صفحة جزء
[ ص: 1 ] بسم الله الرحمن الرحيم

قال مولانا الإمام شيخ الإسلام ، مقتدى العلماء الأعلام ، مقري ديار مصر والشام ، افتخار الأئمة ، ناصر الأمة ، أستاذ المحدثين ، بقية العلماء الراسخين ، شمس الملة والدين ، أبو الخير محمد بن الجزري الشافعي رحمه الله ورضي عنه :

الحمد لله الذي أنزل القرآن كلامه ويسره ، وسهل نشره لمن رامه وقدره ، ووفق للقيام به من اختاره وبصره ، وأقام لحفظه خيرته من بريته الخيرة . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مقر بها بأنها للنجاة مقررة ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل : إن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جمعوا القرآن في صدورهم السليمة وصحفه المطهرة ، وسلم وشرف وكرم ، ورضي الله عن أئمة القراءة المهرة ، خصوصا القراء العشرة ، الذين كل منهم تجرد لكتاب الله فجوده وحرره ، ورتله كما أنزل وعمل به وتدبره ، وزينه بصوته وتغنى به وحبره ، ورحم الله السادة المشايخ الذين جمعوا في اختلاف حروفه ورواياته الكتب المبسوطة والمختصرة ، فمنهم من جعل تيسيره فيها عنوانا وتذكرة ، ومنهم من أوضح مصباحه إرشادا وتبصرة ، ومنهم من أبرز المعاني في حرز الأماني مفيدة وخيرة ، أثابهم الله تعالى أجمعين ، وجمع بيننا وبينهم في دار كرامته في عليين بمنه وكرمه .

وبعد : فإن الإنسان لا يشرف إلا بما يعرف ، ولا يفضل إلا بما يعقل ، ولا ينجب إلا بمن يصحب ، ولما كان القرآن العظيم أعظم كتاب أنزل ، كان المنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - أفضل نبي أرسل ، وكانت أمته من العرب والعجم أفضل [ ص: 2 ] أمة أخرجت للناس من الأمم ، وكانت حملته أشرف هذه الأمة ، وقراؤه ومقرئوه أفضل هذه الملة .

كما أخبرنا الشيخ الإمام العالم أبو العباس أحمد بن محمد الخضر الحنفي - رحمه الله - بقراءتي عليه بسفح قاسيون ظاهر دمشق المحروسة في أوائل سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ، قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة الصالحي سماعا عليه سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ، قال : أخبرنا أبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن القبيطي في آخرين إذنا ، قالوا : أخبرنا أبو بكر أحمد بن المقرب الكرخي ، أخبرنا الإمام أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله البغدادي ، أخبرنا شيخنا أبو علي المقري - يعني الحسن بن علي بن عبيد الله العطار - ، أخبرنا إبراهيم بن أحمد الطبري ، حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل العجلي قال : حدثني عمر بن أيوب السقطي ، حدثنا أبو إبراهيم البرجماني - يعني إسماعيل بن إبراهيم - ، حدثنا سعد بن سعيد الجرجاني وكنا نعده من الأبدال ، عن نهشل أبي عبد الرحمن القرشي ، عن الضحاك ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أشراف أمتي حملة القرآن .

نهشل هذا ضعيف ، وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث الجرجاني هذا عن كامل أبي عبد الله الراسبي عن الضحاك به ، إلا أنه قال : أشرف أمتي حملة القرآن ولم يذكر نهشلا في إسناده ، والصواب ذكره كما أخبرتنا ست العرب ابنة محمد بن علي مشافهة في دارها بسفح قاسيون سنة ست وستين وسبعمائة ، قالت : أنا جدي علي بن أحمد بن عبد الواحد ، أنا أبو سعد الصفار في كتابه ، أنا زاهر بن طاهر سماعا ، أنا أحمد بن الحسين الحافظ ، أنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو الحسين محمد بن القاسم الفارسي إملاء ، قالا : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن قريش ، حدثنا الحسين بن سفيان ، حدثنا أبو إبراهيم البرجماني ، حدثنا سعد بن سعيد الجرجاني ، أخبرنا نهشل بن عبد الله عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أشراف أمتي حملة القرآن [ ص: 3 ] وأصحاب الليل . كذا رواه البيهقي في شعب الإيمان وهو الصحيح ، وروينا فيه عن ابن عباس أيضا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ثلاثة لا يكترثون للحساب ولا تفزعهم الصيحة ولا يحزنهم الفزع الأكبر : حامل القرآن يؤديه إلى الله يقدم على ربه سيدا شريفا حتى يرافق المرسلين ، ومن أذن سبع سنين لا يأخذ على أذانه طمعا ، وعبد مملوك أدى حق الله من نفسه وحق مواليه .

وروينا أيضا في الطبراني بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خيركم من قرأ القرآن وأقرأه ورواه البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ولفظه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خيركم من تعلم القرآن وعلمه وكان الإمام أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل يقول لما يروي هذا الحديث عن عثمان : هذا الذي أقعدني مقعدي هذا ، يشير إلى كونه جالسا في المسجد الجامع بالكوفة يعلم القرآن ويقرئه مع جلالة قدره وكثرة علمه ، وحاجة الناس إلى علمه ، وبقي يقرئ الناس بجامع الكوفة أكثر من أربعين سنة ، وعليه قرأ الحسن والحسين - رضي الله عنهما - ، ولذلك كان السلف - رحمهم الله - لا يعدلون بإقراء القرآن شيئا فقد روينا عن شقيق أبي وائل قال : قيل لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : إنك تقل الصوم . قال : إني إذا صمت ضعفت عن القرآن ، وتلاوة القرآن أحب إلي .

وفي جامع الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله - عز وجل - : من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال الترمذي : حديث حسن غريب . وقد جمع الحافظ أبو العلاء الهمذاني طرق هذا الحديث وفي بعضها : من شغله قراءة القرآن في أن يتعلمه أو يعلمه عن دعائي ومسألتي وأسند الحافظ أبو العلاء أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أفضل العبادة قراءة القرآن وروينا عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفضل عبادة أمتي [ ص: 4 ] قراءة القرآن أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ، وعن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني : سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرئ القرآن ؟ فقال : يقرئ القرآن ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، وروينا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا " وذلك قوله تعالى : ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا قال : إلا الذين قرءوا القرآن ، وعن عبد الملك بن عمير : " أبقى الناس عقولا قراء القرآن " .

وأنبأنا أحمد بن محمد بن الحسين البنا ، عن علي بن أحمد ، أن أبا محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحافظ أخبره قال : أنا عبد الرزاق بن إسماعيل القوسياني سماعا ، أنا أبو شجاع الديلمي الحافظ ، أنا أبو بكر أحمد بن معمر الأثوابي الوراق ، أنا أبو الحسن طاهر بن حمد بن سعدويه الدهقان بهمذان ، حدثنا محمد بن الحسين النيسابوري بها ، حدثنا أبو بكر الرازي ( ح ) وأخبرني محمد بن أحمد الصالحي شفاها عن أبي الحسن بن أحمد الفقيه قال : كتب إلي الحافظ عبد الرحمن بن علي السلامي ، أنا ابن ناصر ، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد ، أنا أبو محمد الخلال ، أنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، أنا أحمد بن محمد بن مقسم قال : سمعت أبا بكر الرازي قال : سمعت عبد العزيز بن محمد النهاوندي يقول : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبي - رحمة الله عليه - يقول : رأيت رب العزة في النوم فقلت : يا رب ، ما أفضل ما يتقرب المتقربون به إليك ؟ فقال : بكلامي يا أحمد ، فقلت : يا رب بفهم أم بغير فهم ؟ فقال : بفهم وبغير فهم .

التالي


الخدمات العلمية