صفحة جزء
قال تعالى : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ( 261 ) ) .

قوله تعالى : ( مثل الذين ينفقون أموالهم ) : في الكلام حذف مضاف تقديره : مثل [ ص: 173 ] إنفاق الذين ينفقون ، أو مثل نفقة الذين ينفقون ، ومثل مبتدأ ، و ( كمثل حبة ) : خبره ; وإنما قدر المحذوف ; لأن الذين ينفقون لا يشبهون بالحبة ، بل إنفاقهم أو نفقتهم .

( أنبتت سبع سنابل ) : الجملة في موضع جر صفة لحبة .

( في كل سنبلة مائة حبة ) : ابتداء وخبر في موضع جر صفة لسنابل .

ويجوز أن يرفع مائة حبة بالجار ; لأنه قد اعتمد لما وقع صفة .

ويجوز أن تكون الجملة صفة لسبع ; كقولك رأيت سبعة رجال أحرار وأحرارا .

ويقرأ في الشاذ مائة بالنصب ، بدلا من سبع ، أو بفعل محذوف تقديره : أخرجت ، والنون في سنبلة زائدة ، وأصله من أسبل ; وقيل : هي أصل ، والأصل في مائة مئية ، يقال أمأت الدراهم إذا صارت مائة ، ثم حذفت اللام تخفيفا كما حذفت لام يد .

قال تعالى : ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 262 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين ينفقون أموالهم ) : مبتدأ ، والخبر " لهم أجرهم " .

ولام الأذى ياء ; يقال أذي يأذي أذى ; مثل نصب ينصب نصبا .

قال تعالى : ( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ( 263 ) ) .

قوله تعالى : ( قول معروف ) : مبتدأ ، ( ومغفرة ) : معطوف عليه ; والتقدير : وسبب مغفرة ; لأن المغفرة من الله ، فلا تفاضل بينها وبين فعل عبده .

ويجوز أن تكون المغفرة مجاوزة المزكي واحتماله للفقير ، فلا يكون فيه حذف مضاف والخبر " خير من صدقة " و ( يتبعها ) : صفة لصدقة .

وقيل : قول معروف مبتدأ ، خبره محذوف ; أي أمثل من غيره . ومغفرة مبتدأ ، وخير خبره .

[ ص: 174 ] قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ( 264 ) ) .

قوله تعالى : ( كالذي ينفق ) : الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ، وفي الكلام حذف مضاف ، تقديره : إبطالا كإبطال الذي ينفق .

ويجوز أن يكون في موضع الحال من ضمير الفاعلين ; أي لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي ينفق ماله ; أي مشبهين الذي يبطل إنفاقه بالرياء .

و ( رئاء الناس ) : مفعول من أجله ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ; أي ينفق مرائيا ) : والهمزة الأولى في رئاء عين الكلمة ; لأنه من راءى ; والأخيرة بدل من الياء لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة كالقضاء والدماء .

ويجوز تخفيف الهمزة الأولى بأن تقلب ياء فرارا من ثقل الهمزة بعد الكسرة ، وقد قرئ به ، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول . ودخلت الفاء في قوله " فمثله " لربط الجملة بما قبلها .

والصفوان : جمع صفوانة ، والجيد أن يقال هو جنس جمع ; ولذلك عاد الضمير إليه بلفظ الإفراد في قوله " عليه تراب " .

وقيل : هو مفرد . وقيل : واحده صفا ، وجمع فعل على فعلان قليل ، وحكي صفوان بكسر الصاد ، وهو أكثر الجموع ، ويقرأ بفتح الفاء وهو شاذ ; لأن فعلانا شاذ في الأسماء ، وإنما يجيء في المصادر مثل الغليان ، والصفات مثل يوم صحوان . و ( عليه تراب ) : في موضع جر صفة لصفوان ، ولك أن ترفع ترابا بالجر ; لأنه قد اعتمد على ما قبله ، وأن ترفعه بالابتداء .

والفاء في : ( فأصابه ) عاطفة على الجار ; لأن تقديره : استقر عليه تراب فأصابه .

وهذا أحد ما يقوي شبه الظرف بالفعل .

والألف في " أصاب " منقلبة عن واو ; لأنه من صاب يصوب .

( فتركه صلدا ) : هو مثل قوله : ( وتركهم في ظلمات ) [ البقرة : 17 ] . وقد ذكر في [ ص: 175 ] أول السورة : ( لا يقدرون ) : مستأنف لا موضع له ; وإنما جمع هنا بعد ما أفرد في قوله كالذي وما بعده ; لأن الذي هنا جنس ، فيجوز أن يعود الضمير إليه مفردا وجمعا ، ولا يجوز أن يكون من الذي ; لأنه قد فصل بينهما بقوله " فمثله " وما بعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية