صفحة جزء
قاعدة في العطف : هو ثلاثة أقسام :

عطف على اللفظ وهو الأصل ، وشرطه إمكان توجه العامل إلى المعطوف .

وعطف على المحل ، وله ثلاثة شروط :

أحدها : إمكان ظهور ذلك المحل في الصحيح ، فلا يجوز : مررت بزيد وعمرا ، لأنه لا يجوز مررت زيدا .

الثاني : أن يكون الموضع بحق الأصالة ، فلا يجوز : هذا الضارب زيدا وأخيه ; لأن الوصف المستوفي لشروط العمل الأصل إعماله لا إضافته .

[ ص: 589 ] الثالث : وجود المحرز ، أي : الطالب لذلك المحل ، فلا يجوز : إن زيدا وعمرا قاعدان ; لأن الطالب لرفع عمرو هو الابتداء ، وهو قد زال بدخول ( إن ) .

وخالف في هذا الشرط الكسائي ، مستدلا بقوله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون [ المائدة : 69 ] . الآية .

وأجيب بأن خبر ( إن ) فيها محذوف ، أي : مأجورون أو آمنون . ولا تختص مراعاة الموضع بأن يكون العامل في اللفظ زائدا . وقد أجاز الفارسي في قوله : وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة [ هود : 60 ] أن يكون ( يوم القيامة ) عطفا على محل هذه .

وعطف التوهم نحو : ( ليس زيد قائما ولا قاعد ) بالخفض ، على توهم دخول الباء في الخبر .

وشرط جوازه : صحة دخول ذلك العامل المتوهم ، وشرط حسنه كثرة دخوله هناك .

وقد وقع هذا العطف في المجرور في قول زهير :


بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا



وفي المجزوم في قراءة غير أبي عمرو لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن [ المنافقون : 10 ] خرجه الخليل وسيبويه على أنه عطف على التوهم ; لأن معنى ( لولا أخرتني فأصدق ) ومعنى ( أخرني أصدق ) واحد . وقراءة قنبل : ( إنه من يتق ويصبر ) [ يوسف : 90 ] خرجه الفارسي عليه ; لأن ( من ) الموصولة فيها معنى الشرط .

وفي المنصوب في قراءة حمزة وابن عامر : ومن وراء إسحاق يعقوب [ هود : 71 ] بفتح الباء ، لأنه على معنى : ( ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) .

وقال بعضهم في قوله تعالى : وحفظا من كل شيطان [ الصافات : 7 ] : إنه عطف على معنى : إنا زينا السماء الدنيا [ الصافات : 6 ] . وهو : إنا خلقنا الكواكب في السماء الدنيا زينة للسماء .

وقال بعضهم في قراءة : ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) [ القلم : 9 ] إنه على معنى ( أن تدهن ) .

وقيل : في قراءة حفص لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع [ غافر : 36 ] ، بالنصب : إنه عطف على معنى ( لعلي أن أبلغ ) ; لأن خبر ( لعل ) يقترن بأن كثيرا .

[ ص: 590 ] وقيل : في قوله تعالى : ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم [ الروم : 46 ] . إنه على تقدير : ( ليبشركم ويذيقكم ) .

تنبيه : ظن ابن مالك أن المراد بالتوهم الغلط ، وليس كذلك ، كما نبه عليه أبو حيان ، وابن هشام بل هو مقصد صواب ، والمراد : أنه عطف على المعنى أي : جوز العربي في ذهنه ملاحظة ذلك المعنى في المعطوف عليه ، فعطف ملاحظا له ، لا أنه غلط في ذلك ، ولهذا كان الأدب أن يقال في مثل ذلك في القرآن : إنه عطف على المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية