صفحة جزء
[ ص: 389 ] قال تعالى : ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) ( 94 ) .

قوله تعالى : ( فرادى ) : هو جمع فرد ، والألف للتأنيث ، مثل كسالى .

وقرئ في الشاذ بالتنوين على أنه اسم صحيح . ويقال في الرفع فراد مثل توام ورخال ، وهو جمع قليل .

ومنهم من لا يصرفه ، يجعله معدولا مثل ثلاث ورباع ، وهو حال من ضمير الفاعل .

( كما خلقناكم ) : الكاف في موضع الحال ، وهو بدل من فرادى ، وقيل : هي صفة مصدر محذوف ؛ أي : مجيئا كمجيئكم يوم خلقناكم ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في فرادى ؛ أي : مشبهين ابتداء خلقكم .

و ( أول ) : ظرف لخلقناكم . و " المرة " في الأصل مصدر مر يمر ، ثم استعمل ظرفا اتساعا ، وهذا يدل على قوة شبه الزمان بالفعل . ( وتركتم ) : يجوز أن يكون حالا ؛ أي : وقد تركتم ، وأن يكون مستأنفا .

( وما نرى ) : لفظه لفظ المستقبل ، وهي حكاية حال . و ( معكم ) : معمول نرى ، وهي من رؤية العين ، ولا يجوز أن يكون حالا من الشفعاء ، إذ المعنى يصير أن شفعاءهم معهم ، ولا نراهم .

وإن جعلتها بمعنى نعلم المتعدية إلى اثنين ، جاز أن يكون معكم مفعولا ثانيا ، وهو ضعيف في المعنى . ( بينكم ) : يقرأ بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : هو ظرف لـ " تقطع " ، والفاعل مضمر ؛ أي : تقطع الوصل بينكم ، ودل عليه " شركاء " . والثاني : هو وصف محذوف ؛ أي : لقد تقطع شيء بينكم ، أو وصل .

والثالث : أن هذا المنصوب في موضع رفع ، وهو معرب ، وجاز ذلك حملا على أكثر أحوال الظرف ، وهو قول الأخفش ، ومثله : ( منا الصالحون ومنا دون ذلك ) [ الجن : 11 ] .

ويقرأ بالرفع على أنه فاعل . والبين هنا الوصل ، وهو من الأضداد .

[ ص: 390 ] قال تعالى : ( إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون ( 95 ) فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) ( 96 ) .

قوله تعالى : ( فالق الحب ) : يجوز أن يكون معرفة ، لأنه ماض ، وأن يكون نكرة على أنه حكاية حال .

وقرئ في الشاذ " فلق " . و " الإصباح " مصدر أصبح .

ويقرأ بفتح الهمزة على أنه جمع صبح كقفل وأقفال .

( وجاعل الليل ) : مثل فالق الإصباح في الوجهين .

و ( سكنا ) : مفعول جاعل إذا لم تعرفه ، وإن عرفته كان منصوبا بفعل محذوف ؛ أي : جعله سكنا ، والسكن ما سكنت إليه من أهل ونحوهم ، فجعل الليل بمنزلة الأهل . وقيل : التقدير : مسكونا فيه ، أو ذا سكن .

و ( الشمس ) : منصوب بفعل محذوف ، أو بجاعل إذا لم تعرفه .

وقرئ في الشاذ بالجر عطفا على الإصباح ، أو على الليل .

و ( حسبانا ) : فيه وجهان : أحدهما : هو جمع حسبانة . والثاني : هو مصدر مثل الحسب ، والحساب ، وانتصابه كانتصاب سكنا .

قال تعالى : ( وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) ( 98 ) .

قوله تعالى : ( فمستقر ) : يقرأ بفتح القاف ، وفيه وجهان : أحدهما : هو مصدر ورفعه بالابتداء ؛ أي : فلكم استقرار .

والثاني : أنه اسم مفعول ، ويراد به المكان ؛ أي : فلكم مكان تستقرون فيه ، إما في البطون ، وإما في القبور ، ويقرأ بكسر القاف ، فيكون مكانا يستقر لكم . وقيل تقديره : فمنكم مستقر .

[ ص: 391 ] وأما ( مستودع ) : فبفتح الدال لا غير . ويجوز أن يكون مكانا يودعون فيه ، وهو إما الصلب أو القبر .

ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستيداع .

التالي السابق


الخدمات العلمية