صفحة جزء
سورة الجاثية .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ( 4 ) واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( آيات لقوم يوقنون ) : يقرأ بكسر التاء ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن " إن " مضمرة حذفت لدلالة إن الأولى عليها ، وليست " آيات " معطوفة على آيات الأولى لما فيه من العطف على عاملين .

والثاني : أن يكون كرر " آيات " للتوكيد ؛ لأنها من لفظ آيات الأولى ، فأعربها بإعرابه ؛ كقولك : إن بثوبك دما ، وبثوب زيد دما ؛ فدم الثاني مكرر ؛ لأنك مستغن عن ذكره .

ويقرأ بالرفع على أنه مبتدأ ، و " في خلقكم " : خبره ؛ وهي جملة مستأنفة .

وقيل : هي في الرفع على التوكيد أيضا .

وأما قوله تعالى : ( واختلاف الليل ) فمجرورة بفي مقدرة غير الأولى .

و ( آيات ) بالكسر والرفع على ما تقدم .

[ ص: 397 ] ويجوز أن يكون " اختلاف " معطوفا على المجرور بفي ، و " آيات " توكيد .

وأجاز قوم أن يكون ذلك من باب العطف على عاملين .

قال تعالى : ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( نتلوها ) : قد ذكر إعرابه في قوله تعالى : ( نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين ) [ البقرة : 252 ] .

قال تعالى : ( ويل لكل أفاك أثيم ( 7 ) يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( يسمع ) : هو في موضع جر على الصفة ، أو حال من الضمير في " أثيم " أو مستأنف .

و ( تتلى ) : حال ، و " كأن لم يسمعها " : حال أيضا .

قال تعالى : ( من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم ( 10 ) هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ( 11 ) ) .

قوله تعالى : ( ولا ما اتخذوا ) : هو معطوف على " ما كسبوا " و " ما " فيهما بمعنى الذي ، أو مصدرية .

و ( من رجز أليم ) : قد ذكر في سبأ .

قال تعالى : ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( 13 ) ) .

قوله تعالى : ( جميعا منه ) : " منه " : يجوز أن يكون متعلقا بسخر ، وأن يكون نعتا لجميع .

ويقرأ منه - بالنصب ؛ أي الامتنان ، أو من به عليكم منة .

ويقرأ " منه " بالرفع والإضافة ، على أنه فاعل " سخر " أو على تقدير : ذلك منه .

قال تعالى : ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ( 14 ) ) .

[ ص: 398 ] قوله تعالى : ( قل للذين آمنوا يغفروا ) : قد ذكر مثله في إبراهيم .

قوله تعالى : ( ليجزي قوما ) بالياء والنون على تسمية الفاعل ، وهو ظاهر .

ويقرأ على ترك التسمية ونصب " قوم " وفيه وجهان :

أحدهما : وهو الجيد : أن يكون التقدير : ليجزي الخير قوما ؛ على أن الخبر مفعول به في الأصل ، كقولك : جزاك الله خيرا ، وإقامة المفعول الثاني مقام الفاعل جائزة .

والثاني : أن يكون القائم مقام الفاعل المصدر ؛ أي ليجزي الجزاء ، وهو بعيد .

قال تعالى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ( 21 ) ) .

قوله تعالى : ( سواء محياهم ومماتهم ) : يقرأ " سواء " بالرفع ؛ فمحياهم : مبتدأ ، ومماتهم معطوف عليه ، وسواء : خبر مقدم .

ويقرأ ( سواء ) بالنصب ، وفيه وجهان ؛ أحدهما : هو حال من الضمير في الكاف ؛ أي نجعلهم مثل المؤمنين في هذه الحال .

والثاني : أن يكون مفعولا ثانيا لحسب ، والكاف حال ، وقد دخل استواء محياهم ومماتهم على هذا الوجه في الحسبان .

و ( محياهم ومماتهم ) : مرفوعان بسواء ؛ لأنه مستو وقد قرئ باعتماده .

ويقرأ : ( مماتهم ) - بالنصب ؛ أي في محياهم ومماتهم ، والعامل فيه نجعل أو سواء . وقيل : هما ظرفان فأما الضمير المضاف إليه فيرجع إلى القبيلين ؛ ويجوز أن يرجع إلى الكفار ، لأن محياهم كمماتهم ؛ ولهذا سمي الكافر ميتا .

قال تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ( 23 ) ) .

[ ص: 399 ] و ( على علم ) : حال .

و ( من يهديه ) : استفهام . ( من بعد الله ) أي من بعد إضلال الله إياه .

قال تعالى : ( ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ( 27 ) ) .

قوله تعالى : ( يومئذ يخسر ) : هو بدل من " يوم " الأول .

قال تعالى : ( وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ( 28 ) ) .

قوله تعالى : ( كل أمة ) : مبتدأ ، و " تدعى " : خبره .

وقرئ بالنصب بدلا من كل الأولى ، فتدعى على هذا مفعول ثان ، أو وصف لكل ، أو لأمة .

قال تعالى : ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ( 29 ) ) .

قوله تعالى : ( ينطق ) : يجوز أن يكون حالا من الكتاب ، أو خبرا ثانيا .

قال تعالى : ( وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ( 32 ) ) .

قوله تعالى : ( والساعة لا ريب فيها ) : يقرأ بالرفع على الابتداء ، وما بعده الخبر .

وقيل : هو معطوف على موضع " إن " وما عملت فيه . ويقرأ بالنصب عطفا على اسم " إن " .

قوله تعالى : ( إن نظن إلا ) تقديره : إن نحن إلا نظن ظنا ، فإلا مؤخرة ، ولولا هذا التقدير : لكان المعنى : ما نظن إلا نظن . وقيل : هي في موضعها ؛ لأن نظن قد تكون بمعنى العلم والشك ؛ فاستثنى الشك ؛ أي ما لنا اعتقاد إلا الشك .

قال تعالى : ( وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) .

قوله تعالى : ( في السماوات ) : يجوز أن يكون حالا من الكبرياء ، والعامل فيه الاستقرار ؛ وأن يكون ظرفا ، والعامل فيه الظرف الأول أو الكبرياء ؛ لأنها بمعنى العظمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية