صفحة جزء
[ ص: 592 ] النوع الثالث والأربعون

في المحكم والمتشابه

قال تعالى : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات [ آل عمران : 7 ] .

وقد حكى ابن حبيب النيسابوري في المسألة ثلاثة أقوال :

أحدها : أن القرآن كله محكم ، لقوله تعالى : كتاب أحكمت آياته [ هود : 1 ] .

الثاني : كله متشابه ، لقوله تعالى : كتابا متشابها مثاني [ الزمر : 23 ] .

الثالث : وهو الصحيح انقسامه إلى محكم ومتشابه ، للآية المصدر بها .

والجواب عن الآيتين : أن المراد بإحكامه إتقانه وعدم تطرق النقص والاختلاف إليه . وبتشابهه : كونه يشبه بعضه بعضا في الحق والصدق والإعجاز .

وقال بعضهم : الآية لا تدل على الحصر في الشيئين ، إذ ليس فيها شيء من طرقه ، وقد قال تعالى : لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] والمحكم لا تتوقف معرفته على البيان ، والمتشابه لا يرجى بيانه .

وقد اختلف في تعيين المحكم والمتشابه على أقوال :

فقيل : المحكم ما عرف المراد منه ، إما بالظهور وإما بالتأويل ، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه ، كقيام الساعة وخروج الدجال ، والحروف المقطعة في أوائل السور .

[ ص: 593 ] وقيل : المحكم ما وضح معناه ، والمتشابه نقيضه .

وقيل : المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا ، والمتشابه ما احتمل أوجها .

وقيل : المحكم ما كان معقول المعنى ، والمتشابه : بخلافه ، كأعداد الصلوات ، واختصاص الصيام برمضان دون شعبان . قاله الماوردي .

وقيل : المحكم ما استقل بنفسه ، والمتشابه : ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره .

وقيل : المحكم ما تأويله تنزيله ، والمتشابه ما لا يدرك إلا بالتأويل .

وقيل : المحكم ما لم تتكرر ألفاظه ، ومقابله المتشابه .

وقيل : المحكم الفرائض والوعد والوعيد ، والمتشابه القصص والأمثال .

أخرج ابن أبي حاتم ، من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : المحكمات ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وحدوده ، وفرائضه ، وما يؤمن به ويعمل به . والمتشابهات منسوخه ، ومقدمه ، ومؤخره ، وأمثاله ، وأقسامه ، وما يؤمن به ولا يعمل به .

وأخرج الفريابي : عن مجاهد قال : المحكمات : ما فيه الحلال والحرام ، وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضا .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع ، قال المحكمات : هي أوامره الزاجرة .

وأخرج عن إسحاق بن سويد : أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا في هذه الآية ، فقال أبو فاختة : فواتح السور . وقال يحيى : الفرائض ، والأمر والنهي والحلال .

وأخرج الحاكم وغيره ، عن ابن عباس ، قال : الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات : قل تعالوا [ 151 ] والآيتان بعدها .

وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : منه آيات محكمات قال : من هاهنا : فقل تعالوا إلى ثلاث آيات ، ومن هاهنا وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [ 23 ] إلى ثلاث آيات بعدها .

[ ص: 594 ] وأخرج عبد بن حميد ، عن الضحاك ، قال المحكمات ما لم ينسخ منه ، والمتشابهات ما قد نسخ .

وأخرج ابن أبي حاتم : عن مقاتل بن حيان ، قال : المتشابهات فيما بلغنا : ( الم ) و ( المص ) و ( المر ) و ( الر ) .

قال ابن أبي حاتم : وقد روي عن عكرمة وقتادة وغيرهما : أن المحكم الذي يعمل به ، والمتشابه الذي يؤمن به ولا يعمل به .

التالي السابق


الخدمات العلمية