صفحة جزء
[ ص: 469 ] ( خاتمة ) في ذكر مسائل من الهمز ، نذكر فيها ما أصلناه من القواعد المتقدمة مع ما ذكره أئمة الأداء ، مع بيان الصحيح من غيره ؛ ليقاس عليها نظائرها فيعرف بها حكم جميع ما وقع في القرآن .

( فمن القسم الأول ) وهو الساكن من المتطرف اللازم ( مسألة الوقف على : هي ، ويهي ، ومكر السيئ ) بوجه واحد على التخفيف القياسي ، وهو إبدال الهمزة ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها ، وحكي فيها وجه ثان ، وهو الوقف بألف على التخفيف الرسمي كما تقدم ولا يجوز . ووجه ثالث في ( هيئ و يهيئ و نبئ و اقرأ و نشاء ) ونحوه ، وهو التحقيق ؛ لما تقدم من العلة لأبي عمرو ، ولا يصح ، ووجه رابع وهو حذف حرف المد المبدل من الهمزة لأجل الجزم ، ذكره صاحب " الروضة " ، ولا يجوز .

ومن العارض ( مسألة : إن امرؤ ) يجوز فيه أربعة أوجه ، أحدها : تخفيف الهمزة بحركة ما قبلها على تقدير إسكانها فتبدل واوا ساكنة ، وتخفيفها بحركة نفسها على مذهب التميميين ، فتبدل واوا مضمومة ، فإن سكت للوقف اتحد مع الوجه قبله ، ويتحد معها وجه اتباع الرسم ، وإن وقف بالإشارة جاز الروم والإشمام ، فتصير ثلاثة أوجه ، والوجه الرابع تسهيل بين بين على تقدير روم حركة الهمزة ، ويتحد معه اتباع الرسم على مذهب مكي وابن شريح . وكذلك الحكم في ( يخرج منهما اللؤلؤ ) إلا أن حمزة يبدل الهمزة الأولى منه واوا ، وهشاما يحققها ، وكذلك تجري هذه الأربعة في ( تفتؤ ، واتوكؤا ) ، ونحوه مما رسم بالواو نحو ( الملوا ) في المواضع الأربعة و ( نبأ ) في غير براءة كما تقدم ، ويزاد عليها وجه خامس ، وهو إبدالها ألفا ؛ لانفتاح ما قبلها وسكونها وقفا على التخفيف القياسي مذهب الحجازيين والجادة ، وأما ما رسم بألف نحو ( قال الملأ ) في الأعراف ( ونبأ الذين ) في براءة ، و ( يبدأ ) فوجهان أحدهما إبدالها ألفا بحركة ما قبلها .

[ ص: 470 ] ( والثاني ) بين بين على الروم ، ولا يجوز إبدالها بحركة نفسها لمخالفة الرسم وعدم صحته ، والله أعلم .

ومن ذلك ( مسألة : ينشئ ) ، وشبهه مما وقعت الهمزة فيه مضمومة بعد كسر ، قيل : فيها خمسة أوجه ، أحدها إبدال الهمزة ياء ساكنة ؛ لسكونها وقفا بحركة ما قبلها على التخفيف القياسي ، وإبدالها ياء مضمومة على ما نقل من مذهب الأخفش ، فإن وقف بالسكون فهو موافق لما قبله لفظا . وإن وقف بالإشارة جاز الروم والإشمام فتصير ثلاثة أوجه ، والرابع : روم حركة الهمزة فتسهل بين الهمزة والواو على مذهب سيبويه وغيره ، وخامسها : الوجه المعضل ، وهو تسهيلها بين الهمزة والياء على الروم .

ومن ذلك : ( من شاطئ ، ولكل امرئ ) ، ونحوه ما وقعت الهمزة فيه مكسورة بعد كسر ، يجوز فيها ثلاثة أوجه ( أحدها ) إبدال الهمزة ياء ساكنة بحركة ما قبلها ؛ لسكون الوقف على القياس ، وياء مكسورة بحركة نفسها على مذهب التميميين ، فإن وقف بالسكون فهو موافق ما قبله لفظا . وإن وقف بالإشارة وقف بالروم يصير وجهين ( والثالث ) تسهيل بين بين على روم حركة الهمزة ، أو اتباع الرسم على مذهب مكي وابن شريح ، وتجئ هذه الأوجه الثلاثة فيما رسم بالياء مما وقعت الهمزة فيه مكسورة بعد فتح ، وهو ( من نباءي المرسلين ) كما تقدم ، ويزاد عليها التخفيف القياسي ، وهو إبدالها ألفا لسكونها وقفا وانفتاح ما قبلها ، فتصير أربعة أوجه ، وأما ما رسم بغير ياء نحو ( عن النبإ العظيم ) فليس فيه سوى وجهين : إبدالها ألفا على القياس ، والروم بتسهيل بين بين ، ولا يجوز إبدالها ياء على مذهب التميميين لمخالفة الرسم والرواية ، إلا أن أبا القاسم الهذلي أجاز في ( من ملجأ ) الياء ، فقال فيه بياء مكسورة للكسرة .

( قلت ) : وقياس ذلك غيره ولا يصح ، والله أعلم .

ومن ذلك مسألة ( كأمثال اللؤلؤ ) ، ونحوه مما وقعت الهمزة فيه مكسورة [ ص: 471 ] بعد ضم ، قيل : فيها أربعة أوجه : ( أحدها ) إبدال الهمزة واوا ساكنة لسكونها وضم ما قبلها على القياس ( والثاني ) إبدالها واوا مكسورة على ما نقل من مذهب الأخفش . فإن وقف بالسكون فهو كالأول لفظا فيتحد . وإن وقف بالروم فيصير وجهين ( والثالث ) التسهيل ، وهو مسألة ما بين الهمزة والياء على مذهب سيبويه والجماعة ( والرابع ) الوجه المعضل ، وهو بين الهمزة والواو على الروم ، وأما ما وقعت الهمزة الأخيرة فيه مضمومة نحو ( يخرج منهما اللؤلؤ ) فوجهان ( الأول ) إبدالها واوا ( والثاني ) تسهيل الأخيرة بين بين على الروم كما قدمنا في المسألة الثانية . فإن كانت الأخيرة مفتوحة نحو ( حسبتهم لؤلؤا ) فوجه واحد ، وهو إبدالهما واوين ، الأولى ساكنة لوقوعها بعد ضمة ، ومن ذلك ( بدأ ، وما كان أبوك امرأ ) ونحوه مما وقعت الهمزة فيه مفتوحة بعد فتح ، ففيه وجه واحد هو إبدالها ألفا ، وحكي فيه وجه ثان ، وهو بين بين على جواز الروم في المفتوح كما تقدم ، وهو شاذ لا يصح ، والله أعلم .

ومن الساكن المتوسط مسألة ( تؤي ، تؤيه ورءيا ) في مريم . فيهن وجهان صحيحان ( أحدهما ) إبدال الهمزة من جنس ما قبلها ، فتبدل في ( توي ، وتويه ) واوا ، وفي ( رءيا ) ياء من دون إدغام ( والثاني ) الإبدال مع الإدغام ، وقد نص على الوجهين غير واحد من الأئمة ، ورجح الإظهار صاحب " الكافي " ، وصاحب " التبصرة " وقال : إنه الذي عليه العمل ، ولم يذكر في " الهداية " ، " والهادي " ، و " تلخيص العبارات " ، و " التجريد " سواه ، ورجح الإدغام صاحب " التذكرة " والداني في " جامع البيان " فقال : هو أولى ; لأنه قد جاء منصوصا عن حمزة ، ولموافقة الرسم ، ولم يذكر صاحب " العنوان " سواه ، وأطلق صاحب " التيسير " الوجهين على السواء ، وتبعه على ذلك الشاطبي ، وزاد في " التذكرة " في ( رءيا ) ، وجها ثالثا ، وهو التحقيق من أجل تغيير المعنى ، ولا يؤخذ به ؛ لمخالفته النص والأداء ، وحكى الفارسي وجها رابعا ، وهو [ ص: 472 ] الحذف ، أي : حذف الهمزة فيوقف بياء واحدة مخففة على اتباع الرسم ، ولا يصح ، بل ولا يحل واتباع الرسم فهو متحد في الإدغام فاعلم ذلك .

( وأما الرويا ، ورويا ) حيث وقع فأجمعوا على إبدال الهمزة منه واوا لسكونها وضم ما قبلها ، فاختلفوا في جواز قلب هذه الواو ياء وإدغامها في الياء بعدها كقراءة أبي جعفر ، فأجازه أبو القاسم الهذلي ، والحافظ أبو عمرو ، وغيرهما ، وسووا بينه وبين الإظهار ، ولم يفرقوا بينه وبين ( تؤي ، ورءيا ) وحكاه ابن شريح أيضا وضعفه ، وهو إن كان موافقا للرسم ، فإن الإظهار أولى وأقيس ، وعليه أكثر أهل الأداء ، وحكي فيه وجه ثالث ، وهو الحذف على اتباع الرسم عند من ذكره ، فيوقف بياء خفيفة كما تقدم في ( ريا ) ، ولا يجوز ذلك .

ومن ذلك ( مسألة : فاداراتم ) فيه وجه واحد ، وهو إبدال الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها ، وذكر وجه ثان ، وهو حذف الألف اتباعا للرسم ، وليس في إثبات الألف التي قبل الراء نظر ؛ لأنها غير متعلقة بالهمزة ، وذكر الحذف أيضا في ( امتلات واستاجرت ويستاخرون ) من أجل الرسم وليس ذلك بصحيح ولا جائز في واحد منهن ، فإن الألف في ذلك إنما حذفت اختصارا للعلم بها كحذفها في ( الصالحات ، والصالحين ) وغير ذلك مما لو قرئ به لم يجز لفساد المعنى ، ولقد أحسن من قال : إن حذف الألف من ذلك تنبيه على أن اتباع الخط ليس بواجب - يعني على حدته - بل ولا جائز ، ولا بد من الركنين الأخيرين : وهما العربية وصحة الرواية ، وقد فقدا في ذلك فامتنع جوازه .

ومن ذلك ( مسألة : الذي ايتمن ، والهدى ايتنا ، وفرعون ايتوني ) فيه وجه واحد ، وهو إبدال الهمزة فيه بحركة ما قبلها كما تقدم ، وذكر فيه وجه ثان هو التحقيق على ما ذهب إليه ابن سفيان ، ومن تبعه من المغاربة بناء منهم على أن الهمزة في ذلك مبتدأة ، وقد قدمنا ضعفه ، وذكر وجه ثالث ، وهو زيادة المد على حرف المد المبدل ، استنبطه أبو شامة حيث قال : فإذا أبدل هذا الهمز حرف [ ص: 473 ] مد ، وكان قبله من جنسه ، وكان يحذف لأجل سكون الهمزة ، فلما أبدلت اتجه وجهان ، أحدهما : عود الحرف المحذوف لزوال ما اقتضى حذفه ، وهو الهمزة الساكنة ، فإن الجمع بين حرفي مد من جنس واحد ممكن بتطويل المد ، والوجه الثاني : حذفه لوجود الساكن . قال : وهذان الوجهان هما المذكوران في قول الشاطبي :

ويبدله مهما تطرف مثله ويقصر أويمضي على المد أطولا

قال : وينبني على الوجهين جواز الإمالة في قوله تعالى : ( إلى الهدى ايتنا ) لحمزة ولورش أيضا ، فإن أثبتنا الألف الأصلية أملنا ، وإن حذفنا فلا . قال : ويلزم من الإمالة إمالة الألف المبدلة ، فالاختيار المنع .

( قلت ) : وفيما قاله من ذلك نظر ، وإذا كان الوجهان هما المذكوران في قول الشاطبي : ويبدله - البيت - فيلزم أن يجري في هذا ثلاثة أوجه ، وهي المد والتوسط والقصر ، كما أجراهما هناك لالتقاء الساكنين ويلزمه أن يجيز حذف الألف المبدلة كما أجازها ، ثم فيجيء على وجه البدل في ( الذي اوتمن ، ولقانا ايت ) ثلاثة أوجه ، وفي ( الهدى ايتنا ) ستة أوجه مع الفتح وثلاثة مع الإمالة ، ويكون القصر مع الإمالة على تقدير حذف الألف المبدلة ، ويصير فيها مع التحقيق سبعة أوجه ، ولا يصح من كلها سوى وجه واحد ، وهو البدل مع القصر والفتح ; لأن حرف المد أولا حذف لالتقاء الساكنين قبل الوقف بالبدل كما حذف من ( قالوا الآن ، وفي الأرض ، وإذا الأرض ) للساكنين قبل النقل ، فلا يجوز رده لعروض الوقف بالبدل كما لا يجوز لعروض النقل . وأما قوله : إن هذين الوجهين هما الوجهان المذكوران في قول الشاطبي : ويبدله مهما تطرف . . . إلى آخره فليس كذلك ; لأن الوجهين المذكورين في البيت هما المد والقصر في نحو ( يشاء ، والسماء ) حالة الوقف بالبدل كما ذكر فهما من باب : وإن حرف مد قبل همز مغير ، لا من أجل أن أحدهما كان محذوفا في حالة ورجع في حالة أخرى ، وتقدير حذف إحدى الألفين في الوجه الآخر هو على الأصل ، فكيف يقاس عليه ما حذف من حرف المد للساكنين [ ص: 474 ] على الأصل قبل اللفظ بالهمز مع أن رده خلاف الأصل ، وأما الإمالة فقد أشار إليها الداني في " جامع البيان " كما سيأتي في آخر الإمالة ، ومن القسم الثاني وهو المتحرك فمن المتطرف بعد الألف ( مسألة : أضاء ، و شاء ، و يسفك الدماء ، و ترثوا النساء ) ونحو ذلك مما الهمز فيه مفتوح ، ففيه البدل ، ويجوز معه المد والقصر ، وقد يجوز التوسط كما تقدم ، فبقي ثلاثة أوجه ، وحكى فيه أيضا بين بين كما ذكرنا ، فيجيء معه المد والقصر ، وفيه نظر فيصير خمسة ، وتجيء هذه الخمسة بلا نظر فيما كانت الهمزة من ذلك فيه مكسورة أو مضمومة مما لم يرسم للهمز فيه صورة . فإن رسم للهمز فيه صورة جاز في المكسور منه نحو ( وإيتاي ذي القربى ، ومن آناي الليل ) إذا أبدلت همزته ياء على وجه اتباع الرسم . ومذهب غير الحجازيين مع هذه الخمسة أربعة أوجه أخرى . وهي المد ، والتوسط ، والقصر مع سكون الياء ، والقصر مع روم حركتها ، فتصير تسعة أوجه ، ولكن يجيء في ( وايتاي ) ثمانية عشر وجها باعتبار تسهيل الهمزة الأولى المتوسطة بزائد وتحقيقها ، ويجيء في ( ومن آناي ) سبعة وعشرون وجها باعتبار السكت وعدمه والنقل ، وجاز في المضموم منه نحو ( أنهم فيكم شركوا ، وفي أموالنا ما نشوا ) مع تلك التسعة ثلاثة أوجه أخرى وهي المد ، والتوسط ، والقصر ، مع إشمام حركة الواو ، فيصير اثنا عشر وجها ، والله أعلم .

وكذلك الحكم في ( برآء ) من سورة الممتحنة تجري فيها هذه الأوجه الاثنا عشر لحمزة ولهشام في وجه تخفيفه المتطرف ، إلا أن هشاما يحقق الأولى المفتوحة ويسهلها بين بين على أصله ، وأجاز بعضهم له حذفها على وجه اتباع الرسم ، فيجيء معه أوجه إبدال الهمزة المضمومة واوا ; لأن ذلك من تتمة اتباع الرسم فتصير تسعة عشر . وهذا الوجه ضعيف جدا غير مرضي ولا مأخوذ به ؛ لاختلال بنية الكلمة ومعناها بذلك ؛ ولأن صورة الهمزة المفتوحة ، إنما حذفت اختصارا كما حذفت الألف بعدها لا على وجه أن تخفف بحذفها ، واختار الهذلي هذا الوجه على قلب الأولى ألفا على غير قياس [ ص: 475 ] فيجتمع ألفان ، فتحذف إحداهما وتقلب الثانية واوا على مذهب التميميين ، وبالغ بعضهم فأجاز ( بروا ) بواو مفتوحة بعد الراء بعدها ألف على حكاية صورة الخط ، فتصير عشرين وجها ، ولا يصح هذا الوجه ، ولا يجوز أيضا ، وهو أشد شذوذا من الذي قبله ؛ لفساد المعنى واختلال اللفظ ، ولأن الواو إنما هي صورة الهمزة المضمومة والألف بعدها زائدة تشبيها لها بواو الجمع وألفه ، كما قدمنا ذلك وأشد منه ، وأنكر وجه آخر حكاه الهذلي عن الأنطاكي ، وهو قلب الهمزتين واوين ، فيقول ( برواو ) قال : وليس ذلك بصحيح ، وذكر بعض المتأخرين فيها ستة وعشرين وجها مفرعة عن أربعة أوجه : ( الأول ) الأخذ بالقياس في الهمزتين ، فتسهل الأولى وتبدل الثانية مع الثلاثة ، أو تسهلها كالواو مع الوجهين ، فهذه خمسة ( الثاني ) الأخذ بالرسم فيهما فتحذف الأولى وتبدل الثانية واوا بالإسكان والإشمام مع كل من المد والتوسط والقصر ، فهذه ثمانية أوجه ( الثالث ) الأخذ بالقياس في الأولى وبالرسم في الثانية ، فتسهل الأولى وتبدل الثانية واوا ، وفيها الثمانية الأوجه ( الرابع ) الأخذ بالرسم في الأولى وبالقياس في الثانية ، فتحذف الأولى وفي الثانية الإبدال مع الثلاثة والتسهيل مع الوجهين ، فهذه خمسة تتمة ستة وعشرين وجها على تقدير أن تكون الواو صورة الثانية ، وزاد بعضهم وجها خامسا على أن الواو صورة الأولى ، والألف صورة المضمومة ، فأجاز ثلاثة مع إبدالها ، ووجهين مع تسهيلها ، فيكون خمسة تتمة إحدى وثلاثين وجها ، ولا يصح منها سوى ما تقدم ، والله أعلم .

ومن المتطرف بعد الواو والياء الساكنتين الزائدتين ( مسألة : ثلاثة قروء ) فيه وجه واحد ، وهو الإدغام كما تقدم ، ويجوز فيه أيضا الإشارة بالروم فيصير وجهان . وكذلك يجوز هذان الوجهان في ( بريء ، والنسيء ) إلا أنه يجوز فيهما وجه ثالث ، وهو الإشمام ، وحكي في ذلك الحذف على وجه اتباع الرسم مع إجراء المد والقصر ، ولا يصح ، واتباع الرسم متحد مع الإدغام ، والله أعلم .

[ ص: 476 ] ومنه بعد الساكن الصحيح ( مسألة : يخرج الخبء ) فيه وجه واحد ، وهو النقل مع إسكان الباء للوقف ، وهو القياس المطرد ، وجاء فيه وجه آخر وهو ( الخبا ) بالألف ، ذكره الحافظ أبو العلاء ، وله وجه في العربية وهو الإتباع ، حكاه سيبويه وغيره كما ذكرنا ، ويجري الوجه ( الأول ) وهو النقل مع الإسكان فيما همزته مكسورة وهو ( بين المرء ) ويجوز فيه وجه ثان ، وهو الإشارة بالروم إلى كسرة الراء ، وتجري الوجهان في ( ملء ، ودفء ، و ينظر المرء ) ويجوز فيه وجه ثالث ، وهو الإشمام ، وتجرى الثلاثة في ( جزء ) وذكر فيه وجه رابع ، وهو الإدغام . حكاه الهذلي ولا يصح عن حمزة ، ولو صح لجاز معه الثلاثة التي مع النقل فتصير ستة .

ومن ذلك بعد الساكن المعتل الأصلي ( مسألة : جيء و سيئ ، و أن تبوءا ) مما وقعت الهمزة فيه مفتوحة ، وكذلك ( ليسوء ) في قراءة حمزة وهشام ، فيه وجهان ( الأول ) النقل ، وهو القياس المطرد ( والثاني ) الإدغام كما ذكرنا عن بعض أئمة القراءة العربية وغيرهم ، ويجري هذان الوجهان فيما وقعت الهمزة فيه مكسورة نحو ( من سوء ، و قوم سوء ، و من شيء ) إلا أنه يجوز مع كل الأوجه منهما الإشارة بالروم ، فيصير فيها الأربعة فيما وقعت الهمزة فيه مضمومة نحو ( يضيء و المسيء و لتنوء و لم يمسسهم سوء ، و من الأمر شيء ) ويجوز وجهان آخران ، وهما الإشمام مع كل من النقل والإدغام ، فيصير فيها ستة أوجه ولا يصح فيها غير ذلك ، فإن اتباع الرسم في ذلك متحد كما قدمنا ، وقد قيل : إنه يجوز فيها أيضا حذف الهمز اعتباطا ، فيمد حرف المد ويقصر على وجه اتباع الرسم ، ورجح المد في ذلك ، وحكى الهذلي فيه عن ابن غلبون بين بين ، وكل ذلك ضعيف لا يصح ، والله أعلم .

ومن المتوسط بعد الساكن إن كان ألفا ( مسألة : شركاونا و جاوا و أولياؤه و أحباوه ، وأوليك و إسرايل ، و خايفين ، و الملائكة ، و جانا ، و شركاوكم ، و أولياءه ، [ ص: 477 ] و برآء ، و دعاء ، و نداء ) ونحو ذلك مما تقع الهمزة متوسطة متحركة بعد ألف ، فإن فيه وجها واحدا ، وهو التسهيل بين بين بأي حركة تحركت الهمزة ، ويجوز في الألف قبلها المد والقصر إلغاء للعارض ، واعتدادا به كما تقدم في بابه ، وذكر في المضموم منه والمكسور المرسوم فيه صورة الهمزة واوا وياء وجه آخر ، وهو إبداله واوا محضة وياء محضة على صورة الرسم مع إجراء وجهي المد والقصر أيضا ، وهو وجه شاذ لا أصل له في العربية ولا في الرواية واتباع الرسم في ذلك ، ونحوه بين بين ، وذكر أيضا فيما حذفت فيه صورة الهمزة رسما إسقاطه لفظا ، فقيل في نحو ( أولياؤهم الطاغوت ، و يوحون إلى أوليائهم و نساءنا ونساءكم : أولياهم ، ونسانا ) هكذا بالحذف ، فيصير كأنه اسم مقصور على صورة رسمه في بعض المصاحف من المضموم والمكسور وفي جميع المصاحف من المفتوح مع إجراء وجهي المد والقصر إلغاء واعتدادا بالعارض ، وقيل : فيما اختلف فيه من ذلك ستة أوجه بين بين مع المد والقصر واتباع الرسم على رأيهم بمحض الواو والياء مع المد والقصر أيضا والحذف معهما أيضا ، وقيل : ذلك في ( جزاه و أولياه ) مع زيادة التوسط ، وربما قيل مع ذلك بالروم والإشمام في الهاء ، ولا يصح فيه سوى وجه بين بين لا غير كما قدمنا . وقد يتعذر الحذف الذي ذهبوا إليه في مواضع كثيرة من القرآن نحو ( إسرايل ، ويراون ، وجاوكم ) فإن حقيقة اتباع الرسم في ذلك تمتنع ولا تمكن ، فإن الهمزة إذا حذفت بقيت الواو والياء ساكنتين ، والنطق بذلك متعذر فلم يبق إلا الجمع بين ياءين وواوين على تقدير أن المحذوف واو البنية ، ولا يصح ذلك رواية ولا يوافق حقيقة الرسم على رأيهم ، فلم يبق سوى التسهيل بين بين ، والله أعلم . وكذلك الحكم في ( دعاء ، و نداء ، و ماء ، و ليسوا سواء ) ونحوه مما وقعت الهمزة فيه متوسطة بالتنوين ، فالجمهور فيه على تسهيل بين بين على القاعدة ، وإجراء وجهي المد والقصر لتغير الهمز . وانفرد صاحب " المبهج " بوجه آخر فيه ، وهو الحذف وأطلقه على حمزة بكماله ، وهو وجه صحيح ورد به النص ، عن حمزة في رواية الضبي . [ ص: 478 ] وله وجه ، وهو إجراء المنصوب مجرى المرفوع والمجرور ، وهو لغة للعرب معروفة ، فتبدل الهمزة فيه ألفا ، ثم تحذف للساكنين ، ويجوز معه المد والقصر ، وكذا التوسط كما تقدم ، وهو هنا أولى منه في المتطرف ; لأن الألف المرسومة هنا تحتمل أن تكون ألف البنية ، وتحتمل أن تكون صورة الهمزة ، وتحتمل أن تكون ألف التنوين ، فعلى تقدير أن تكون ألف البنية لا بد من ألف التنوين ، فيأتي بقدر ألفين وهو التوسط ، وعلى أن تكون صورة الهمزة فلا بد من ألف البنية وألف التنوين ، فيأتي بقدر ثلاث ألفات ، وهو المد الطويل ، وعلى أن تكون ألف التنوين فلا بد من ألف البنية ، فتأتي بقدر ألفين أيضا ، فلا وجه للقصر ، إلا أن يقدر الحذف اعتباطا ، أو يراد حكاية الصورة ، أو يجري المنصوب مجرى غيره لفظا ، ولولا صحته رواية لكان ضعيفا ، وأما ( وأحباوه ) ففي همزته الأولى التحقيق والتسهيل ؛ لكونها متوسطة بزائد ، ومع كل منهما تسهيل الثانية مع المد والقصر ، فتصير أربعة مع إسكان الهاء ، وإن أخذ بالروم والإشمام في الهاء على رأي من يجيزه ، تصير اثنا عشر ، وحكي فيها إبدال الواو في الثانية على اتباع الرسم عندهم ، وذكر فيها إبدال الأولى ألفا على اتباع الرسم أيضا على رأيهم ، فيصير في هذين الوجهين أربعة وعشرون ، ولا يصح منها شيء ولا يجوز ، والله أعلم .

وأما تراء من ( التقى الجمعان ) في سورة الشعراء ، فإن ألفها التي بعد الهمز تحذف وصلا لالتقاء الساكنين إجماعا ، فإذا وقف عليها ثبتت إجماعا ، ولها حكم في الإمالة يأتي ، واختص حمزة وخلف بإمالة الراء وصلا ، فإذا وقف حمزة سهل الهمزة بين بين وأمالها من أجل إمالة الألف بعدها وهي المنقلبة عن الياء التي حذفت وصلا للساكنين ، وهي لام " تفاعل " ، ويجوز مع ذلك المد والقصر لتغير الهمز على القاعدة ، وهذا الوجه هو الصحيح الذي لا يجوز غيره ولا يؤخذ بخلافه . وذكر فيها وجهان آخران ، أحدهما : حذف الألف التي بعد الهمزة وهي اللام ، من أجل حذفها رسما على رأي بعضهم في اتباع الرسم ، فتصير على هذا متطرفة ، فتبدل ألفا لوقوعها بعد [ ص: 479 ] ألف ، ويفعل فيها ما يفعل في ( جاء ، وشاء ) فيجيء على قولهم : ثلاثة أوجه هي المد والتوسط والقصر ، وأجروا هشاما مجراه في هذا الوجه إذا خفف المتطرف على هذا التقدير ، وهذا وجه لا يصح ولا يجوز لاختلاف لفظه وفساد المعنى به ، وقد تعلق مجيز هذا الوجه بظاهر قول ابن مجاهد : كان حمزة يقف على ( تراء ) يمد مدة بعد الراء ويكسر الراء من غير همز . انتهى . ولم يكن أراد ما قالوه ولا جنح إليه ، وإنما أراد الوجه الصحيح الذي ذكرناه ، فعبر بالمدة عن التسهيل كما هي عادة القراء في إطلاق عباراتهم ، ولا شك أن حذاق أصحاب ابن مجاهد مثل الأستاذ الكبير أبي طاهر بن أبي هشام وغيره أخبر بمراده دون من لم يره ولا أخذ عنه ، قال الحافظ أبو العلاء الداني في " جامع البيان " : فوقف حمزة ( تراء ) بإمالة فتحة الراء ويمد بعدها مدة مطولة في تقدير ألفين ممالتين . الأولى أميلت لإمالة فتحة الراء ، والثانية أميلت لإمالة فتحة الهمزة المسهلة المشار إليها بالصدر ؛ لأنها في زنة المتحرك ، وإن أضعف الصوت بها ولم يتم فيتوالى في هذه الكلمة على مذهبه أربعة أحرف ممالة : الراء التي هي فاء الفعل ، والألف التي بعدها الداخلة لبناء " تفاعل " ، والهمزة المجعولة على مذهبه التي هي عين الفعل ، والألف التي بعدها المنقلبة عن الياء التي هي لام الفعل لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حكى قول ابن مجاهد الذي ذكرناه بلفظه ، ثم قال : وهذا مجاز ، وما قلناه حقيقة ، ويحكم ذلك المشافهة . انتهى . وهو صريح لما قلناه من أن ابن مجاهد لم يرد ما توهمه بعضهم ، وأشار الداني بقوله : تحكمه المشافهة إلى قول ابن مجاهد وغيره مما يشكل ظاهرة ، وإنما يؤخذ من مشافهة الشيوخ وألفاظهم لا من الكتب وعباراتها . قال الأستاذأبو علي الفارسي في كتاب الحجة في قول ابن مجاهد : هذا إن كان يريد بالمد ألف " تفاعل " وإسقاط العين واللام ، فهذا الحذف غير مستقيم ، والوجه الثاني قلب الهمزة ياء ، فتقول : ( ترايا ) حكاه الهذلي وغيره ، وهو ضعيف أيضا . وقد قيل في توجيهه : إنه لما قرب فتحة الراء من الكسرة بالإمالة أعطاها حكم المكسور ، [ ص: 480 ] فأبدل الهمزة المفتوحة بعدها ياء ، ولم يعتد بالألف حاجزة .

( قلت ) : وله وجه عندي هو أمثل من هذا ، وهو أن الهمزة في مثل هذا تبدل ياء عند الكوفيين ، وأنشدوا عليه قول الشاعر :


غدات تسايلت من كل أوب     كنانة حاملين لهم لوايا

أراد ( لواء ) فأبدل من الهمزة ياء ، وهو وجه لو صحت به الرواية لكان أولى من الذي قبله ، فقد حكي عنه أنه وقف على ( تبوا لقومكما ) كذلك . وروي أيضا عن حفص ، والصحيح فيه عن حمزة أيضا بين بين ، والله تعالى أعلم .

ومنه بعد ياء زائدة ( مسألة : خطية ، و خطيات ، و بريون ) فيه وجه واحد ، وهو الإدغام كما تقدم ، وحكي فيه وجه آخر ، وهو بين بين ، ذكره الحافظ ، وأبو العلاء ، وهو ضعيف ، وكذلك الحكم في ( هنيئا مريئا ) وحكي فيه وجه آخر ، وهو الإدغام فيهما ، كأنه أريد به الإتباع . ذكره الهذلي ، وحكي أيضا وجه آخر ، وهو التخفيف كالنقل ، كأنه على قصد اتباع الرسم ، وذكره بعضهم ، فيصير أربعة أوجه ، ولا يصح منها سوى الأول .

ومنه بعد ياء وواو أصليتين ( مسألة : سيئت ، و السوأى ) فيهما وجهان النقل وهو القياس المطرد والإدغام كما ذهب إليه بعضهم إلحاقا بالزائد ، وحكي فيهما وجه ثالث ، وهو بين بين كما ذكره الحافظ أبو العلاء وغيره ، وهو ضعيف ، إلا أنه في ( السوأى ) أقرب عند من التزم اتباع الرسم ، وكذلك الحكم في ( سوءة ، و سوآتكم ، وسوآتهما ، وشيا ) و ( كهيئة ، واستايس ، ويايس ) وبابه إلا أنه حكي في ( استايس ) وبابه وجه رابع ، وهو الألف على القلب كالبزي ومن معه ، ذكره الهذلي وأما ( موئلا ) ففيه وجهان النقل والإدغام كما ذكرنا ، ويحكى فيه وجه ثالث ، وهو إبدال الهمزة ياء مكسورة على وجه اتباع الرسم ، وفيه نظر لمخالفته القياس وضعفه في الرواية ، وقياسه على ( هزوا ) لا يصح ؛ لما نذكره . وقد عده الداني من النادر والشاذ ، وحكي فيه وجه رابع ، وهو بين بين ، نص عليه أبو طاهر [ ص: 481 ] بن أبي هشام ، وهو داخل في قاعدة تسهيل هذا الباب عند من رواه ، وهو أيضا أقرب إلى اتباع الرسم من الذي قبله ، وردهالداني . وذكر فيه وجه خامس ، وهو إبدال الهمزة ياء ساكنة وكسر الواو قبلها على نقل الحركة وإبقاء الأثر ، حكاه ابن الباذش ، وهو أيضا ضعيف قياسا ، ولا يصح رواية ، وذكر وجه سادس ، وهو إبدال الهمزة واوا من غير إدغام ، حكاه الهذلي ، وهو أضعف هذه الوجوه وأردؤها ، وأما ( الموءودة ) ففيه أيضا وجهان : النقل والإدغام ، إلا أن الإدغام يضعف هنا للثقل ، وفيه وجه ثالث ، وهو بين بين ، نص عليه أبو طاهر بن أبي هاشم وغيره ، وذكر وجه رابع وهو الحذف ، واللفظ بها على وزن الموزة والجوزة ، وهو ضعيف ؛ لما فيه من الإخلال بحذف حرفين ، ولكنه موافق للرسم ، ورواه منصوصا عن حمزة أبو أيوب الضبي ، واختاره ابن مجاهد ، وذكره الداني ، وقال : هو من التخفيف الشاذ الذي لا يصار إليه إلا بالسماع إذا كان القياس ينفيه ولا يجيزه ، وكان من رواه من القراء واستعمله من العرب كره النقل والبدل . أما النقل فلتحرك الواو فيه بالحركة التي تستثقل وهي الضمة ، وأما البدل فلأجل التشديد والإدغام ، ثم قال : ومن العرب من إذا خفف همزة ( يسؤك ) قال : ( يسؤك ) استثقل الضمة على الواو ، فحذف الهمزة ، قال : وهذا يؤيد ما قلناه يعني من الحذف .

( قلت ) : حذف الهمز لا كلام فيه ، والكلام في حذف الواو بعد الهمزة التي تجحف بالكلمة وتغير الصيغة ، والله أعلم .

ومنه بعد الصحيح الساكن

التالي السابق


الخدمات العلمية