صفحة جزء
قال تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ( 93 ) ) .

قوله تعالى : ( في قلوبهم العجل ) : أي حب العجل ، فحذف المضاف ; لأن الذي يشربه القلب المحبة لا نفس العجل .

( بكفرهم ) : أي بسبب كفرهم .

ويجوز أن يكون حالا من المحذوف ; أي مختلطا بكفرهم .

( وأشربوا ) : في موضع الحال ، والعامل فيه قالوا ; أي قالوا ذلك وقد أشربوا ، وقد مرادة ; لأن الفعل الماضي لا يكون حالا إلا مع قد . وقال الكوفيون : لا يحتاج إليها .

ويجوز أن يكون وأشربوا مستأنفا ; والأول أقوى ; لأنه قد قال بعد ذلك : ( قل بئسما يأمركم ) ; فهو جواب قولهم : ( سمعنا وعصينا ) ; فالأولى أن لا يكون بينهما أجنبي .

قال تعالى : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ( 94 ) ) .

قوله تعالى : ( إن كانت لكم الدار ) : الدار : اسم كان ، وفي الخبر ثلاثة أوجه : أحدها : هو خالصة ، وعند ظرف لخالصة ، أو للاستقرار الذي في لكم .

ويجوز أن تكون " عند " حالا من الدار ، والعامل فيها كان أو الاستقرار ، وأما لكم فتكون على هذا متعلقة بـ ( كان ) ; لأنها تعمل في حروف الجر .

[ ص: 81 ] ويجوز أن تكون للتبيين ، فيكون موضعها بعد خالصة ; أي خالصة لكم فيتعلق بنفس خالصة . ويجوز أن يكون صفة لخالصة قدمت عليها فيتعلق حينئذ بمحذوف .

والوجه الثاني : أن يكون خبر كان لكم ، وعند الله ظرف وخالصة حال ، والعامل كان ، أو الاستقرار . والثالث : أن يكون عند الله هو الخبر ، وخالصة حال ، والعامل فيها إما " عند " أو ما يتعلق به أو " كان " أو " لكم " وسوغ أن يكون " عند " خبر كان " لكم " إذ كان فيه تخصيص وتبيين ونظيره قوله : ( ولم يكن له كفوا أحد ) [ الإخلاص : 4 ] ; لولا له لم يصح أن يكون كفوا خبرا . ( من دون ) : في موضع نصب بخالصة ; لأنك تقول خلص كذا من كذا .

قال تعالى : ( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ( 95 ) ) .

قوله تعالى : ( أبدا ) : ظرف . ( بما قدمت ) : أي بسبب ما قدمت ، فهو مفعول به ويقرب معناه من معنى المفعول له . و ( ما ) بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، أو مصدرية ، فيكون مفعول قدمت محذوفا ; أي بتقديم أيديهم الشر .

قال تعالى : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ( 96 ) ) .

قوله تعالى : ( ولتجدنهم ) : هي المتعدية إلى مفعولين ، والثاني " أحرص " و " على " متعلقة بأحرص . ( ومن الذين أشركوا ) : فيه وجهان : أحدهما : هي معطوفة على الناس في المعنى ، والتقدير : أحرص من الناس أي الذين في زمانهم ، وأحرص من الذين أشركوا يعني به المجوس ; لأنهم كانوا إذا دعوا بطول العمر قالوا : عشت ألف نيروز ، فعلى هذا في : ( يود ) وجهان : أحدهما : هو حال من الذين أشركوا ، تقديره : ود أحدهم ، ويدلك على ذلك أنك لو قلت : ومن الذين أشركوا الذين يود أحدهم ، صح أن يكون وصفا ، ومن هنا قال الكوفيون : هذا يكون على حذف الموصول وإبقاء الصلة .

والوجه الثاني : أن تجعل يود أحدهم حالا من الهاء والميم في ولتجدنهم ; أي لتجدنهم أحرص الناس وادا أحدهم . والوجه الثاني من وجهي " من الذين " أن يكون مستأنفا ، والتقدير : ومن الذين أشركوا قوم يود أحدهم أو من يود أحدهم .

وماضي يود وددت بكسر العين ; فلذلك صحت الواو ; لأنها لم يكسر ما بعدها في [ ص: 82 ] المستقبل ( لو يعمر ) : لو هنا بمعنى أن الناصبة للفعل ، ولكن لا تنصب ، وليست التي يمتنع بها الشيء لامتناع غيره ; ويدلك على ذلك شيئان : أحدهما : أن هذه يلزمها المستقبل ، والأخرى معناها في الماضي .

والثاني أن : يود يتعدى إلى مفعول واحد ، وليس مما يعلق عن العمل ، فمن هنا لزم أن يكون لو بمعنى أن وقد جاءت بعد ( ( يود ) ) في قوله تعالى : ( أيود أحدكم أن تكون له جنة ) [ البقرة : 266 ] ; وهو كثير في القرآن والشعر . ويعمر يتعدى إلى مفعول واحد ، وقد أقيم مقام الفاعل .

و ( ألف سنة ) : ظرف . ( وما هو بمزحزحه ) : في هو وجهان : أحدهما : هو ضمير أحد ; أي وما ذلك المتمني . بمزحزحه خبر ما . و " من العذاب " معلق بمزحزحه ، و " أن يعمر " في موضع رفع بمزحزحه ; أي [ وما الرجل بمزحزحه ] تعميره . والوجه الآخر : أن يكون هو ضمير التعمير ، وقد دل عليه قوله : " لو يعمر " .

وقوله : أن يعمر بدل من هو . ولا يجوز أن يكون هو ضمير الشأن ; لأن المفسر لضمير الشأن مبتدأ وخبر ، ودخول الباء في بمزحزحه يمنع من ذلك .

قال تعالى : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ( 97 ) ) .

قوله تعالى : ( من كان عدوا لجبريل ) [ البقرة : 87 ] من شرطية ، وجوابها محذوف تقديره فليمت غيظا أو نحوه . ( فإنه نزله ) : ونظيره في المعنى : ( من كان يظن أن لن ينصره الله ) [ الحج : 15 ] ثم قال : ( ( فليمدد ) ) : ( ( بإذن الله ) ) في موضع الحال من ضمير الفاعل في نزل ; وهو ضمير جبريل ، وهو العائد على اسم إن ، والتقدير : نزوله ومعه الإذن أو مأذونا به .

[ ص: 83 ] ( مصدقا ) : حال من الهاء في نزله ; و كذلك : " هدى وبشرى " ; أي هاديا ومبشرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية