وهذا الباب لم يقصد فيه شيء من هذه الأوجه الستة ، وإنما قصد فيه بيان ما يجوز  
الوقف  عليه بالسكون وبالروم وبالإشمام خاصة .  
( فأما السكون ) فهو الأصل في الوقف على الكلم المتحركة وصلا لأن معنى الوقف الترك والقطع من قولهم وقفت عن كلام فلان . أي تركته ، وقطعته .   
[ ص: 121 ] 
ولأن الوقف أيضا ضد الابتداء فكما يختص الابتداء بالحركة كذلك يختص الوقف بالسكون فهو عبارة عن تفريغ الحرف من الحركات الثلاث ، وذلك لغة أكثر العرب ، وهو اختيار جماعة من النحاة وكثير من القراء .  
( وأما  
الروم ) فهو عند القراء عبارة عن النطق ببعض الحركة     . وقال : بعضهم هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب معظمها ، وكلا القولين واحد ، وهو عند النحاة عبارة عن النطق بالحركة بصوت خفي . وقال  
الجوهري  في صحاحه : روم الحركة الذي ذكره  
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  هو حركة مختلسة مخفاة بضرب من التخفيف قال : وهي أكثر من الإشمام لأنها تسمع ، وهي بزنة الحركة وإن كانت مختلسة مثل همزة بين بين انتهى .  
والفرق بين العبارتين سيأتي وفائدة الخلاف بين الفريقين ستظهر .  
( وأما  
الإشمام ) فهو عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير تصويت  ، وقال بعضهم : أن تجعل شفتيك على صورتها إذا لفظت بالضمة . وكلاهما واحد ، ولا تكون الإشارة إلا بعد سكون الحرف . وهذا مما لا يختلف فيه " نعم " حكي عن الكوفيين أنهم يسمون الإشمام روما والروم إشماما ; قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي     : وقد روي عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي  الإشمام في المخفوض . قال : وأراه يريد به الروم لأن الكوفيين يجعلون ما سميناه روما إشماما وما سميناه إشماما روما . وذكر  
نصر بن علي الشيرازي  في كتابه الموضح أن الكوفيين ومن تابعهم ذهبوا إلى أن الإشمام هو الصوت ، وهو الذي يسمع لأنه عندهم بعض حركة . والروم هو الذي لا يسمع لأنه روم الحركة من غير تفوه به ، قال : والأول هو المشهور عند أهل العربية انتهى . ولا مشاحة في التسمية إذا عرفت الحقائق . وأما قول  
الجوهري  في الصحاح : إشمام الحرف أن تشمه الضمة ، أو الكسرة ، وهو أقل من روم الحركة لأنه لا يسمع ، وإنما يتبين بحركة الشفة العليا ، ولا يعتد بها حركة لضعفها ، والحرف الذي فيه الإشمام ساكن ، أو كالساكن انتهى . وهو خلاف ما يقوله الناس في حقيقة   
[ ص: 122 ] الإشمام ، وفي محله فلم يوافق مذهبا من المذهبين . وقد ورد النص في الوقف إشارتي الروم ، والإشمام عن
أبي عمرو  وحمزة   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  وخلف  بإجماع أهل النقل ، واختلف في ذلك عن  
عاصم  فرواه عنه نصا  
الحافظ أبو عمرو   nindex.php?page=showalam&ids=12111والداني  ، وغيره . وكذلك حكاه عنه  
ابن شيط  عن أئمة العراقيين . وهو الصحيح عنه ، وكذلك رواه  
 nindex.php?page=showalam&ids=14575الشطوي  نصا عن أصحابه عن  
أبي جعفر  ، وأما غير هؤلاء فلم يأت عنهم في ذلك نص إلا أن أئمة أهل الأداء ومشايخ الإقراء اختاروا الأخذ بذلك لجميع الأئمة فصار الأخذ بالروم ، والإشمام إجماعا منهم سائغا لجميع القراء بشروط مخصوصة في مواضع معروفة وباعتبار ذلك انقسم  
الوقف على أواخر الكلم  ثلاثة أقسام : قسم لا يوقف عليه عند أئمة القراءة إلا بالسكون ، ولا يجوز فيه روم ، ولا إشمام ، وهو خمسة أصناف :  
( أولها ) ما كان ساكنا في الوصل نحو  
فلا تنهر  ،  
ولا تمنن  ،  
ومن يعتصم  ،  
ومن يهاجر  ،  
ومن يقاتل  فيقتل أو يغلب     .  
( ثانيها ) ما كان في الوصل متحركا بالفتح غير منون ، ولم تكن حركته منقولة نحو  
لا ريب  ، و  
إن شاء الله  ، و  
يؤمنون  ،  
وآمن  ،  
وضرب     .  
( ثالثها ) الهاء التي تلحق الأسماء في الوقف بدلا من تاء التأنيث نحو  
الجنة  ،  
والملائكة  ، و  
القبلة  ، و  
لعبرة  ، و  
مرة     .  
( رابعها ) ميم الجمع في قراءة من حركه في الوصل ووصله ، وفي قراءة من لم يحركه ، ولم يصله نحو " عليهم آنذرتهم أم لم تنذرهم ، و فيهم ، وأنهم ، وبهم ، وأنهم ، و على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم " وشذ  
 nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي  فأجاز الروم ، والإشمام في ميم الجمع لمن وصلها قياسا على هاء الضمير وانتصر لذلك وقواه . وهو قياس غير صحيح لأن هاء الضمير كانت متحركة قبل الصلة بخلاف الميم بدليل قراءة الجماعة فعوملت حركة الهاء في الوقف معاملة سائر الحركات ، ولم يكن للميم حركة فعوملت بالسكون فهي كالذي تحرك لالتقاء الساكنين .  
( خامسها ) المتحرك في الوصل بحركة عارضة إما للنقل نحو  
وانحر إن  ، و  
من إستبرق  ،  
فقد أوتي  ،  
قل أوحي  ، و  
خلوا إلى  ، و  
ذواتي أكل  ، وإما لالتقاء الساكنين في الوصل نحو  
قم الليل   [ ص: 123 ] وأنذر الناس     .  
ولقد استهزئ  ، و  
لم يكن الذين  ، و  
من يشأ الله  ، و  
اشتروا الضلالة  ،  
وعصوا الرسول  ، ومن  
يومئذ  ، و  
حينئذ  لأن كسرة الذال إنما عرضت عند لحاق التنوين فإذا زال التنوين في الوقف رجعت الذال إلى أصلها من السكون ، وهذا بخلاف كسرة  
هؤلاء  وضمة  
من قبل ومن بعد  فإن هذه الحركة وإن كانت لالتقاء الساكنين لكن لا يذهب ذلك الساكن في الوقف لأنه من نفس الكلمة .