صفحة جزء
قاعدة : الأصل في الجواب أن يكون مشاكلا للسؤال : فإن كان جملة اسمية فينبغي أن يكون الجواب كذلك . ويجيء كذلك في الجواب المقدر ، إلا أن ابن مالك قال في قولك : زيد ، في جواب : من قرأ ؟ إنه من باب حذف الفعل ، على جعل الجواب جملة فعلية . قال : وإنما قدرته كذلك - لا مبتدأ - مع احتماله . . جريا على عادتهم في الأجوبة إذا قصدوا تمامها . قال تعالى : من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها [ يس : 78 - 79 ] ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم [ الزخرف : 9 ] يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات [ المائدة : 4 ] . فلما أتى بالفعلية مع فوات مشاكلة السؤال ، علم أن تقدير الفعل أولا أولى . انتهى .

وقال ابن الزملكاني في " البرهان " : أطلق النحويون القول بأن ( زيدا ) في جواب : من قام ؟ فاعل ، على تقدير : قام زيد ; والذي توجبه صناعة علم البيان : أنه مبتدأ لوجهين :

أحدهما : أنه يطابق الجملة المسئول بها في الاسمية ، كما وقع التطابق في قوله وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا [ النحل : 30 ] في الفعلية . وإنما لم يقع التطابق في قوله ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين [ النحل : 24 ] ; لأنهم لو طابقوا لكانوا مقرين بالإنزال ; وهم من الإذعان به على مفاوز .

الثاني : أن اللبس لم يقع عند السائل إلا فيمن فعل الفعل ، فوجب أن يتقدم الفاعل في المعنى ; لأنه متعلق غرض السائل ، وأما الفعل فمعلوم عنده ; ولا حاجة به إلى السؤال عنه ، فحري أن يقع في الأواخر التي هي محل التكملات والفضلات .

[ ص: 585 ] وأشكل على هذا بل فعله كبيرهم [ الأنبياء : 63 ] في جواب أأنت فعلت هذا [ الأنبياء : 62 ] ; فإن السؤال وقع عن الفاعل لا عن الفعل ، فإنهم لم يستفهموه عن الكسر ، بل عن الكاسر ، ومع ذلك صدر الجواب بالفعل .

وأجيب : بأن الجواب مقدر دل عليه السياق ، إذ ( بل ) لا تصلح أن يصدر بها الكلام والتقدير : ( ما فعلته بل فعله ) .

قال الشيخ عبد القاهر : حيث كان السؤال ملفوظا به فالأكثر ترك الفعل في الجواب والاقتصار على الاسم وحده ، وحيث كان مضمرا فالأكثر التصريح به لضعف الدلالة عليه . ومن غير الأكثر ( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ) [ النور : 36 - 37 ] في قراءة البناء للمفعول .

فائدة : أخرج البزار ، عن ابن عباس ، قال : ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة ، كلها في القرآن .

وأورده الإمام الرازي بلفظ ( أربعة عشر حرفا ) ، وقال : منها ثمانية في البقرة :

وإذا سألك عبادي عني [ البقرة : 186 ] .

يسألونك عن الأهلة [ البقرة : 189 ] .

يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم [ البقرة : 215 ] .

يسألونك عن الشهر الحرام [ البقرة : 217 ] .

يسألونك عن الخمر والميسر [ البقرة : 219 ] .

ويسألونك عن اليتامى [ البقرة : 220 ] .

ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو [ البقرة : 219 ] .

ويسألونك عن المحيض [ البقرة : 222 ] .

والتاسع : يسألونك ماذا أحل لهم [ المائدة : 4 ] .

[ ص: 586 ] والعاشر : يسألونك عن الأنفال [ الأنفال : 1 ] .

والحادي عشر : يسألونك عن الساعة أيان مرساها [ النازعات : 42 ] .

والثاني عشر ويسألونك عن الجبال [ طه : 105 ] .

والثالث عشر ويسألونك عن الروح [ الإسراء : 85 ] .

والرابع عشر ويسألونك عن ذي القرنين [ الكهف : 83 ] .

قلت : السائل عن الروح وعن ذي القرنين مشركو مكة واليهود ، كما في أسباب النزول ، لا الصحابة فالخالص اثنا عشر ، كما صحت به الرواية .

فائدة : قال الراغب : السؤال إذا كان للتعريف تعدى إلى المفعول الثاني : ، تارة بنفسه وتارة ب ( عن ) وهو أكثر ، نحو : ويسألونك عن الروح [ الإسراء : 85 ] . وإذا كان لاستدعاء مال فإنه يعدى بنفسه أو بمن ، وبنفسه أكثر ، نحو : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب [ الأحزاب : 53 ] . واسألوا ما أنفقتم [ الممتحنة : 10 ] . واسألوا الله من فضله [ النساء : 32 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية