[ ص: 74 ] النوع السادس والخمسون في  
الإيجاز والإطناب     .  
اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة ، حتى نقل صاحب سر الفصاحة عن بعضهم أنه قال : اللغة هي الإيجاز والإطناب .  
قال صاحب الكشاف : كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز ، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع ، أنشد  
 nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ     :  
206  
يرمون بالخطب الطوال وتارة  وحي الملاحظ خيفة الرقباء  
واختلف :  
هل بين الإيجاز والإطناب واسطة ، وهي المساواة أو لا  وهي داخلة في قسم الإيجاز ؟  
فالسكاكي  وجماعة على الأول ، لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة ؛ لأنهم فسروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة ، وفسروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف ، والإطناب أداؤه بأكثر منها ؛ لكون المقام خليقا بالبسط .  
 nindex.php?page=showalam&ids=12569وابن الأثير  وجماعة على الثاني ، فقالوا :  
الإيجاز  التعبير عن المراد بلفظ غير زائد ،  
والإطناب  بلفظ أزيد .  
وقال  
القزويني     : الأقرب أن يقال : إن المنقول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله ، إما بلفظ مساو للأصل المراد ، أو ناقص عنه واف ، أو زائد عليه لفائدة . والأول المساواة ، والثاني الإيجاز ، والثالث الإطناب . واحترز بواف عن الإخلال ، وبقولنا لفائدة عن الحشو والتطويل ، فعنده ثبوت المساواة واسطة ، وأنها من قسم المقبول .   
[ ص: 75 ] فإن قلت : عدم ذكرك المساواة في الترجمة لماذا ؟ هل هو لرجحان نفيها أو عدم قبولها أو لأمر غير ذلك ؟  
قلت : لهما ولأمر ثالث ؛ وهو أن  
المساواة لا تكاد توجد خصوصا في القرآن  ، وقد مثل لها في التلخيص بقوله تعالى :  
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله     [ فاطر : 43 ] ، وفي الإيضاح بقوله :  
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم     [ الأنعام : 68 ] ، وتعقب : بأن في الآية الثانية حذف موصوف ( الذين ) ، وفي الأولى إطناب بلفظ السيئ ؛ لأن المكر لا يكون إلا سيئا ، وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرغ ؛ أي : بأحد ، وبالقصر في الاستثناء ، وبكونها حاثة على كف الأذى عن جميع الناس ، محذرة عن جميع ما يؤدي إليه ، وبأن تقديرها يضر بصاحبه مضرة بليغة ، فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعية الواقعة على سبيل التمثيل ؛ لأن ( يحيق ) بمعنى ( يحيط ) ، فلا يستعمل إلا في الأجسام .  
تنبيه .  
الإيجاز والاختصار بمعنى واحد كما يؤخذ من " المفتاح " ، وصرح به  
الطيبي     .  
وقال بعضهم : الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الإيجاز .  
قال الشيخ  
بهاء الدين     : وليس بشيء .  
والإطناب قيل : بمعنى الإسهاب ، والحق أنه أخص منه ، فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة ، ذكره  
التنوخي  وغيره .