صفحة جزء
قال تعالى : ( صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) ( ( 18 ) ) .

قوله تعالى : ( صم بكم ) : الجمهور على الرفع ، على أنه خبر ابتداء محذوف ; أي هم صم ، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون .

قوله تعالى : ( فهم لا يرجعون ) : جملة مستأنفة ; وقيل موضعها حال ، وهو خطأ ; لأن ما بعد الفاء لا يكون حالا ; لأن الفاء ترتب ، والأحوال لا ترتيب فيها .

( ويرجعون ) فعل لازم ; أي لا ينتهون عن باطلهم ، أو لا يرجعون إلى الحق .

[ ص: 35 ] وقيل : هو متعد ومفعوله محذوف ، تقديره : فهم لا يردون جوابا مثل قوله : ( إنه على رجعه لقادر ) ( ( 8 ) ) [ الطارق : 8 ] .

قال تعالى : ( أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ( 19 ) ) .

قوله تعالى : ( أو كصيب ) : في " أو " أربعة أوجه : أحدها : أنها للشك ، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين ; فلا يدري أيشبههم بالمستوقد ، أو بأصحاب الصيب ; كقوله : ( إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] ; أي يشك الرائي لهم في مقدار عددهم . والثاني : أنها للتخيير أي شبهوهم بأي القبيلتين شئتم . والثالث : أنها للإباحة . والرابع : أنها للإبهام ; أي بعض الناس يشبههم بالمستوقد ، وبعضهم بأصحاب الصيب ، ومثله قوله تعالى : ( كونوا هودا أو نصارى ) [ البقرة : 135 ] ; أي قالت اليهود : كونوا هودا ، وقالت النصارى : كونوا نصارى ، ولا يجوز عند أكثر البصريين أن تحمل ( ( أو ) ) على الواو ، ولا على ( ( بل ) ) ، ما وجد في ذلك مندوحة ، والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله : ( كمثل الذي ) .

ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، تقديره : أو مثلهم كمثل صيب .

وفي الكلام حذف تقديره : أو كأصحاب صيب وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله : يجعلون . والمعنى على ذلك ; لأن تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لا بنفس المطر ، وأصل ( ( صيب ) ) صيوب على فيعل ; فأبدلت الواو ياء ، وأدغمت الأولى فيها ، ومثله : ميت وهين ، وقال الكوفيون : أصله صويب على فعيل وهو خطأ ; لأنه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل .

( من السماء ) : في موضع نصب . و ( من ) : متعلقة بصيب ; لأن التقدير : كمطر صيب من السماء ، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل ، ومن لابتداء الغاية .

ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب ; فيتعلق من بمحذوف أي كصيب كائن من السماء .

والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ونظائره تقاس عليه . ( فيه ظلمات ) : الهاء تعود على صيب ، وظلمات رفع بالجار والمجرور ; [ ص: 36 ] لأنه قد قوي بكونه صفة لصيب . ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم ، وفيه على هذا ضمير والجملة في موضع جر صفة لصيب ، والجمهور على ضم اللام وقد قرئ بإسكانها تخفيفا ، وفيه لغة أخرى بفتح اللام .

والرعد : مصدر رعد يرعد ، والبرق مصدر أيضا وهما على ذلك موحدتان هنا ، ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق ، كقولهم : رجل عدل وصوم .

( يجعلون ) : يجوز أن يكون في موضع جر صفة لأصحاب صيب ، وأن يكون مستأنفا ، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه ، والراجع على الهاء محذوف ، تقديره : من صواعقه ; وهو بعيد لأن حذف الراجع على ذي الحال كحذفها من خبر المبتدأ ، وسيبويه يعده من الشذوذ . ( من الصواعق ) : أي من صوت الصواعق .

( حذر الموت ) : مفعول له . وقيل مصدر أي حذرا مثل حذر الموت .

والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به .

( محيط ) : أصله محوط ; لأنه من حاط يحوط ، فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء .

قال تعالى : ( يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( يكاد ) : فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها ; ولذلك لم تدخل عليه أن ; لأن أن تخلص الفعل للاستقبال ، وعينها واو ، والأصل يكود ، مثل خاف يخاف ، وقد سمع فيه كدت ، بضم الكاف ، وإذا دخل عليها حرف نفي دل على أن الفعل الذي بعدها وقع ، وإذا لم يكن حرف نفي لم يكن الفعل بعدها واقعا ولكنه قارب الوقوع .

وموضع ( يخطف ) نصب لأنه خبر كاد ، والمعنى قارب البرق خطف الأبصار .

والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء ، وماضيه خطف كقوله تعالى : ( إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ) [ الصافات : 10 ] وفيه قراءات شاذة : إحداها : كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء . والثانية : بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء ، والأصل : [ ص: 37 ] يختطف ، فأبدل من التاء طاء ، وحركت بحركة التاء ، والثالثة : كذلك إلا أنها بكسر الطاء على ما يستحقه في الأقل . والرابعة : كذلك ، إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الإتباع .

والخامسة : بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا . والسادسة : بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء ، وهو ضعيف ; لما فيه من الجمع بين الساكنين . ( كلما ) : هي هنا ظرف ، وكذلك كل موضع كان لها جواب .

و ( ( ما ) ) مصدرية ; والزمان محذوف ; أي كل وقت إضاءة .

وقيل ( ( ما ) ) هنا نكرة موصوفة ، ومعناها الوقت والعائد محذوف أي كل وقت أضاء لهم فيه ، والعامل في كل جوابها . و ( فيه ) : أي في ضوئه . والمعنى بضوئه . ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها .

والمعنى : إنهم يحيط بهم الضوء .

( شاء ) : ألفها منقلبة عن ياء ; لقولهم في مصدره : شئت شيئا ، وقالوا شيأته ; أي حملته على أن يشاء . ( لذهب بسمعهم ) : أي أعدم المعنى الذي يسمعون به . ( وعلى كل ) : متعلق بـ : ( ( قدير ) ) في موضع نصب .

التالي السابق


الخدمات العلمية