صفحة جزء
قال تعالى : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ( 89 ) ) .

قوله تعالى : ( من عند الله ) : يجوز أن يكون في موضع نصب لابتداء غاية المجيء . ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لكتاب .

( مصدق ) : بالرفع صفة لكتاب . وقرئ شاذا بالنصب على الحال وفي صاحب الحال وجهان : أحدهما : الكتاب ; لأنه قد وصف فقرب من المعرفة . والثاني : أن يكون حالا من الضمير في الظرف ، ويكون العامل الظرف أو ما يتعلق به الظرف ومثله : ( رسول من عند الله مصدق ) [ البقرة 101 ] .

قوله : ( من قبل ) : بنيت ههنا لقطعها عن الإضافة ، والتقدير : من قبل ذلك .

( فلما جاءهم ) : أتى بلما بعد لما من قبل جواب الأولى ، وفي جواب الأولى وجهان : أحدهما : جوابها لما الثانية وجوابها ; وهذا ضعيف ; لأن الفاء مع لما الثانية ، ولما لا تجاب بالفاء إلا أن يعتقد زيادة الفاء على ما يجيزه الأخفش .

[ ص: 78 ] والثاني : أن كفروا جواب الأولى والثانية ; لأن مقتضاهما واحد .

وقيل : الثانية تكرير فلم تحتج إلى جواب .

وقيل : جواب الأولى محذوف تقديره : أنكروه ، أو نحو ذلك .

( فلعنة الله ) : هو مصدر مضاف إلى الفاعل .

قال تعالى : ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ( 90 ) ) .

قوله تعالى : ( بئسما اشتروا ) فيه أوجه أحدها أن تكون : ما نكرة غير موصوفة منصوبة على التمييز قاله الأخفش ، واشتروا على هذا صفة لمحذوف تقديره : شيء أو كفر ; وهذا المحذوف هو المخصوص ، وفاعل بئس مضمر فيها ونظيره : لنعم الفتى أضحى بأكناف حايل أي فتى أضحى .

وقوله : ( أن يكفروا ) : خبر مبتدأ محذوف ; أي هو أن يكفروا ، وقيل أن يكفروا في موضع جر بدلا من الهاء في به ، وقيل هو مبتدأ ، وبئس وما بعدها خبر عنه .

والوجه الثاني : أن تكون : ما نكرة موصوفة ، واشتروا صفتها ، وأن يكفروا على الوجوه المذكورة ، ويزيد هاهنا أن يكون هو المخصوص بالذم .

والوجه الثالث أن تكون : ما بمنزلة الذي ، وهو اسم بئس ، وأن يكفروا المخصوص بالذم ، وقيل اسم بئس مضمر فيها والذي وصلته المخصوص بالذم .

والوجه الرابع : أن تكون : ما مصدرية ; أي بئس شراؤهم ، وفاعل بئس على هذا مضمر ; لأن المصدر هنا مخصوص ليس بجنس .

قوله : ( بغيا ) : مفعول له . ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر ; لأن ما تقدم يدل على أنهم بغوا بغيا .

[ ص: 79 ] ( أن ينزل الله ) : مفعول من أجله أي بغوا ; لأن أنزل الله وقيل التقدير بغيا على ما أنزل الله ; أي حسدا على ما خص الله به نبيه من الوحي ، ومفعول ينزل محذوف ; أي ينزل الله شيئا . ( من فضله ) : ويجوز أن تكون من زائدة على قول الأخفش .

و ( من ) : نكرة موصوفة أي على رجل يشاء .

ويجوز أن تكون بمعنى الذي ومفعول يشاء محذوف ; أي يشاء نزوله عليه .

ويجوز أن يكون يشاء يختار ويصطفى و ( من عباده ) : حال من الهاء المحذوفة ، ويجوز أن يكون في موضع جر صفة أخرى لمن . ( فباءوا بغضب ) : أي مغضوبا عليهم ; فهو حال : على غضب صفة لغضب الأول . ( مهين ) : الياء بدل من الواو ; لأنه من الهوان .

قال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ( 91 ) ) .

قوله تعالى : ( ويكفرون ) : أي وهم يكفرون ، والجملة حال والعامل فيها قالوا من قوله : ( قالوا نؤمن ) ; ولا يجوز أن يكون العامل نؤمن إذ لو كان كذلك لوجب أن يكون لفظ الحال ونكفر أي ونحن نكفر والهاء في ( وراءه ) تعود على ما ، والهمزة في وراء بدل من ياء ; لأن ما فاؤه واو لا يكون لامه واوا ، ويدل عليه أنها ياء في تواريت لا همزة . وقال ابن جني هي عندنا همزة ; لقولهم وريئة بالهمز في التصغير .

( وهو الحق ) : جملة في موضع الحال والعامل فيها يكفرون .

ويجوز أن يكون العامل معنى الاستقرار الذي دلت عليه ( ما ) إذ التقدير بالذي استقر وراءه . ( مصدقا ) : حال مؤكدة ، والعامل فيها ما في الحق من معنى الفعل إذ المعنى وهو ثابت مصدقا ، وصاحب الحال الضمير المستتر في الحق عند قوم ، وعند آخرين صاحب الحال ضمير دل عليه الكلام ، والحق مصدر لا يتحمل الضمير على حسب تحمل اسم الفاعل له عندهم ، فأما المصدر الذي ينوب عن الفعل ; كقولك ضربا زيدا فيتحمل الضمير عند قوم .

[ ص: 80 ] ( فلم ) : ما : هنا استفهام ، وحذفت ألفها مع حرف الجر للفرق بين الاستفهامية والخبرية ، وقد جاءت في الشعر غير محذوفة ، ومثله : ( فيم أنت من ذكراها ) [ النازعات : 43 ] و ( عم يتساءلون ) [ النبأ : 1 ] و ( مم خلق ) [ الطارق : 5 ] .

( تقتلون ) : أي قتلتم . والمعنى أن آباءهم قتلوا فلما رضوا بفعلهم أضاف القتل إليهم : إن كنتم جوابها محذوف دل عليه ما تقدم .

قال تعالى : ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 92 ) ) .

قوله تعالى : ( بالبينات ) : يجوز أن تكون في موضع الحال من موسى ، تقديره : جاءكم ذا بينات وحجة أو جاء ومعه البينات ، ويجوز أن يكون مفعولا به ; أي بسبب إقامة البينات .

التالي السابق


الخدمات العلمية