صفحة جزء
تنبيهات

( الأول ) لام التعريف وإن اشتد اتصالها بما دخلت عليه وكتبت معه كالكلمة الواحدة ، فإنها مع ذلك في حكم المنفصل الذي ينقل إليه ، فلم يوجب اتصالها خطا أن تصير بمنزلة ما هو من نفس البنية ; لأنها إذا أسقطتها لم يختل معنى الكلمة ، وإنما يزول بزوالها المعنى الذي دخلت بسببه خاصة وهو التعريف ، ونظير هذا النقل إلى هذه اللام إبقاء لحكم الانفصال عليها - وإن اتصلت [ ص: 415 ]

خطا - سكت حمزة وغيره عليها إذا وقع بعدها همز ، كما يسكتون على السواكن المنفصلة حسبما يجيء في الباب الآتي ( فإذا علمت ذلك ) فاعلم أن لام التعريف هي عند سيبويه حرف واحد من حروف التهجي ، وهو اللام وحدها ، وبها يحصل التعريف ، وإنما الألف قبلها ألف وصل ؛ ولهذا تسقط في الدرج ، فهي إذا بمنزلة باء الجر وكاف التشبيه مما هو على حرف واحد ؛ ولهذا كتبت موصولة في الخط بما بعدها ، وذهب آخرون إلى أن أداة التعريف هي : الألف واللام ، وأن الهمزة تحذف في الدرج تخفيفا لكثرة الاستعمال ، وظاهر كلام سيبويه أن هذا مذهب الخليل ، واستدلوا على ذلك بأشياء : منها ثبوتها مع تحريك اللام حالة النقل نحو ( الحمر ، الرض ) وأنها تبدل أو تسهل بين بين مع همزة الاستفهام نحو ( آلذكرين ) ، وأنها تقطع في الاسم العظيم في النداء نحو ( يا ألله ) وليس هذا محل ذكر ذلك بأدلته ، والقصد ذكر ما يتعلق بالقراءات من ذلك .

وهو التنبيه ( الثاني ) فنقول : إذا نقلت حركة الهمزة إلى لام التعريف في نحو ( الأرض ، الآخرة ، الآن ، الإيمان ، الأولى ، الأبرار ) وقصد الابتداء على مذهب الناقل ، فإما أن يجعل حرف التعريف " أل " ، أو اللام فقط ؛ فإن جعلت " أل " ابتدأ بهمزة الوصل وبعدها اللام المحركة بحركة همزة القطع ، فتقول : ( الرض ، الاخرة ، الايمان ، البرار ) ليس إلا ، وإن جعلت اللام فقط فإما أن يعتد بالعارض - وهو حركة اللام بعد النقل - أو لا يعتد بذلك ويعتبر الأصل . فإذا اعتددنا بالعارض حذفنا همزة الوصل ، وقلنا : ( لرض ، لاخرة ، ليمان ، لان ، لبرار ) ليس إلا ، وإن لم نعتد بالعارض واعتبرنا الأصل جعلنا همزة الوصل على حالها وقلنا ( الرض ، الاخرة ) كما قلنا على تقدير أن حرف التعريف " أل " ، وهذان الوجهان جائزان في كل ما ينقل إليه من لامات التعريف لكل من ينقل ; ولذلك جاز لنافع وأبي عمرو وأبي جعفر ويعقوب في ( الأولى ) من ( عادا الأولى ) كما تقدم وجاز في ( الان ) لابن وردان في وجه النقل ، وممن نص على هذين الوجهين حالة الابتداء مطلقا الحافظان أبو عمرو الداني وأبو العلاء الهمداني

[ ص: 416 ] وأبو علي الحسن بن بليمة وأبو العز القلانسي وأبو جعفر بن الباذش وأبو القاسم الشاطبي وغيرهم ، وبهما قرأنا لورش وغيره على وجه التخيير ، وبهما نأخذ له وللهاشمي ، عن ابن جماز ، عن أبي جعفر ، من طريق الهذلي ، وأما الابتداء من قوله تعالى : بئس الاسم فقال الجعبري : وإذا ابتدأت ( الاسم ) فالتي بعد اللام على حذفها للكل ، والتي قبلها فقياسها جواز الإثبات والحذف ، وهو الأوجه ؛ لرجحان العارض الدائم على العارض المفارق ، ولكني سألت بعض شيوخي فقال : الابتداء بالهمز وعليه الرسم . انتهى .

( قلت ) : الوجهان جائزان مبنيان على ما تقدم في الكلام على التعريف ، والأولى الهمز في الوصل والنقل ، ولا اعتبار بعارض دائم ولا مفارق ، بل الرواية وهي بالأصل الأصل ، وكذلك رسمت . نعم ، الحذف جائز ولو قيل : إن حذفها من ( الأولى ) في النجم أولى للحذف لساغ ، ولكن في الرواية تفصيل كما تقدم ، والله أعلم .

( الثالث ) أنه إذا كان قبل لام التعريف المنقول إليها حرف من حروف المد ، أو ساكن غيرهن لم يجز إثبات حرف المد ، ولا رد سكون الساكن مع تحريك اللام ; لأن التحريك في ذلك عارض ، فلم يعتد به ، وقدر السكون ؛ إذ هو الأصل ، ولذلك حذف حرف المد ، وحرك الساكن حالة الوصل ، وذلك نحو ( وألقى الألواح ) ، و ( سيرتها الأولى ) ، و ( إذا الارض ) ، و ( أولي الأمر ) ، و ( في الانعام ) ، و ( يحيي الارض ) ، و ( قالوا الان ) ، و ( أنكحوا الايامى ) ، و ( أن تؤدوا الامانات ) ونحو ( فمن يستمع الان ) ، و ( بل الانسان ) ، ( وألم نهلك الاولين ) ، و ( عن الاخرة ) ، و ( من الارض ) ، و ( من الاولى ) ، و ( أشرقت الارض ) ، و ( فلينظر الانسان ) وكذلك لو كان صلة ، أو ميم جمع نحو ( وبداره الارض ) ، و ( لا تدركه الابصار ) ، و ( هذه الانهار ) ، و ( هذه الانعام ) ، ( ويلههم الامل ) ، ( وأنتم الاعلون ) وهذا مما لا خلاف فيه بين أئمة القراء ، نص على ذلك غير واحد ، كالحافظ أبي عمرو الداني وأبي محمد سبط الخياط وأبي الحسن السخاوي ، وغيرهم ، وإن كان جائزا في اللغة وعند أئمة العربية [ ص: 417 ] الوجهان : الاعتداد بحركة النقل وعدم الاعتداد بها ، وأجروا على كل وجه ما يقتضي من الأحكام ، ولم يخصوا بذلك وصلا ولا ابتداء ، ولا دخول همزة ولا عدم دخولها ، بل قالوا : إن اعتددنا بالعارض فلا حاجة إلى حذف حرف من ( في الارض ) ولا إلى تحريك النون ( من لان ) وأنشد في ذلك ثعلب ، عن سلمة ، عن الفراء :


لقد كنت تخفي حب سمراء خيفة فبح لان منها بالذي أنت بائح

وعلى ذلك قرأنا لابن محيصن ( يسألونك عن لهلة ) ، و ( عن لانفال ) ، و ( من لاثمين ) وشبهه بالإسكان في النون وإدغامها ، وهو وجه قراءة نافع ومن معه ( عادا لولى ) في النجم كما تقدم .

ولما رأى أبو شامة إطلاق النحاة ووقف على تقييد القراء استشكل ذلك ، فتوسط وقال ما نصه : جميع ما نقل فيه ورش الحركة إلى لام المعرفة في جميع القرآن غير ( عادا لولى ) هو على قسمين : أحدهما ظهرت فيه أمارة عدم الاعتداد بالعارض كقوله تعالى : ( إنا جعلنا ما على الارض زينة ) ( وما الحياة الدنيا في الآخرة ) ( ويدع الانسان ) ( قالوا الان ) ، ( أزفت الازفة ) ونحو ذلك . ألا ترى أنه بعد نقل الحركة في هذه المواضع لم يرد حروف المد التي حذفت لأجل سكون اللام ، ولم تسكن تاء التأنيث التي كسرت لسكون ( لازفة ) فعلمنا أنه ما اعتد بالحركة في مثل هذه المواضع ، فينبغي إذا ابتدأ القارئ له فيها أن يأتي بهمزة الوصل ; لأن اللام ، وإن تحركت فكأنها بعد ساكنة .

( القسم الثاني ) ما لم يظهر فيه أمارة نحو ( وقال الانسان ما لها ) فإذا ابتدأ القارئ لورش هنا اتجه الوجهان المذكوران . انتهى .

وهو حسن لو ساعده النقل ، وقد تعقبه الجعبري فقال : وهذا فيه عدول عن النقل إلى النظر ، وفيه حظر .

( قلت ) : صحة الرواية بالوجهين حالة الابتداء من غير تفصيل بنص من يحتج بنقله ، فلا وجه للتوقف فيه ، فإن قيل : لم اعتد بالعارض في الابتداء دون الوصل وفرق بينهما رواية مع الجواز فيهما لغة ؟

فالجواب : أن حذف حرف المد للساكن والحركة لأجله في الوصل سابق للنقل ، والنقل طارئ عليه ، [ ص: 418 ] فأبقي على حاله لطرآن النقل عليه ، ولم يعتد فيه بالحركة ، وأما حالة الابتداء ، فإن النقل سابق للابتداء ، والابتداء طارئ عليه ، فحسن الاعتداد فيه ، ألا تراه لما قصد الابتداء بالكلمة التي نقلت حركة الهمزة فيها إلى اللام لم تكن اللام إلا محركة ، ونظير ذلك حذفهم حرف المد من نحو ( وقالا الحمد لله ولا تسبوا الذين و أفي الله شك ) وإثباتهم له في ( ولا تولوا ، و كنتم تمنون ) لطرآن الإدغام عليه كما قدمنا ، وذلك واضح ، والله أعلم .

( الرابع ) ميم الجمع ، أما لورش فواضح ; لأن مذهبه عند الهمزة صلتها بواو ، فلم تقع الهمزة بعدها في مذهبه إلا بعد حرف مد من أجل الصلة ، وأما من طريق الهاشمي عن ابن جماز ، فإن الهذلي نص على أن مذهبه عدم الصلة مطلقا ، ومقتضى هذا الإطلاق عدم صلتها عند الهمزة ، ونص أيضا على النقل مطلقا ، ومقتضى ذلك النقل إلى ميم الجمع . وهذا من المشكل تحقيقه ، فإني لا أعلم له نصا في ميم الجمع بخصوصيتها بشيء ، فأرجع إليه ، والذي أعول عليه في ذلك عدم النقل فيها بخصوصيتها والأخذ فيها بالصلة ، وحجتي في ذلك أني لما لم أجد له فيها نصا رجعت إلى أصوله ومذاهب أصحابه ، ومن اشترك معه على الأخذ بتلك القراءة ، ووافقه على النقل في الرواية ، وهو الزبير بن محمد بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري أحد الرواة المشهورين ، عن أبي جعفر من رواية ابن وردان ، فوجدته يروي النقل نصا وأداء ، وخص ميم الجمع بالصلة ليس إلا . وكذلك ورش وغيره من رواة النقل عن نافع ، كلهم لم يقرأ في ميم الجمع بغير صلة ، ووجدت نص من يعتمد عليه من الأئمة صريحا في عدم جواز النقل في ميم الجمع . فوجب المصير إلى عدم النقل فيها ، وحسن المصير إلى الصلة دون عدمها جمعا بين النص لمنع النقل فيها وبين القياس في الأخذ بالصلة فيها دون الإسكان ، وذلك أني لما لم أر أحدا نقل عن أبي جعفر ولا عن نافع الذي هو أحد أصحاب أبي جعفر النقل في غير ميم الجمع وخصصها بالإسكان ، كما أني لا أعلم أحدا منهم نص على النقل فيها ، وحمل رواية الراوي على من شاركه في تلك الرواية ، أو وافقه في أصل تلك القراءة أصل معتمد عليه ولا سيما عند [ ص: 419 ] التشكيك والإشكال ، فقد اعتمده غير واحد من أئمتنا - رحمهم الله - لما لم يجدوا نصا يرجعون إليه ، ومن ثم لم يجز مكي وغيره في ( أأعجمي ، و أأن كان ) لابن ذكوان سوى الفصل بين الهمزتين . قال مكي عند ذكرهما في " التبصرة " : لكن ابن ذكوان لم نجد له أصلا يقاس عليه ، فيجب أن يحمل أمره على ما فعله هشام في ( أينكم وأنذرتهم ) ونحوه ( فيكون ) مثل أبي عمرو وقالون ، وحمله على مذهب الراوي معه على رجل بعينه أولى من حمله على غيره . انتهى . وأما مذهب حمزة في الوقف فيأتي في بابه إن شاء الله تعالى . ثم رأيت النص على الهاشمي المذكور لأبي الكرم الشهرزوري وأبي منصور بن خيرون بصلة ميم الجمع للهاشمي عند همزة القطع ، فصح ما قلناه ، واتضح ما حاولناه ، ولله الحمد والمنة ، وقفت على ذلك في كتاب " كفاية المنتهي ونهاية المبتدي " للقاضي الإمام أبي ذر أسعد بن الحسين بن سعد بن علي بن بندار اليزدي صاحب الشهرزوري وابن خيرون المذكورين ، وهو من الأئمة المعتمدين ، وأهل الأداء المحققين .

التالي السابق


الخدمات العلمية