صفحة جزء
( وكهيئة ، وسوءة ، والسوء ) فقد اختلف عن ورش من طريق الأزرق في إشباع المد في ذلك ، وتوسطه ، وغير ذلك ، فذهب إلى الإشباع فيه المهدوي ، وهو اختيار أبي الحسن الحصري وأحد الوجهين في " الهادي " و " الكافي " و " الشاطبية " ، ومحتمل في " التجريد " ، وذهب إلى التوسط أبو محمد مكي وأبو عمر ، والداني ، وبه قرأ الداني على أبي القاسم خلف بن خاقان ، وأبي الفتح فارس بن أحمد ، وهو الوجه الثاني في " الكافي " و " الشاطبية " ، وظاهر " التجريد " ، وذكره أيضا الحصري في قصيدته مع اختياره الإشباع فقال :

وفي مد عين ثم شيء وسوأة خلاف جرى بين الأئمة في مصر     فقال أناس مده متوسط
وقال أناس مفرط وبه أقري

[ ص: 347 ] وأجمعوا على استثناء كلمتين من ذلك وهما ( موئلا ) ، و " الموءودة " فلم يزد أحد فيهما تمكينا على ما فيهما من الصيغة ، وانفرد صاحب " التجريد " بعد استثناء ( موئلا ) فخالف سائر الرواة عن الأزرق ، واختلفوا في تمكين واو ( سوآت ) من ( سوآتهما ) ، و ( سوآتكم ) فنص على استثنائها المهدوي في " الهداية " ، وابن سفيان في " الهادي " ، وابن شريح في " الكافي " ، وأبو محمد في " التبصرة " ، والجمهور ، ولم يستثنها أبو عمرو الداني في " التيسير " ولا في سائر كتبه ، وكذلك ذكر الأهوازي في كتابه الكبير ، ونص على الخلاف فيها أبو القاسم الشاطبي ، وينبغي أن يكون الخلاف على المد المتوسط والقصر ، فإني لا أعلم أحدا روى الإشباع في هذا الباب إلا وهو يستثني ( سوآت ) فعلى هذا لا يتأتى فيها لورش سوى أربعة أوجه ، وهي قصر الواو مع الثلاثة في الهمزة طريق من قدمنا ، والرابع التوسط فيها طريق الداني ، والله تعالى أعلم .

وقد نظمت ذلك في بيت وهو :

وسوآت قصر الواو والهمز ثلثا     ووسطهما فالكل أربعة نادر

وذهب آخرون إلى زيادة المد في ( شيء ) فقط كيف أتى مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مخفوضا ، وقصر سائر الباب . وهذا مذهب أبي الحسن طاهر بن غلبون وأبي الطاهر صاحب " العنوان " ، وأبي القاسم الطرسوسي وأبي علي الحسن بن بليمة صاحب " التلخيص " ، وأبي الفضل الخزاعي ، وغيرهم ، واختلف هؤلاء في قدر هذا المد ، فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرون أنه التوسط ، وبه قرأ الداني عليه ، والطرسوسي ، وصاحب " العنوان " يريان أنه الإشباع ، وبه قرأت من طريقهما ، واختلف أيضا بعض الأئمة من المصريين والمغاربة في مد ( شيء ) كيف أتى عن حمزة ، فذهب أبو الطيب بن غلبون وصاحب " العنوان " ، وأبو علي الحسن بن بليمة ، وغيرهم إلى مده ، وهو ظاهر نص أبي الحسن بن غلبون في " التذكرة " ، وذهب الآخرون إلى أنه السكت دون المد . وعلى ذلك حمل الداني كلام ابن غلبون ، وبه قرأ عليه ، وبه أخذنا أيضا ، وقال في " الكافي " : إنه قرأ الوجهين - يعني من المد والسكت - وهما [ ص: 348 ] أيضا في " التبصرة " ، والمراد بالمد عند من رواه من هؤلاء هو التوسط ، وبه قرأت من طريق من روى المد ، ولم يروه عنه إلا من روى السكت في غيره ، والله أعلم . وإذا وقع الهمز بعدد حرف اللين منفصلا ، فأجمعوا على ترك الزيادة نحو ( خلوا إلى ، و ابني آدم ) ولا فرق بينه وبين ما لا همز بعده نحو ( عينا ، و هونا ) لا خلاف بينهم في ذلك لما سنذكره إلا ما جاء من نقل حركة الهمز في ذلك كما سيأتي في بابه - إن شاء الله تعالى . وأما السكون فهو على أقسام المد أيضا ، لازم وعارض ، وكل منهما مشدد وغير مشدد . فاللازم غير المشدد حرف واحد ، وهو ( ع ) من فاتحة مريم والشورى ، فاختلف أهل الأداء في إشباعها في توسطها ، وفي قصرها لكل من القراء ، فمنهم من أجراها مجرى حرف المد ، فأشبع مدها لالتقاء الساكنين ، وهذا مذهب أبي بكر بن مجاهد وأبي الحسن علي بن محمد بن بشر الأنطاكي وأبي بكر الأذفوي ، واختيار أبي محمد مكي وأبي القاسم الشاطبي ، وحكاه أبو عمرو الداني في جامعه عن بعض من ذكرنا ، وقال : هو قياس قول من روى عن ورش المد في ( شيء ، والسوء ) وشبههما ، ذكره في " الهداية " ، عن ورش وحده - يعني من طريق الأزرق ، وكذا كان يأخذ ابن سفيان ، ومنهم من أخذ بالتوسط نظرا لفتح ما قبل ، ورعاية للجمع بين الساكنين ، وهذا مذهب أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون ، وابنه أبي الحسن طاهر بن غلبون وأبي الحسن علي بن سليمان الأنطاكي وأبي الطاهر صاحب " العنوان " ، وأبي الفتح بن شيطا وأبي علي صاحب " الروضة " ، وغيرهم ، وهو قياس من روى عن ورش التوسط في ( شيء ) وبابه ، وهو الأقيس لغيره والأظهر ، وهو الوجه الثاني في " جامع البيان " ، و " حرز الأماني " ، و " التبصرة " ، وغيرهما ، وهو أحد الوجهين في كفاية أبي العز القلانسي عن الجميع ، وفي " الكافي " عن ورش وحده بخلاف ، وهذان الوجهان مختاران لجميع القراء عند المصريين ، والمغاربة ، ومن تبعهم ، وأخذ بطريقهم ، ومنهم من أجراها مجرى الحروف الصحيحة فلم يزد في تمكينها على ما فيها ، وهذا مذهب أبي طاهر بن سوار ، [ ص: 349 ] وأبي محمد سبط الخياط وأبي العلاء الهمداني ، وهو الوجه الثاني عند أبي العز القلانسي ، واختيار متأخري العراقيين قاطبة ، وهو الذي في " الهداية " و " الهادي " و " الكافي " لغير ورش ، وهو الوجه الثاني فيه لورش ، وقال : لم يكن أحد مدها إلا ورشا باختلاف عنه .

( قلت ) : القصر في ( عين ) ، عن ورش من طريق الأزرق مم انفرد به ابن شريح ، وهو مما ينافي أصوله إلا عند من لا يرى مد حرف اللين قبل الهمز ; لأن سبب السكون أقوى من سبب الهمز ، والله أعلم .

واللازم المشدد في حرفين ( هاتين ) في القصص ( واللذين ) في فصلت في قراءة ابن كثير بتشديد النون فيجري له فيهما الثلاثة الأوجه المتقدمة على مذهب من تقدم ، وممن نص على أن المد فيهما كالمد في ( الضالين ، و هذان ) الحافظ أبو عمرو الداني في جامعه في باب المد ، وهو ظاهر " التيسير " ونص في سورة النساء من " جامع البيان " على الإشباع في ( هذان ) والتمكين فيهما ، وهو صريح في التوسط ولم يذكر سائر المؤلفين فيهما إشباعا ولا توسطا ; فلذلك كان القصر فيهما مذهب الجمهور ، والله أعلم .

وأما الساكن العارض غير المشدد فنحو ( الليل ، و الميل ، و الميت ، و الحسنيين ، و الخوف ، و الموت ، و الطول ) حالة الوقف بالإسكان ، أو بالإشمام فيما يسوغ فيه ، فقد حكى فيه الشاطبي وغيره ، عن أئمة الأداء الثلاثة مذاهب ، وهي الإشباع والتوسط والقصر ، وهي أيضا لورش من طريق الأزرق في غير ما الهمزة فيه متطرفة نحو ( شيء ، و السوء ) فإن القصر يمتنع في ذلك كما سيأتي ، والإشباع فيه مذهب أبي الحسن علي بن بشر ، وبعض من يأخذ بالتحقيق وإشباع التمطيط من المصريين وأضرابهم ، والتوسط مذهب أكثر المحققين ، واختيار أبي عمرو الداني ، وبه كان يقرئ أبو القاسم الشاطبي كما نص عليه أبو عبد الله بن القصاع ، عن الكمال الضرير ، عنه . قال الداني : المد في حال التمكين التوسط من غير إسراف ، وبه قرأت ، والقصر هو مذهب الحذاق كأبي بكر الشذائي ، والحسن بن داود النقار وأبي الفتح ابن شيطا وأبي محمد سبط الخياط وأبي علي المالكي وأبي عبد الله بن شريح ، وغيرهم ، وأكثرهم [ ص: 350 ] حكى الإجماع على ذلك ، وأنها جارية مجرى الصحيح ، وبه كان يقرئ الأستاذ أبو الجود المصري كما نص عليه ابن القصاع ، عن الكمال الضرير ، عنه ، وهو قول النحويين أجمعين ، وقد نص على الثلاثة جميعا الإمام أبو القاسم الشاطبي .

( قلت ) : والتحقيق في ذلك أن يقال : إن هذه الأوجه لا تسوغ إلا لمن ذهب إلى الإشباع في حروف المد من هذا الباب ، وأما من ذهب إلى القصر فيها لا يجوز له إلا القصر فقط ، ومن ذهب إلى التوسط فيها لا يسوغ له هنا إلا التوسط والقصر - اعتد بالعارض أو لم يعتد - ولا يسوغ له هنا إشباع ; فلذلك كان الأخذ به في هذا النوع قليلا والعارض المشدد نحو ( الليل لباسا . كيف فعل . الليل رأى . بالخير لقضي ) عند أبي عمرو في الإدغام الكبير ، وهذه الثلاثة الأوجه سائغة فيها كما تقدم آنفا في العارض ، والجمهور على القصر ، وممن نقل فيه المد والتوسط الأستاذ أبو عبد الله بن القصاع .

التالي السابق


الخدمات العلمية