صفحة جزء
قال تعالى : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ( 55 ) ) .

قوله تعالى : ( متوفيك ورافعك إلي ) : كلاهما للمستقبل ولا يتعرفان بالإضافة والتقدير : رافعك إلي ومتوفيك ; لأنه رفع إلى السماء ثم يتوفى بعد ذلك .

وقيل : الواو للجمع ، فلا فرق بين التقديم والتأخير .

وقيل : متوفيك من بينهم ، ورافعك إلى السماء ، فلا تقديم فيه ولا تأخير .

( وجاعل الذين اتبعوك ) : قيل : هو خطاب لنبينا عليه الصلاة والسلام ، فيكون الكلام تاما على ما قبله ، وقيل : هو لعيسى ، والمعنى أن الذين اتبعوه ظاهرون على اليهود وغيرهم من الكفار إلى قبل يوم القيامة بالملك والغلبة . فأما يوم القيامة فيحكم بينهم فيجازي كلا على عمله .

قال تعالى : ( فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ( 56 ) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين ( 57 ) .

قوله تعالى : ( فأما الذين كفروا ) : يجوز أن يكون " الذين " مبتدأ " فأعذبهم " خبره .

ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب بفعل محذوف يفسره فأعذبهم ; تقديره : فأعذب بغير ضمير مفعول لعمله في الظاهر قبله ، فحذف وجعل الفعل المشغول بضمير الفاعل مفسرا له ، وموضع الفعل المحذوف بعد الصلة .

[ ص: 216 ] ولا يجوز أن يقدر الفعل قبل الذين ; لأن " أما " لا يليها الفعل . ومثله : ( وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم ) . ( وأما ثمود فهديناهم ) [ فصلت : 17 ] فيمن نصب .

قال تعالى : ( ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ( 58 ) ) .

قوله تعالى : ( ذلك نتلوه ) فيه ثلاثة أوجه : أحدها : ذلك مبتدأ ونتلوه خبره .

والثاني : المبتدأ محذوف وذلك خبره ; أي الأمر ذلك ، ونتلوه في موضع الحال ; أي الأمر المشار إليه متلوا و " من الآيات " حال من الهاء .

والثالث : ذلك مبتدأ ; ومن الآيات خبره ; ونتلوه حال ، والعامل فيه معنى الإشارة ، ويجوز أن يكون ذلك في موضع نصب بفعل دل عليه " نتلوه " تقديره : نتلو ذلك فيكون من الآيات حالا من الهاء أيضا . و ( الحكيم ) : هنا بمعنى المحكم .

قال تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ( 59 ) ) .

قوله تعالى : ( خلقه من تراب ) : هذه الجملة تفسير للمثل فلا موضع لها ، وقيل : موضعها حال من آدم ، و " قد " معه مقدرة والعامل فيها معنى التشبيه ، والهاء لآدم ، ومن متعلقة بخلق ، ويضعف أن يكون حالا ; لأنه يصير تقديره : خلقه كائنا من تراب ، وليس المعنى عليه . ( ثم قال له ) : ثم هاهنا لترتيب الخبر ، لا لترتيب المخبر عنه ; لأن قوله : " كن " لم يتأخر عن خلقه ، وإنما هو في المعنى تفسير لمعنى الخلق ، وقد جاءت ثم غير مقيدة بترتيب المخبر عنه ; كقوله : ( فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد ) [ يونس : 46 ] وتقول : زيد عالم ، ثم هو كريم ، ويجوز أن يكون لترتيب المخبر عنه على أن يكون المعنى صوره طينا ، ثم قال له : كن لحما ودما .

قال تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ( 61 ) ) .

قوله تعالى : ( فمن حاجك فيه ) : الهاء ضمير عيسى ، ومن شرطية ، والماضي بمعنى المستقبل . و " ما " بمعنى الذي ، و " من العلم " حال من ضمير الفاعل ، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية على قول سيبويه والجمهور ; لأن ما المصدرية لا يعود إليها ضمير ، وفي حاجك ضمير فاعل ، إذ ليس بعده ما يصح أن يكون فاعلا ، والعلم لا يصح أن يكون فاعلا ; لأن من لا تزاد في الجواب ، ويخرج على قول الأخفش أن تكون مصدرية ، ومن زائدة ، والتقدير : من بعد مجيء العلم إياك .

[ ص: 217 ] والأصل في : ( تعالوا ) : تعاليوا ; لأن الأصل في الماضي تعالى والياء منقلبة عن واو ; لأنه من العلو فأبدلت الواو ياء لوقوعها رابعة ، ثم أبدلت الياء ألفا ، فإذا جاءت واو الجمع حذفت لالتقاء الساكنين ، وبقيت الفتحة تدل عليها .

و ( ندع ) : جواب لشرط محذوف و ( نبتهل ) : و ( نجعل ) : معطوفان عليه ، ونجعل المتعدية إلى مفعولين ; أي نصير والمفعول الثاني : " على الكاذبين " .

قال تعالى : ( إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم ( 62 ) ) .

قوله تعالى : ( لهو القصص ) : مبتدأ وخبر في موضع خبر إن . ( إلا الله ) : خبر " من إله " تقديره : وما إله إلا الله .

قال تعالى : ( فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ( 63 ) ) .

قوله تعالى : ( فإن تولوا ) : يجوز أن يكون اللفظ ماضيا ويجوز أن يكون مستقبلا تقديره : يتولوا ذكره النحاس ، وهو ضعيف ; لأن حرف المضارعة لا يحذف .

التالي السابق


الخدمات العلمية