صفحة جزء
( والضرب الثاني ) المتحرك ، وينقسم إلى قسمين متحرك قبله متحرك ، ومتحرك قبله ساكن ، أما المتحرك المتحرك ما قبله فاختلفوا في تخفيف الهمزة منه في سبعة أحوال .

( الأول ) أن تكون مفتوحة وقبلها مضموم ، فإن كانت فاء من الفعل فاتفق أبو جعفر وورش على إبدالها واوا نحو ( يوده ، ويواخذ ، ويولف ، وموجلا ، وموذن ، والمولفة ) واختلف ابن وردان في حرف واحد من ذلك ، وهو ( يؤيد بنصره ) في آل عمران ، فروى ابن شبيب من طريق ابن العلاف وغيره ، وابن هارون من طريق الشطوي وغيره ، كلاهما عن الفضل بن شاذان تحقيق الهمزة فيه . وكذا روى الرهاوي ، عن أصحابه ، عن الفضل ، وكأنه راعى فيه وقوع الياء المشددة بعد الواو ، فيجتمع ثلاثة أحرف من حروف العلة ، وروى سائر الرواة عنه الإبدال طردا للباب ، وهي رواية ابن جماز ، واختلف أيضا عن ورش في حرف واحد ، وهو ( مؤذن ) في الأعراف ويوسف . فروى عنه الأصبهاني تحقيق الهمزة فيه ، وكأنه راعى مناسبة لفظ ( فأذن ) وهي مناسبة مقصودة عندهم في كثير من الحروف ، وروى عنه الأزرق الإبدال على أصله ، وإن كانت عينا من الفعل ، فإن الأصبهاني عن ورش اختص بإبدالها في حرف ، وهو ( الفواد ، وفواد ) وهو في هود ، وسبحان ، والفرقان ، والقصص ، والنجم . وإن كانت لاما من الفعل ، فإن حفصا اختص بإبدالها في ( هزوا ) ، وهو في عشرة مواضع ، في البقرة موضعان ( أتتخذنا هزوا ، ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) وفي المائدة موضعان ( لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ، وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ) وفي الكهف موضعان ( واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا [ ص: 396 ] واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ) وفي الأنبياء ( إن يتخذونك إلا هزوا ) ، وكذا في الفرقان ، وفي لقمان ( اتخذها هزوا ، و اتخذها هزوا ) في الجاثية ، وفي ( كفوا ) ، وهو في الإخلاص .

( الثاني ) أن تكون مفتوحة وقبلها مكسور ، فإن أبا جعفر يبدلها ياء في ( رئاء الناس ) ، وهو في البقرة والنساء والأنفال ، وفي ( خاسئا ) في الملك ، وفي ( ناشئة الليل ) في المزمل ، وفي ( شانئك ) ، وهو في الكوثر ، وفي ( استهزئ ) ، وهو في الأنعام والرعد والأنبياء ، وفي ( قرئ ) ، وهو في الأعراف والانشقاق ، وفي ( لنبوئنهم ) ، وهو في النحل والعنكبوت ، وفي ( ليبطئن ) ، وهو في النساء ، وفي ( ملئت ) ، وهو في الجن ، وكذلك ( يبدلها ) في ( خاطئة ، و الخاطئة ، و مئة ، و فئة ) وتثنيتهما ، وانفرد الشطوي عن ابن هارون في رواية ابن وردان بتحقيق الهمزة في هذه الأربعة ، وكذلك ابن العلاف ، عن زيد عن ابن شبيب ، فخالف سائر الرواة عن زيد وعن أصحابه ، واختلف عن أبي جعفر في ( موطيا ) فقطع له بالإبدال الحافظ أبو العلاء من رواية ابن وردان ، وكذلك الهذلي من روايتي ابن وردان وابن جماز جميعا ، ولم يذكر فيها همزة إلا من طريق النهرواني ، عن أصحابه عن ابن وردان ولم يذكر فيها أبو العز ولا ابن سوار من الروايتين جميعا إبدالا ، والوجهان صحيحان ، بهما قرأت ، وبهما آخذ ، والله أعلم .

ووافقه الأصبهاني عن ورش في ( خاسيا ) ، و ( ناشية ) و ( مليت ) وزاد فأبدل ( فبأي ) حيث وقع مسبوقا بالفاء نحو ( فبأي آلاء ربك ) ، واختلف عنه فيما تجرد عن الفاء نحو ( بأي أرض تموت ، بأيكم المفتون ) فروى الحمامي من جميع طرقه ، عن هبة الله والمطوعي كلاهما عنه إبدال الهمزة فيها ، وبه قطع في " الكامل " و " التجريد " ، وذكر صاحب " المبهج " أنه قرأ له بالوجهين في ( بأيكم المفتون ) على شيخه الشريف ، وروى التحقيق ، عن سائر الرواة ، عن هبة الله ، عنه ، والله أعلم .

وانفرد أبو العلاء الحافظ عن النهرواني بالإبدال في ( شانيك ) وانفرد الهذلي في " الكامل " بالإبدال في ( لنبوينهم ) [ ص: 397 ] وانفرد ابن مهران عن الأصبهاني فلم يذكر له إبدالا في هذا الحال ، فخالف سائر الناس ، واختص الأزرق عن ورش بإبدال الهمزة ياء في ( لئلا ) في البقرة والنساء والحديد .

( الثالث ) أن تكون مضمومة بعد كسر وبعدها واو ، فإن أبا جعفر يحذف الهمزة ويضم ما قبلها من أجل الواو نحو ( مستهزون ، والصابون ، ومتكون ، ومالون ، وليواطوا ، ويطفوا ، و قل استهزوا ) وما أتى من ذلك ، ووافقه نافع على ( الصابون ) ، وهو في المائدة ، واختلف عن ابن وردان في حرف واحد وهو ( المنشئون ) فرواه عنه بالهمز ابن العلاف ، عن أصحابه ، والنهرواني من طريقي الإرشاد وغاية أبي العلاء والحنبلي من طريق الكفاية ، وبه قطع له الأهوازي ، وبذلك قطع أبو العز في " الإرشاد " من غير طريق هبة الله ، وهو بخلاف ما قال في " الكفاية " ، وبالحذف قطع ابن مهران والهذلي وغيرهما ، ونص له على الخلاف أبو طاهر بن سوار ، والوجهان عنه صحيحان ، ولم يختلف عن ابن جماز في حذفه . وقد خص بعض أصحابنا الألفاظ المتقدمة ، ولم يذكر ( نبيوني وأنبيوني ، ويتكيون ، ويستنبونك ) وظاهر كلام أبي العز والهذلي العموم ، على أن الأهوازي وغيره نص عليها ، ولا يظهر فرق سوى الرواية ، والله أعلم .

( الرابع ) أن تكون مضمومة بعد فتح ، فإن أبا جعفر يحذفها في ( ولا يطون ، و لم تطوها ، وأن تطوهم ) وانفرد الحنبلي بتسهيلها بين بين في ( رءوف ) حيث وقع ، وانفرد الهذلي ، عن أبي جعفر بتسهيل ( تبوءوا الدار ) كذلك وهي رواية الأهوازي عن ابن وردان .

( الخامس ) أن تكون مكسورة بعد كسر بعدها ، فإن أبا جعفر يحذف الهمزة في ( متكئين ، والصابئين و الخاطئين و خاطئين و المستهزئين ) حيث وقعت ، ووافقه نافع في ( الصابين ) ، وهو في البقرة والحج ، وانفرد الهذلي عن النهرواني ، عن ابن وردان بحذفها في ( خاسئين ) أيضا .

( السادس ) أن تكون الهمزة مفتوحة بعد فتح ، فاتفق نافع وأبو جعفر على تسهيلها بين بين إذا وقع بعد همزة الاستفهام نحو ( أرأيتكم ، و أرأيتم ، و أرأيت ، و أفرأيتم ) حيث وقع ، واختلف عن الأزرق [ ص: 398 ] عن ورش في كيفية تسهيلها ، فروى عنه بعضهم إبدالها ألفا خالصة ، وإذا أبدلها مد لالتقاء الساكنين مدا مشبعا على ما تقرر من باب المد ، وهو أحد الوجهين في " التبصرة " ، و " الشاطبية " ، و " الإعلان " ، وعند الداني في غير " التيسير " ، وقال في كتابه " التنبيه " : إنه قرأ بالوجهين . وقال مكي : وقد قيل عن ورش إنه يبدلها ألفا ، وهو أحرى في الرواية ; لأن النقل والمشافهة إنما هو بالمد عنه ، وتمكين المد إنما يكون مع البدل ، وجعلها بين بين أقيس على أصول العربية ، قال : وحسن جواز البدل في الهمزة وبعدها ساكن أن الأول حرف مد ولين . فالمد الذي يحدث مع السكون يقوم مقام حركة يتوصل بها إلى النطق بالساكن . انتهى . وقال بعضهم : إنه غلط عليه . قال أبو عبد الله الفارسي : ليس غلطا عليه ، بل هي رواية صحيحة عنه ، فإن أبا عبيد القاسم بن سلام - رحمه الله - روى أن أبا جعفر ، ونافعا ، وغيرهما من أهل المدينة يسقطون الهمزة غير أنهم يدعون الألف خلفا منها ، فهذا يشهد بالبدل . وهو مسموع من العرب ، حكاه قطرب وغيره .

( قلت ) : والبدل في قياس البدل في ( أأنذرتهم ) وبابه ، إلا أن بين بين في هذا أكثر وأشهر ، وعليه الجمهور ، والله أعلم .

وقرأ الكسائي بحذف الهمزة في ذلك كله ، وقرأ الباقون بالهمز واختص الأصبهاني ، عن ورش بتسهيل الهمزة الثانية إذا وقعت بعد همزة الاستفهام في ( أفأصفاكم ربكم ) وفي ( أفأمن ) وهو ( أفأمن أهل القرى ، أفأمنوا مكر الله ، أفأمنوا أن تأتيهم ، أفأمن الذين مكروا ، أفأمنتم أن يخسف بكم ) ولا سادس لها ، ولذا سهلها في ( أفأنت ، أفأنتم ) وكذلك سهل الثانية من ( لأملأن ) ووقعت في الأعراف ، وهود ، والسجدة ، وص ، وكذلك الهمزتين من " كأن " كيف أتت ، مشددة أم مخففة نحو ( كأنهم ، كأنك ، و كأنما ، و كأنه ، و كأنهن ، و ويكأنه ، وكأن لم يكن ، و كأن لم تغن ، و كأن لم يلبثوا ) وكذلك في الهمزة في ( تأذن ) في الأعراف خاصة ، وكذلك الهمزة من : ( واطمأنوا بها ) في يونس و ( اطمأن به ) في الحج ، وكذلك الهمزة من ( رأى ) في ستة مواضع ( رأيت أحد عشر كوكبا ، و رأيتهم لي ساجدين ) في يوسف [ ص: 399 ] و ( رآه مستقرا عنده ، و رأته حسبته لجة ) في النمل ، و ( رآها تهتز ) في القصص خاصة ، و ( رأيتهم تعجبك ) في المنافقين ، واختلف عنه في ( تأذن ) في إبراهيم . فروى صاحب " المستنير " وصاحب " التجريد " ، وغيرهما تحقيق الهمزة فيه ، وروى الهذلي ، والحافظ ، وأبو العلاء ، وغيرهما تسهيلها ، واختلف عن أبي العز في " الكفاية " ، ففي بعض النسخ عنه التحقيق ، وفي بعضها التسهيل ، ونص على الوجهين جميعا أبو محمد في " المبهج " ، وانفرد النهرواني فيما حكاه ابن سوار وأبو العز ، والحافظ أبو العلاء ، والجماعة عنه بالتحقيق في ( اطمأن به ) في الحج ، وانفرد فيما حكاه أبو العز ، وابن سوار بالتحقيق في ( رأته حسبته ) في النمل و ( رآها تهتز ) في القصص و ( رأيتهم تعجبك ) في المنافقين ، وانفرد السبط في " المبهج " بالوجهين في هذه الثلاثة ، وفي ( رأيتهم لي ) في يوسف ( و رآه مستقرا ) وانفرد الهذلي عنه بإطلاق تسهيل ( راته ، وراها ) وما يشبهه ، فلم يخص شيئا ، ومقتضى ذلك تسهيل ( رأيت ، و رآه ) وما جاء من ذلك . وهو خلاف ما رواه سائر الناس من الطرق المذكورة . نعم ، أطلق ذلك كذلك نصا الحافظ أبو عمرو الداني في جامعه ، ولكنه من طريق إبراهيم بن عبد العزيز الفارسي عنه ، وليس من طرقنا ، وانفرد الهذلي عن أبي جعفر من روايتيه بتسهيل ( تاخر ) ، وهو في البقرة والفتح ( أو يتاخر ) في المدثر ، فخالف سائر الناس في ذلك ، وانفرد الحنبلي ، عن هبة الله في رواية ابن وردان بتسهيل ( تاذن ) في الموضعين ، واختلف عن البزي في تسهيل الهمزة من ( لاعنتكم ) في البقرة ، فروى الجمهور عن أبي ربيعة ، عنه التسهيل ، وبه قرأ الداني من طريقيه . وروى صاحب " التجريد " عنه التحقيق من قراءته على الفارسي ، وبه قرأ الداني من طريق ابن الحباب عنه ، ولم يذكر ابن مهران عن أبي ربيعة سواه ، والوجهان صحيحان عن البزي ، واختص أبو جعفر بحذف الهمزة في ( متكأ ) في يوسف ، فيصير مثل : متقى .

( السابع ) أن تكون مكسورة بعد فتح . فانفرد الحنبلي عن هبة الله بتسهيل الهمزة في ( تطمين ، و بيس ) حيث وقع ، ولم يروه غيره . وأما المتحرك [ ص: 400 ] الساكن ما قبله فلا يخلو الساكن من أن يكون ألفا ، أو ياء ، أو زايا . فإن كان ألفا فقد اختلفوا في ( اسرايل و كاين ) في قراءة المد ( وهانتم و اللاي ) وانفرد الحنبلي ، عن هبة الله ، عن أصحابه ، عن ابن وردان بتسهيل الهمزة بعد الألف من ( كهية الطاير ، فيكون طايرا ) من موضعي آل عمران والمائدة خاصة ، وسائر الرواة عن أبي جعفر على التحقيق فيها وفي جميع القرآن ، والله أعلم .

وأما ( اسرايل و كاين ) حيث وقعا فسهل الهمزة فيهما أبو جعفر ، وحققها الباقون ، وسيأتي الخلاف في ( كاين ) في موضعه من آل عمران ، وانفرد الهذلي عن ابن جماز بتحقيق الهمزة في ( كأين ) فخالف سائر الناس عنه ، والله أعلم .

وانفرد أبو علي العطار عن النهرواني ، عن الأصبهاني بتسهيل الهمزة في موضع العنكبوت مع إدخال الألف قبلها كأبي جعفر سواء ، وقد خالف في ذلك سائر الرواة عن النهرواني وعن الأصبهاني ، والله أعلم .

وأما ( هانتم ) في موضعي آل عمران ، وفي النساء ، والقتال ، فاختلفوا في تحقيق الهمزة فيها وفي تسهيلها وفي حذف الألف منها ، فقرأ نافع ، وأبو عمرو وأبو جعفر بتسهيل الهمزة بين بين ، واختلف عن ورش من طريقيه ، فورد عن الأزرق ثلاثة أوجه .

( الأول ) حذف الألف ، فيأتي بهمزة مسهلة بعد الهاء مثل ( هعنتم ) ، وهو الذي لم يذكر في " التيسير " غيره ، وهو أحد الوجهين في الشاطبية والإعلان .

( الثاني ) إبدال الهمزة ألفا محضة ، فتجتمع مع النون وهي ساكنة ، فيمد لالتقاء الساكنين . وهذا الوجه هو الذي في " الهادي " ، و " الهداية " ، وهو الوجه الثاني في " الشاطبية " و " الإعلان " .

( الثالث ) إثبات الألف كقراءة أبي عمرو وأبي جعفر ، وقالون ، إلا أنه مشبعا على أصله ، وهو الذي في " التبصرة " ، و " الكافي " ، و " العنوان " ، و " التجريد " ، و " التلخيص " ، و " التذكرة " ، وعليه جمهور المصريين والمغاربة ، وورد عن الأصبهاني وجهان .

( أحدهما ) حذف الألف كالوجه الأول عن الأزرق ، وهو طريق المطوعي عنه ، وطريق الحمامي من جمهور طرقه ، عن هبة الله ، عنه .

( والثاني ) إثباتها كقالون ، ومن معه ، وهو الذي رواه النهرواني من طرقه ، عن [ ص: 401 ] هبة الله ، وكذلك روى صاحب " التجريد " ، عن الفارسي ، عن الحمامي ، عنه ، وكذلك ابن مهران وغيره ، عن هبة الله أيضا ، والوجهان صحيحان ، والله أعلم .

وقرأ الباقون بتحقيق الهمزة بعد الألف وهم : ابن كثير ، وابن عامر ، والكوفيون ، ويعقوب ، وانفرد أبو الحسن بن غلبون ومن تبعه بتسهيل الهمزة ، عن رويس ، فخالف سائر الناس ، وهو وهم ، والله أعلم .

واختلف عن قنبل ، فروى عنه ابن مجاهد حذف الألف ، فتصير مثل ( سالتم ) ، وهو كالوجه الأول عن ورش ، إلا أنه بالتحقيق ، وكذا روى نظيف ، وابن بويان وابن عبد الرزاق ، وابن الصباح ، كلهم عن قنبل ، ووافق قنبلا على ذلك عن القواس أحمد بن يزيد الحلواني ، وهو الذي لم يذكره في " " التذكرة " " ، و " العنوان " ، و " الهداية " ، و " الهادي " ، و " الكافي " ، و " التلخيص " ، و " التبصرة " ، و " الإرشاد " ، عن قنبل سواه . وروى عنه ابن شنبوذ إثباتها كرواية البزي ، وكذا روى الزينبي ، وابن بقرة وأبو ربيعة ، وإسحاق الخزاعي وصهر الأمير ، واليقطيني والبلخي ، وغيرهم ، عن قنبل ، رواه بكار عن ابن مجاهد ، ولم يذكر ابن مهران غيره ، وذكر عن أبي بكر الزينبي أنه رد الحذف ، وقال : إنه قرأ على قنبل بمد تام ، وكذا قرأ على غيره من أصحاب القواس ، وأصحاب البزي وابن فليح . وهم ابن مجاهد في رواية الحذف ، وقال : أجمعوا على أن هذا لا يجوز ولا يصح في كلام العرب . قال : ولو جاز في ( ها أنتم ، هانتم ) مثل ( هعنتم ) لجاز في ( هاذا ) هذا ، فيصير حرفا بمعنى آخر .

( قلت ) : وفيما قاله من ذلك نظر ، وحذف الألف في ( هانتم ) فقد صح من رواية ورش كما ذكرنا ، ومن رواية من ذكرنا ، عن قنبل ، وعن شيخه القواس ، وصح أيضا عن أبي عمرو من رواية أبي حمدون ، وإبراهيم وعبد الله ابني اليزيدي ، ثلاثتهم عن اليزيدي ، ومن رواية أبي عبيد ، عن شجاع ، كلاهما عن أبي عمرو ، وزاد العباس بن محمد بن يحيى اليزيدي ، عن عمه إبراهيم قال : على معنى ( أانتم ) فصيرت الهمزة هاء ، وزاد أبو حمدون عن اليزيدي قال : قال أبو عمرو : إنما هي ( آنتم ) ممدودة ، فجعلوا مكان الهمزة هاء ، والعرب تفعل هذا ، وأما قوله : إن هذا لا يصح في كلام العرب . فقد رواه [ ص: 402 ] عن العرب أبو عمرو بن العلاء وأبو الحسن الأخفش وقالا : الأصل ( أأنتم ) فأبدل من همزة الاستفهام " ها " ؛ لأنها من مخرجها ، واستحسن ذلك أبو جعفر النحاس ، وهم حجة كلام العرب ، وأما قوله : لو جاز في ( هانتم ) مثل ( هعنتم ) لجاز في ( هاذا ) هذا - فكلاهما جائز مسموع من العرب ، قال الشاعر :


وأتى صواحبها فقلن هذا الذي منح المودة غيرنا وجفانا

أنشده الحافظ أبو عمرو الداني ، وقال : يريد إذا الذي ، فأبدل الهمزة هاء .

( قلت ) : وما قاله محتمل ولا يتعين ، بل يجوز أن الأصل ( ها ) في ( هاذا ) للتنبيه ، فحذفت ألفها كما حذفت ألف ( ها ) التنبيه نحو ( أيه الثقلان ) وقفا ، وقال الحافظ أبو عمرو الداني : هذه الكلمة من أشكل حروف الاختلاف وأغمضها وأدقها ، وتحقيق المد والقصر اللذين ذكرهما الرواة عن الأئمة فيها حال تحقيق همزتها وتسهيلها لا يتحصل إلا بمعرفة الهاء التي في أولها ؛ أهي للتنبيه أم مبدلة من همزة ؟ فبحسب ما يستقر عليه من ذلك في مذهب كل واحد من أئمة القراء يقضى للمد والقصر بعدها ، ثم بين أن الهاء على مذهب أبي عمرو ، وقالون ، وهشام يحتمل أن تكون للتنبيه ، وأن تكون مبدلة من همزة ، وعلى مذهب قنبل وورش لا تكون إلا مبدلة لا غير ، قال : وعلى مذهب الكوفيين والبزي وابن ذكوان لا تكون إلا للتنبيه فمن جعلها للتنبيه ، وميز بين المنفصل والمتصل في حروف المد لم يزد في تمكين الألف سواء حقق الهمزة أو سهلها . ومن جعلها مبدلة ، وكان ممن يفصل بالألف زاد في التمكين سواء أيضا حقق الهمزة أو لينها . انتهى . وقد تبعه فيما ذكره أبو القاسم الشاطبي - رحمه الله - وزاد عليه احتمال وجهي الإبدال والتنبيه ، عن كل من القراء ، وزاد أيضا قوله : ( وذو ) البدل الوجهان عنه مسهلا ، وقد اختلف شراح كلامه في معناه ولا شك - والله أعلم - أنه إذا أراد بذي البدل من جعل الهاء مبدلة من همزة ، والألف للفصل ; لأن الألف على هذا الوجه قد تكون من قبيل المتصل كما تقدم في أواخر باب المد والقصر ، فعلى هذا القول حقق [ ص: 403 ] همزة ( أنتم ) فلا خلاف عنه في المد ; لأنه يصير كالسماء والماء ، ومن سهل له المد والقصر من حيث كونه حرف مد قبل همز مغير ، فيصير للكلام فائدة ، ويكون قد تبع في ذلك ابن شريح ومن قال بقوله . وقيل : أراد بذي البدل " ورشا " ; لأن الهمزة في ( ها أنتم ) لا يبدلها ألفا إلا ورش في أحد وجهيه ، يعني أن عنه المد والقصر في حال كونه مخففا بالبدل والتسهيل ، إذا أبدل مد وإذا سهل قصر ، وليس تحت هذا التأويل فائدة ، وتعسفه ظاهر ، والله أعلم .

وبالجملة فأكثر ما ذكر في وجهي كونها مبدلة من همزة أو هاء تنبيه تمحل وتعسف لا طائل تحته ، ولا فائدة فيه ، ولا حاجة لتقدير كونها مبدلة ، أو غير مبدلة ، ولولا ما صح عندنا عن أبي عمرو أنه نص على إبدال الهاء من الهمزة لم نصر إليه ، ولم نجعله محتملا عن أحد من أئمة القراء ; لأن البدل مسموع في كلمات ، فلا ينقاس ، ولم يسمع ذلك في همزة الاستفهام ، ولم يجئ في نحو : أتضرب زيدا " هتضرب زيدا " ، وما أنشدوه على ذلك من البيت المتقدم فيمكن أن يكون هاء تنبيه وقصرت كما تقدم ، ثم يكون الفصل بين الهاء المبدلة من همزة الاستفهام وهمزة ( أنتم ) لا يناسب ; لأنه إنما فصل التوجيه لاستقبال اجتماع الهمزتين ، وقد زال هنا بإبدال الأولى هاء ، ألا ترى أنهم حذفوا الهمزة في نحو ( اريقه ) وأصله ( أأريقه ) لاجتماع الهمزتين ، فلما أبدلوها هاء لم يحذفوها ، بل قالوا : أهريقه ، فلم يبق إلا أن يقال : أجري البدل في الفصل مجرى المبدل ، وفيه ما فيه ، ونحن لا نمنع احتماله ، وإنما نمنع قولهم : إن الهاء لا تكون في مذهب ورش وقنبل إلا مبدلة من همزة لا غير ; لأنه قد صح عنهما إثبات الألف بينهما ، وليس من مذهبهما الفصل في الهمزتين المجتمعتين ، فكيف هنا ؟ وكذلك نمنع احتمال الوجهين عن كل من القراء ؛ فإنه مصادم للأصول ومخالف للأداء ، والذي يحتمل أن يقال في ذلك : إن قصد ذكره أن الهاء لا يجوز أن تكون في مذهب ابن عامر ، والكوفيين ويعقوب والبزي إلا للتنبيه ، ونمنع كونها مبدلة في مذهب هشام ألبتة ; لأنه قد [ ص: 404 ] صح عنه ( أأنذرتهم ) وبابه الفصل وعدمه ، فلو كانت في ( ها أنتم ) كذلك لم يكن بينهما فرق ، فهي عند هؤلاء من باب المنفصل بلا شك ، فلا يجوز زيادة المد فيها عن البزي ولا عند من روى القصر ، عن يعقوب ، وحفص وهشام ، ويحتمل أن يكون في مذهب الباقين على الوجهين ، وقد يقوى البدل في مذهب ورش ، وقنبل وأبي عمرو ؛ لثبوت الحذف عندهم ويضعف في مذهب قالون وأبي جعفر لعدم ذلك عنهم ، فمن كانت عنده للتنبيه وأثبت الألف وقصر المنفصل لم يزد على ما في الألف من المد . وإن مده جاز له المد على الأصل بقدر مرتبته ، والقصر اعتدادا بالعارض من أجل تغيير الهمزة بالتسهيل ، ومن كانت عنده مبدلة وأثبت الألف لم يزد على ما فيها من المد سواء قصر المفصل ، أو مده على المختار عندنا لعروض حرف المد كما قدمنا ، وقد يزاد على ما فيها من المد وتنزل في ذلك منزلة المتصل من مذهب من ألحقه به كما تقدم ، والله أعلم .

وأما ( اللائي ) فهو في الأحزاب ، والمجادلة ، وموضعي الطلاق . فقرأ ابن عامر والكوفيون بإثبات ياء ساكنة بعد الهمزة ، وقرأ الباقون بحذفها وهم : نافع ، وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ، ويعقوب ، واختلف عن هؤلاء في تحقيق الهمزة وتسهيلها وإبدالها ، فقرأ يعقوب وقالون وقنبل بتحقيق الهمزة ، وقرأ أبو جعفر وورش بتسهيلها بين بين ، واختلف عن أبي عمرو والبزي فقطع لها العراقيون قاطبة بالتسهيل كذلك ، وهو الذي في " الإرشاد " ، و " الكفاية " ، و " المستنير " ، و " الغايتين " ، والمبهج " ، و " التجريد " ، و " الروضة " ، وقطع لهما المغاربة قاطبة بإبدال الهمزة ياء ساكنة ، وهو الذي في " التيسير " ، و " الهادي " ، و " التبصرة " ، و " التذكرة " ، و " الهداية " ، و " الكافي " ، و " تلخيص العبارات " ، و " العنوان " ، فيجتمع ساكنان فيمد لالتقاء الساكنين . قال أبو عمرو بن العلاء : هي لغة قريش ، والوجهان في " الشاطبية " ، و " الإعلان " ، والوجهان صحيحان ، ذكرهما الداني في " جامع البيان " ، فالأول وهو التسهيل قرأ به على أبي الفتح فارس بن أحمد في قراءة أبي عمرو ، ورواية البزي ، والإبدال قرأ به على [ ص: 405 ] أبي الحسن بن غلبون ، وعبد العزيز الفارسي ، وانفرد أبو علي العطار ، عن النهرواني ، عن هبة الله الأصبهاني ، عن ورش في الأحزاب مثل قالون ، وفي المجادلة كابن عامر ، وفي الطلاق كالأزرق ، فخالف في ذلك سائر الرواة ، والله أعلم .

وإذا كان الساكن قبل الهمزة ياء فقد اختلفوا في ذلك في النسيء وفي ( بريء ) وجمعه ( وهنيئا و مريئا و كهيئة و ييأس ) وما جاء من لفظه فأما ( النسيء ) ، وهو في التوبة ، فقرأ أبو جعفر ، وورش من طريق الأزرق بإبدال الهمزة منها ياء وإدغام الياء التي قبلها فيها ، وقرأ الباقون بالهمز ، وانفرد الهذلي عن الأصبهاني بذلك فخالف سائر الرواة ، والله أعلم .

وأما ( بريء و بريئون ) حيث وقع ( و هنيئا و مريئا ) ، وهو في النساء فاختلف فيها ، عن أبي جعفر ، فروى هبة الله من طرقه والهذلي عن أصحابه عن ابن شبيب كلاهما عن ابن وردان بالإدغام كذلك ، وكذلك روى الهاشمي من طريق الجوهري والمغازلي والدوري ، كلاهما عن ابن جماز ، وروى باقي أصحاب أبي جعفر من الروايتين ذلك بالهمز ، وبذلك قرأ الباقون ، وأما ( كهيئة ) وهو في آل عمران والمائدة ، فرواه ابن هارون من طرقه ، والهذلي ، عن أصحابه في رواية ابن وردان كذلك بالإدغام ، وهي رواية الدوري وغيره ، عن ابن جماز ، ورواه الباقون عن أبي جعفر بالهمز ، وبه قطع ابن سوار وغيره عن أبي جعفر في الروايتين ، وانفرد الحنبلي عن هبة الله عن ابن وردان بمد الياء مدا متوسطا ، ولم يروه عنه غيره ، والله أعلم .

وأما ( ييأس ) وهو في يوسف ( فلما استيأسوا منه ، ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس ، حتى إذا استيأس الرسل ) وفي الرعد ( أفلم ييأس الذين ) اختلف فيها عن البزي ، فروى عنه أبو ربيعة من عامة طرقه بقلب الهمزة إلى موضع الياء وتأخير الياء إلى موضع الهمزة ، فتصير ( تايسوا ) ثم تبدل الهمزة ألفا من رواية اللهبي ، وابن بقرة ، وغيره ، عن البزي ، وبه قرأ الداني على عبد العزيز بن خواستي الفارسي ، عن النقاش ، عن أبي ربيعة . وروى عنه ابن الحباب بالهمز كالجماعة ، وهي رواية سائر الرواة عن البزي ، وبه قرأ الداني [ ص: 406 ] على أبي الحسن وأبي الفتح ، وهو الذي لم يذكر المهدوي وسائر المغاربة عن البزي سواه ، وانفرد الحنبلي عن هبة الله ، عن أصحابه ، عن ابن وردان بالقلب والإبدال في الخمسة كرواية أبي ربيعة ، وإن كان الساكن قبل الهمز زايا فهو حرف واحد ، وهو : جزء في البقرة ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) وفي الحجر ( جزء مقسوم ) وفي الزخرف ( من عباده جزءا ) ولا رابع لها ، فقرأ أبو جعفر بحذف الهمزة وتشديد الزاي على أنه حذف الهمزة بنقل حركتها إلى الزاي تخفيفا ، ثم ضعف الزاي كالوقف على ( فرج ) عند من أجرى الوصل مجرى الوقف ، وهي قراءة الإمام أبي بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، وإن كان غير ذلك من السواكن قبل الهمز ، فإن له بابا يختص بتحقيقه يأتي بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى ، وبقيت من هذا الباب كلمات : اختلفوا في الهمز فيها وعدمه على غير قصد التخفيف ، وهي ( النبي ) وبابه و ( يضاهون ، ومرجون ، و ترجي ، وضيا ، و بادي ، و البرية ) فأما ( النبي ) وما جاء منه ( النبيون ، و النبيين ، و الأنبياء ، و النبوة ) حيث وقع ، فقرأ نافع بالهمز ، والباقون بغير همز ، وتقدم حكم التقاء الهمزتين من ذلك في الباب المتقدم .

وأما ( يضاهون ) وهو في التوبة ( يضاهون قول الذين كفروا ) فقرأ عاصم بالهمز فينضم من أجل وقوع الواو بعدها ، وتنكسر الهاء قبلها ، وقرأ الباقون بغير همز ، فيضم الهاء قبل من أجل الواو ، وأما ( مرجون ) وهي في التوبة أيضا ( مرجون لأمر الله ) و ( ترجي ) وهو في الأحزاب ( ترجي من تشاء منهن ) فقرأهما بهمزة مضمومة ابن كثير وأبو عمرو ، وابن عامر ، ويعقوب وأبو بكر ، وقرأهما الباقون بغير همز ، وأما ( ضياء ) وهو في يونس والأنبياء والقصص ، فرواه قنبل بهمزة مفتوحة بعد الضاد في الثلاثة ، وزعم ابن مجاهد أنه غلط مع اعترافه أنه قرأ كذلك على قنبل ، وخالف الناس ابن مجاهد في ذلك ، فرواه عنه بالهمز ولم يختلف عنه في ذلك ، ووافق قنبلا أحمد بن يزيد الحلواني ، فرواه كذلك عن القواس شيخ قنبل ، وهو على القلب ، قدمت فيه اللام على العين كما قيل في ( عات ) عتا ، وقرأ [ ص: 407 ] الباقون بغير همز ، وأما ( بادي ) وهو في هود ( بادي الرأي ) فقرأ أبو عمرو بهمزة بعد الدال ، وقرأ الباقون بغير همز ، وأما ( البرية ) وهو في " لم يكن " ( شر البرية ) ، و ( خير البرية ) فقرأهما نافع وابن ذكوان بهمزة مفتوحة بعد الياء ، وقرأ الباقون بغير همز مشددة الياء في الحرفين .

التالي السابق


الخدمات العلمية