صفحة جزء
قال تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم ( 6 ) صراط الذين أنعمت عليهم ) .

[ ص: 14 ] قوله تعالى : ( اهدنا ) لفظه أمر ، و الأمر مبني على السكون عند البصريين ، ومعرب عند الكوفيين ، فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء ، وعند الكوفيين هو علامة الجزم .

و ( هدى ) يتعدى إلى مفعول بنفسه ، فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه ; ومنه هذه الآية ; وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى : ( هداني ربي إلى صراط مستقيم ) [ الأنعام : 161 ] وجاء متعديا باللام ، ومنه قوله تعالى : ( الذي هدانا لهذا ) [ الأعراف : 43 ] .

و : ( السراط ) بالسين هو الأصل ; لأنه من سرط الشيء إذا بلغه ، وسمي الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشيء المبتلع .

فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل ، ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا ; لتجانس الطاء في الإطباق ، والسين تشارك الصاد في الصفير والهمس ، فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها ، فكانت مقاربتها لها مجوزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الإطباق .

ومن قرأ بالزاي قلب السين زايا ; لأن الزاي والسين من حروف الصفير ، والزاي أشبه بالطاء ; لأنهما مجهورتان .

ومن أشم الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر والإطباق .

وأصل : ( المستقيم ) مستقوم ، ثم عمل فيه ما ذكرنا في " نستعين " ، ومستفعل هنا بمعنى فعيل أي السراط القويم . ويجوز أن يكون بمعنى القائم ; أي الثابت .

وسراط الثاني بدل من الأول ، وهو بدل الشيء من الشيء ، وهما بمعنى واحد ، وكلاهما معرفة .

و ( الذين ) اسم موصول ، وصلته أنعمت ، والعائد عليه الهاء والميم .

[ ص: 15 ] والغرض من وضع " الذي " وصف المعارف بالجمل ; لأن الجمل تفسر بالنكرات ، والنكرة لا توصف بها المعرفة . والألف واللام في الذي زائدتان وتعريفها بالصلة ، ألا ترى أن من و ما معرفتان ولا لام فيهما فدل أن تعرفهما بالصلة والأصل في الذين اللذيون ; لأن واحده الذي ، إلا أن ياء الجمع حذفت ياء الأصل ; لئلا يجتمع ساكنان .

والذين بالياء في كل حال ; لأنه اسم مبني ، ومن العرب من يجعله في الرفع بالواو ، وفي الجر والنصب بالياء ، كما جعلوا تثنيته بالألف في الرفع وبالياء في الجر والنصب .

وفي الذي خمس لغات : إحداها : لذي بلام مفتوحة من غير لام التعريف ، وقد قرئ به شاذا . والثانية : الذي بسكون الياء . والثالثة : بحذفها وإبقاء كسرة الذال . والرابعة : حذف الياء وإسكان الذال . والخامسة بياء مشددة .

التالي السابق


الخدمات العلمية