صفحة جزء
( وأما فائدة الإمالة ) فهي سهولة اللفظ ، وذلك أن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة والانحدار أخف على اللسان من الارتفاع ; فلهذا أمال من أمال ، وأما من فتح فإنه راعى كون الفتح أمتن ، أو الأصل ، والله أعلم .

إذا علم ذلك فإن حمزة والكسائي وخلفا أمالوا كل ألف منقلبة عن ياء حيث وقعت في القرآن سواء كانت في اسم أو فعل ، " فالأسماء " نحو : الهدى . و الهوى ، و العمى ، و الزنا ، ومأواه ، ومأواكم ، و مثواه ، و مثواكم ونحو الأدنى ، و الأزكى ، و الأعلى . و الأشقى ، و موسى ، و عيسى ، و يحيى " والأفعال " نحو أتى [ ص: 36 ] و أبى ، و سعى ، و يخشى ، و يرضى ، و فسوى ، و اجتبى ، و استعلى وتعرف ذوات الياء من الأسماء بالتثنية ، ومن الأفعال برد الفعل إليك فإذا ظهرت الياء فهي أصل الألف وإن ظهرت الواو فهي الأصل أيضا فتقول في اليائي من الأسماء : كالمولى والفتى والهدى والهوى والعمى والمأوى - موليان وفتيان وهديان وهويان وعميان ومأويان وفي الواوي ; منها كالصفا وشفا وسنا وأبا وعصا - صفوان وشفوان وسنوان ، وأبوان وعصوان ، وكذلك أدنيان وأزكيان والأشقيان والأعليان ، وتقول في اليائي من الأفعال في نحو : أتى ورمى وسعى وعسى وأبى وارتضى واشترى واستعلى - أتيت ورميت وسعيت وعسيت وأبيت وارتضيت واشتريت واستعليت . وفي الواو منها في نحو : دعا ودنا وعفا وعلا وبدا وخلا - دعوت ودنوت وعفوت وعلوت وبدوت وخلوت إلا إذا زاد الواوي على ثلاثة أحرف فإنه يصير بتلك الزيادة يائيا ويعتبر بالعلامة المتقدمة ، وذلك كالزيادة في الفعل بحروف المضارعة وآلة التعدية ، وغيره نحو : ترضى ، و تدعى ، و تبلى ، و يدعى ، و يتلى ، و يزكى ، و زكاها و تزكى ، و نجانا ، فأنجاه ، و إذا تتلى ، و تجلى ، فمن اعتدى ، فتعالى الله ، من استعلى ومن ذلك أفعل في الأسماء نحو : أدنى ، و أربى ، و أزكى ، و الأعلى لأن لفظ الماضي من ذلك كله تظهر فيه الياء إذا رددت الفعل إلى نفسك نحو : زكيت ، وأنجيت ، وابتليت ، وأما فيما لم يسم فاعله نحو : يعدى فلظهور الياء في : دعيت ، ويدعيان ، فظهر أن الثلاثي المزيد يكون اسما نحو : أدنى ، وفعلا ماضيا نحو : ابتلى ، وأنجى ، ومضارعا مبنيا للفاعل نحو يرضى وللمفعول نحو : تدعى . وكذلك يميلون كل ألف تأنيث جاءت من فعلى مفتوح الفاء ، أو مضمومها ، أو مكسورها نحو : الموتى ، و مرضى ، والسلوى و التقوى ، و شتى ، و طوبى ، وبشرى ، وقصوى ، و الدنيا ، و القربى ، والأنثى ، و إحدى ، وذكرى ، وسيما ، و ضيزى ، وألحقوا بذلك يحيى ، وموسى ، وعيسى ; وكذلك يميلون منها ما كان على وزن فعالى مضموم الفاء ، أو مفتوحها نحو : أسارى ، و كسالى ، و سكارى ، وفرادى ، و يتامى ، و نصارى ، و الأيامى

[ ص: 37 ] و الحوايا ، وكذلك أمالوا ما رسم في المصاحف بالياء نحو : متى ، و بلى ، و ياأسفى و ياويلتى ، و ياحسرتى ، وأنى ، وهي للاستفهام نحو أنى شئتم ، أنى ذلك واستثنوا من ذلك : حتى و إلى و على و لدى و ما زكى منكم فلم يميلوه . وكذلك أمالوا أيضا من الواوي ما كان مكسور الأول ، أو مضمومه وهو الربا كيف وقع والضحى كيف جاء ، و القوى و العلى فقيل لأن من العرب من يثني ما كان كذلك بالياء وإن كانت من ذوات الواو فيقول : ربيان وضحيان ، فرارا من الواو إلى الياء لأنها أخف حيث ثقلت الحركات بخلاف المفتوح الأول . وقال مكي : مذهب الكوفيين أن يثنوا ما كان من ذوات الواو مضموم الأول ، أو مكسوره بالياء ( قلت ) : وقوى هذا السبب سبب آخر وهو الكسرة قبل الألف في الربا وكون والضحى ، وضحاها ، و القوى و العلى رأس آية . فأميل للتناسب والسور الممال رءوس آيها بالأسباب المذكورة للبناء على نسق هي إحدى عشرة سورة وهي ( طه والنجم ، وسأل سائل ، والقيامة ، والنازعات ، وعبس ، والأعلى ، والشمس ، والليل ، والضحى ، والعلق ) ، واختص الكسائي دون حمزة وخلف ، مما تقدم بإمالة أحياكم و فأحيا به و أحياها حيث وقع إذا لم يكن منسوقا ، أو نسق بالفاء حسب ، وبإمالة : خطايا حيث وقع بنحو : خطاياكم و خطاياهم و خطايانا وبإمالة مرضاة و مرضاتي حيث وقع وبإمالة حق تقاته في الكهف و آتاني الكتاب في مريم ‎وأوصاني بالصلاة فيها و آتاني الله في النمل و محياهم في الجاثية و دحاها في النازعات و تلاها و طحاها في الشمس و سجى في والضحى . واتفق مع حمزة وخلف ، على إمالة وأحيى وهو في سورة النجم لكونه منسوقا بالواو وهذا مما لا خلاف فيه . وانفرد عبد الباقي بن الحسن من طريق أبي علي بن صالح عن خلف ومن طريق أبي محمد بن ثابت عن خلاد كلاهما عن سليم عن حمزة بإجراء يحيى مجرى أحيا ففتحه عنه إذا لم يكن منسوقا بواو وهو :

[ ص: 38 ] ولا يحيا في طه وسبح . وبذلك قرأ الداني على فارس عن قراءته على عبد الباقي المذكور ، وكذا ذكره صاحب العنوان ، وصاحب التجريد ، من قراءته على عبد الباقي بن فارس عن أبيه إلا أنه ذكره بالوجهين ، وقال : إن عبد الباقي بن الحسن الخراساني نص بالفتح عن خلف قال : وبه قرأت ، وذكر أن ذلك في طه والنجم وهو سهو قلم ، صوابه طه وسبح . فإن حرف النجم ماض وهو بالواو وليس له نظير حرف طه - والله أعلم - .

. واتفق الكسائي وخلف ، على إمالة ( الرؤيا ) المعروف باللام وهو أربعة مواضع في يوسف وسبحان والصافات والفتح إلا أن مواضع سبحان يمال في الوقف فقط من أجل الساكن في الوصل . واختص الكسائي بإمالة : رؤياي وهو حرفان في يوسف واختلف عنه في رؤياك في يوسف أيضا فأماله الدوري عنه أيضا وفتحه أبو الحارث ، واختلف فيهما عن إدريس فرواهما الشطي عنه بالإمالة وهو الذي قطع به عن إدريس في الغاية ، وغيرها . ورواهما الباقون عنه بالفتح وهو الذي في المبهج والكامل ، وغيرهما . وذكره في كفاية الست من طريق القطيعي ، والوجهان صحيحان - والله أعلم - .

. واختص الدوري في روايته عن الكسائي بإمالة رؤياك وهو في ، أول يوسف كما تقدم و هداي وهو في البقرة وطه و مثواي وهو في يوسف أيضا ومحياي وهو في آخر الأنعام و آذانهم و آذاننا و طغيانهم حيث وقع و بارئكم في الموضعين من البقرة وسارعوا ويسارعون ، ونسارع حيث وقع و الجوار في الشورى والرحمن وكورت و كمشكاة في النور . واختلف عنه في : البارئ المصور من سورة الحشر فروى عنه إمالته ، وأجراه مجرى بارئكم جمهور المغاربة وهو الذي في تلخيص العبارات والكافي ، والهادي ، والتبصرة ، والهداية ، والعنوان ، والتيسير ، والشاطبية ، وكذلك رواه من طريق ابن فرح أعني عن الكسائي صاحب التجريد والإرشادين والمستنير ، وغيرهم . ورواه عنه بالفتح خصوصا أبو عثمان الضرير وهو الذي في أكثر القراءات ونص على

[ ص: 39 ] استثنائه الحافظ أبو العلاء ، وأبو محمد سبط الخياط ، وابن سوار ، وأبو العز ، وغيرهم ، والوجهان صحيحان عن الدوري . وقال الداني في جامعه : لم يذكر أحد عن البارئ نصا ، وإنما ألحقه بالحرفين اللذين في البقرة ابن مجاهد قياسا عليهما ، سمعت أبا الفتح يقول ذلك . انتهى . واختلف عنه أيضا في يواري و فأواري في المائدة ويواري في الأعراف و فلا تمار في الكهف فروى عنه أبو عثمان الضرير إمالتها وهذا مما اجتمعت عليه الطرق عن أبي عثمان نصا وأداء ، وروى فتح الكلمات الثلاث جعفر بن محمد النصيبي ، ولم يختلف عنه أيضا في ذلك . وأما ما ذكره الشاطبي رحمه الله ليواري و فأواري في المائدة فلا أعلم له وجها سوى أنه تبع صاحب التيسير ، حيث قال : وروى أبو الفارس عن أبي طاهر عن أبي عثمان سعيد بن عبد الرحيم الضرير عن أبي عمر عن الكسائي أنه أمال يواري ، و : فأواري في الحرفين في المائدة ، ولم يروه غيره قال : وبذلك أخذه - يعني أبا طاهر - من هذا الطريق ، وغيره ومن طريق ابن مجاهد بالفتح انتهى . وهو حكاية أراد بها الفائدة على عادته وإلا فأي تعلق لطريق أبي عثمان الضرير بطريق التيسير ؟ ولو أراد ذكر طريق أبي عثمان عن الدوري لذكرها في أسانيده ، ولم يذكر طريق النصيبي ولو ذكرها لاحتاج أن يذكر جميع خلافه ، نحو إمالته الصاد من النصارى والتاء من اليتامى ، وغير ذلك مما يأتي ، ولذكر إدغامه النون الساكنة والتنوين في الياء حيث وقع في القرآن كما تقدم ; ثم تخصيص المائدة دون الأعراف هو مما انفرد به الداني ، وخالف فيه جميع الرواة . قال في جامع البيان بعد ذكر إمالتهما عن أبي عثمان ، وكذلك رواه عن أبي عثمان سائر أصحابه أبو الفتح أحمد بن عبد العزيز بن بدهن ، وغيره قال : وقياس ذلك قوله في الأعراف يواري سوآتكم ، ولم يذكره أبو طاهر ، ولعله أغفل ذكره ( قلت ) : لم يغفل ذكره بل ذكره قطعا ، ورواه عنه جميع أصحابه من أهل الأداء نصا وأداء . ولعل ذلك سقط من كتاب صاحبه أبي القاسم عبد العزيز بن محمد الفارسي شيخ الداني

[ ص: 40 ] - والله أعلم - .

على أن الداني قال : بعد ذلك وبإخلاص الفتح قرأت ذلك كله يعني الكلمات الثلاث للكسائي من جميع الطرق ، وبه كان يأخذ ابن مجاهد انتهى . وظهر أن إمالة يواري ، و فأواري في المائدة ليست من طريق التيسير ولا الشاطبية . ولا من طرق صاحب التيسير ، وتخصيص المائدة غير معروف والله تعالى أعلم ; وانفرد الحافظ أبو العلاء عن القباب عن الرملي عن الصوري بإمالة هذه الكلمات الثلاث وهي يواري في الموضعين وأواري و تمار .

التالي السابق


الخدمات العلمية