ذلك الفعل . هذا كلامه ، وقد قال تعالى : وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب [ الأحزاب : 20 ] ، فأوقع خبرها صفة . ولهم أن يفرقوا بأن هذه للتمني فأجريت مجرى ليت ، كما تقول : ليتهم بادون . انتهى كلامه .

وجواب ( لو ) إما مضارع منفي ب ( لم ) أو ماض مثبت ، أو منفي ب ( ما ) . والغالب على المثبت دخول اللام عليه ، نحو : ( لو نشاء لجعلناه حطاما ) [ الواقعة : 65 ] ومن تجرده لو نشاء جعلناه أجاجا [ الواقعة : 70 ] . والغالب على المنفي تجرده ، نحو : ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) [ الأنعام : 112 ] .

فائدة ثالثة : قال الزمخشري : الفرق بين قولك : لو جاءني زيد لكسوته ، ولو زيد جاءني لكسوته ، ولو أن زيدا جاءني لكسوته . :

أن القصد في الأول : مجرد ربط الفعلين ، وتعليق أحدهما بصاحبه لا غير ، من غير تعرض لمعنى زائد على التعلق الساذج .

وفي الثاني : انضم إلى التعليق أحد معنيين ; إما نفي الشك والشبهة . وأن المذكور مكسو لا محالة ، وإما بيان أنه هو المختص بذلك دون غيره ، وتخرج عليه آية : ( لو أنتم تملكون ) [ الإسراء : 100 ] .

وفي الثالث : ، مع ما في الثاني : زيادة التأكيد الذي تعطيه ( أن ) وإشعار بأن زيدا كان حقه أن يجيء ، وأنه بتركه المجيء قد أغفل حظه . ويخرج عليه ( ولو أنهم صبروا ) [ الحجرات : 5 ] ونحوه .

فتأمل ذلك ، وخرج عليه ما وقع في القرآن من أحد الثلاثة .

تنبيه : ترد ( لو ) شرطية في المستقبل ; وهي التي يصلح موضعها ( إن ) نحو : ( ولو كره المشركون ) [ ص: 528 ] [ التوبة : 33 ] . ( ولو أعجبك حسنهن ) [ الأحزاب : 52 ] .

ومصدرية ، وهي التي يصلح موضعها ( أن ) المفتوحة ، وأكثر وقوعها بعد ( ود ) ونحوه : نحو : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم ) [ البقرة : 109 ] . ( يود أحدهم لو يعمر ) [ البقرة : 96 ] ( يود المجرم لو يفتدي ) [ المعارج : 11 ] . أي : الرد والتعمير والافتداء .

وللتمني ، وهي التي يصلح موضعها ( ليت ) نحو : ( فلو أن لنا كرة ) [ الشعراء : 102 ] ولهذا نصب الفعل في جوابها .

وللتقليل ، وخرج عليه : ( ولو على أنفسكم ) [ النساء : 135 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية