صفحة جزء
ومن الأمور المتعلقة بالختم الدعاء عقيب الختم

[ ص: 452 ] وهو أهمها ، وهو سنة تلقاها الخلف عن السلف ، وتقدم في أول هذا الفصل الحديث المرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق ابن كثير في أنه كان يدعو عقب الختم ، ثم يقول : وأخبرني الشيخ العالم المسند الصالح أبو الثناء محمود بن خلف بن خليفة المنبجي رحمه الله مشافهة منه إلي في سنة سبع وستين وسبعمائة بدمشق عن الإمام الحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ، أخبرنا أبو الحاج يوسف بن خليل الدمشقي الحافظ . أخبرنا أبو سعيد خليل بن أبي الرجاء الداراني . أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد إجازة . أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ . أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الحافظ . حدثنا محمد بن جعفر الإمام . حدثنا زكريا بن يحيى بن السكن الطائي . حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن مقاتل بن دو أل دوز عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ القرآن - أو قال : من جمع القرآن - كانت له عند الله دعوة مستجابة إن شاء الله عجلها له في الدنيا وإن شاء ادخرها له في الآخرة " قال الطبراني : لم يروه عن جابر إلا شرحبيل ، ولا عنه إلا مقاتل بن دو أل دوز تفرد به المحاربي ، ولم يسند عن مقاتل غير هذا الحديث .

( قلت ) : مقاتل بن حيان كما قيل فهو ثقة من رجال مسلم وإن يكن غيره فلا نعرفه مع أن سائر رجاله ثقات ، والمحاربي من رجال الصحيحين إلا أنه يروي عن المجهولين . ( وأخبرتنا ) ست العرب بنت محمد المقدسية بمنزلها مشافهة أنا جدي أحمد بن البخاري حضورا قال : أنا عبد الله بن عمرو أبو القاسم زاهر أنا أبو بكر الحافظ أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر الإسماعيلي ثنا عبد الله بن يحيى بن ياسين حدثني حمدون بن أبي عباد ثنا يحيى بن هاشم عن مسعر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مع كل ختمة [ ص: 453 ] دعوة مستجابة " كذا رواه أبو بكر البيهقي ، وقال : في إسناده ضعف ، وروي من وجه آخر ضعيف عن أنس ، أخبرناه أبو طاهر أحمد بن عبد الله بن ممدويه أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد البرناتي بمرو أنا عمرو بن عمر بن فتح ثنا محمد بن علي ثنا أبي أنا أبو عصمة ، وهو نوح الجامع مروزي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " له عند ختم القرآن دعوة مستجابة وشجرة في الجنة " . ( وأخبرنا ) شيخنا القاضي شرف الدين أحمد بن الحسين الحنفي مشافهة عن أبي الفضل أحمد بن هبة الله الدمشقي أنا أبو روح إذنا أنا زاهر بن طاهر أنا الإمام أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجرودي أنا الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد الحليمي أنا بكر ومحمد بن حمدان الصيرفي . أنا أحمد بن الحسين . ثنا مقاتل بن إبراهيم ثنا نوح بن أبي مريم عن يزيد الرقاشي عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لصاحب القرآن دعوة مستجابة عند ختمه " ، وبه إلى الحافظ أبي بكر قال : أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي أنا ابن أبي عصمة ومحمد بن عبد الحميد الفرغاني ومحمد بن علي بن إسماعيل قالوا : حدثنا علي بن حرب بن حفص بن عمر بن حكيم ثنا عمرو بن قيس الملائي من عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من استمع حرفا من كتاب الله عز وجل طاهرا كتبت له عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ورفعت له عشر درجات ، ومن قرأ حرفا من كتاب الله في صلاة قاعدا كتبت له خمسون حسنة ومحيت عنه خمسون سيئة ورفعت له خمسون درجة ، ومن قرأ حرفا من كتاب الله في صلاة قائما كتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة ورفعت له مائة درجة ، ومن قرأه فختمه كتبت له عند الله دعوة مستجابة معجلة ، أو مؤخرة " قال البيهقي : تفرد به حفص بن عمر ، وهو مجهول .

( قلت ) : قد ذكره ابن عدي في كامله ، وقال : حدث عن عمرو بن قيس الملائي أحاديث بواطيل ، وقال يحيى : ليس بشيء ، وقال الأزدي : متروك الحديث ، وقد سألت شيخنا شيخ الإسلام ابن كثير [ ص: 454 ] رحمه الله تعالى : ما المراد بالحرف في الحديث ؟ فقال : الكلمة ، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات لا أقول " الم " حرف ولكن ألف حرف ، ولام حرف وميم حرف ، وهذا الذي ذكره هو الصحيح إذ لو كان المراد بالحرف حرف الهجاء لكان ألف بثلاثة أحرف ، ولام بثلاثة وميم بثلاثة ، وقد يعسر على فهم بعض الناس فينبغي أن يتفطن له فكثير من الناس لا يعرفه . وقال لي بعض أصحابنا من الحنابلة إنه رأى هذا في كلام الإمام أحمد رحمة الله عليه منصوصا - والله أعلم - .

ولكن روينا في حديث ضعيف عن عون بن مالك الأشجعي مرفوعا ( من قرأ حرفا من القرآن كتب الله له بها حسنة ، لا أقول " بسم الله " ولكن باء وسين وميم ، ولا أقول " الم " ولكن الألف واللام والميم ) ، وهو إن صح لا يدل على غير ما قال شيخنا . ثم رأيت كلام بعض أصحاب الإمام أحمد في ذلك فقال ابن مفلح في فروعه : وإن كان في قراءة زيادة حرف مثل " فأزلهما " و " أزالهما " و " وصى " و " أوصى " فهي الأولى لأجل العشر حسنات ، نقله حرب .

( قلت ) : وهذا التمثيل من ابن مفلح عجيب فإنه إذا كان المراد بالحرف - اللفظي ، فلا فرق بين " وصى " و " أوصى " ، ولا بين " أزالهما " و " أزلهما " ، إذ الحرف المشدد بحرفين فكان ينبغي أن يمثل بنحو " مالك " و " ملك " ، و " يخدعون " و " يخادعون " ، ثم قال ابن مفلح : واختار شيخنا أن الحرف الكلمة .

( قلت ) : يعني شيخه الإمام أبا العباس ابن تيمية ، وهذا الذي قاله هو الصحيح ، وقد رأيت كلامه في كتابه على المنطق فقال : وأما تسمية الاسم وحده كلمة والفعل وحده كلمة والحرف وحده كلمة مثل هل وبل فهذا اصطلاح مختص ببعض النحاة ليس هذا من لغة العرب أصلا ، وإنما تسمي العرب هذه المفردات حروفا ، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول " الم " - يعني : ألف لام ميم - حرف ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف ) والذي عليه محققو العلماء أن المراد بالحرف الاسم وحده والفعل وحده ، [ ص: 455 ] وحرف المعنى ، لقوله " ألف حرف " ، وهذا اسم . ولهذا لما سأل الخليل أصحابه عن النطق بالزاي من زيد فقالوا : زاي فقال : نطقتم بالاسم ، وإنما الحرف زه . ثم بسط الكلام في تقرير ذلك ، وهو واضح . وهذا الذي ذكره ابن مفلح عن حرب ومثل به - تصرف منه ، وإلا فلا يقول مثل الإمام أحمد إن " أزال " ، أولى من " أزل " ، ولا " أوصى " ، أولى من " وصى " لأجل زيادة حرف ، وللكلام على هذا محل غير هذا والقصد تعريف ذلك - والله أعلم - .

وبه قال الحافظ أبو بكر البيهقي ، أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أحمد بن سليمان الفقيه . ثنا بشر بن موسى حدثني عمر بن عبد العزيز جليس كان لبشر بن حارث ( ح ) قال : وأخبرنا أبو علي الروذباري ثنا أبو عمرو محمد بن عبد الواحد النحوي . ثنا بشر بن موسى . ثنا عمر بن عبد العزيز شيخ له قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : حدثنا يحيى بن اليمان عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة قال : إذا ختم الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه قال بشر بن موسى قال لي عمر بن عبد العزيز فحدثت به أحمد بن حنبل فقال : لعل هذا من مخبيات سفيان واستحسنه أحمد بن حنبل . قال البيهقي : هذا لفظ حديث الفقيه ، وبه قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ . أنا أحمد بن محمد بن خالد المطوعي . ثنا مسعر بن سعيد قال : كان محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم فيقرأ في كل ركعة عشرين آية ، وكذلك إلى أن يختم القرآن ، وكذلك يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة ويقول : عند كل ختم دعوة مستجابة . وروى أبو بكر بن داود في فضائل القرآن عن ابن مسعود : ( من ختم القرآن فله دعوة مستجابة ) ، وعن مجاهد : ( تنزل الرحمة عند ختم القرآن ) ، وعنه أيضا : ( إن الدعاء مستجاب عند ختم القرآن ) ، ونص الإمام أحمد على استحباب ذلك في صلاة التراويح ، قال : حنبل سمعت أحمد يقول في ختم القرآن : إذا فرغت [ ص: 456 ] من قراءتك قل أعوذ برب الناس فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع .

( قلت ) : إلى أي شيء تذهب في هذا ؟ قال : رأيت أهل مكة يفعلون ، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة . قال عباس بن عبد العظيم : وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة ، وروى أهل المدينة في هذا أشياء ، وذكر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه . وقال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل فقلت : أختم القرآن أجعله في التراويح ، أو في الوتر ؟ قال : اجعله في التراويح يكون لنا دعاء بين اثنين . قلت : كيف أصنع ؟ قال : إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ، ونحن في الصلاة وأطل القيام . قلت : بم أدعو ؟ قال : بما شئت ، قال : ففعلت كما أمرني ، وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه . وروينا في كتاب فضائل القرآن لأبي عبيد عن قتادة قال : كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره على أصحاب له ، فكان ابن عباس يضع عليه الرقباء ، فإذا كان عند الختم جاء ابن عباس فشهده والله تعالى أعلم . قال الإمام النووي : يستحب الدعاء بعد قراءة القرآن استحبابا يتأكد تأكيدا شديدا فينبغي أن يلح في الدعاء وأن يدعو بالأمور المهمة والكلمات الجامعة وأن يكون معظم ذلك ، بل كله في أمور الآخرة وأمور المسلمين وصلاح سلطانهم وسائر ولاة أمورهم ، وفي توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق واجتماعهم عليه وظهورهم على أعداء الدين . انتهى . ونص الإمام أحمد على استحباب الدعاء عند الختم ، وكذا جماعة من السلف . وكان بعض شيوخنا يختار أن القارئ عليه إذا ختم - هو الذي يدعو ؛ لظاهر هذا الحديث . وسائر من أدركناهم غيره يدعو الشيخ ، أو من يلتمس بركته من حاضري الختم . والأمر في هذا سهل إذ الداعي والمؤمن واحد . قال الله تعالى : قد أجيبت دعوتكما قال أبو العالية وأبو صالح وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس : دعا موسى وأمن هارون . فالداعي والمؤمن واحد . وكان أنس بن مالك رضي الله عنه يجمع أهله وجيرانه عند الختم رجاء [ ص: 457 ] بركة دعاء الختم وحضوره . وروينا عنه في حديث مرفوع ، ولفظه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ختم القرآن جمع أهله قال البيهقي رفعه وهم ، والصحيح عن أنس موقوفا ، وكانوا يستحبون جمع أهل الصلاح والعلم ، فقد روينا عن شعبة عن الحكم قال : أرسل إلي مجاهد ، وعنده ابن أبي لبابة قال : إنما أرسلنا إليك أنا نريد أن نختم القرآن وكان يقال : إن الدعاء مستجاب عند ختم القرآن فلما فرغوا من ختم القرآن دعا بدعوات وكان كثير من السلف يستحب الختم يوم الاثنين وليلة الجمعة ، واختار بعضهم الختم وهو صائم وبعض عند الإفطار وبعض أول الليل وبعض أول النهار . قال عبد الرحمن بن الأسود : من قرأ القرآن فختمه نهارا غفر له ذلك اليوم ، ومن ختمه ليلا غفر له تلك الليلة . وعن إبراهيم التيمي أنه قال : كانوا يقولون إذا ختم الرجل القرآن صلت عليه الملائكة بقية يومه وبقية ليلته وكانوا يستحبون أن يختموا في قبل الليل وقبل النهار وبعض يتخير لذلك الأوقات الشريفة وأوقات الإجابة وأحوالها ، وأماكنها ، كل ذلك رجاء اجتماع أسباب الإجابة ، ولا شك أن وقت ختم القرآن وقت شريف وساعته ساعة مشهودة ، ولاسيما ختمة قرئت قراءة صحيحة مرضية كما أنزلها الله تعالى متصلة إلى حضرة الرسالة ومعدن الوحي فينبغي أن يعتنى بآداب الدعاء فإن له آدابا وشرائط وأركانا أتينا عليها مستوفاة في كتابنا الحصن الحصين نشير هنا إلى ما لا يستغنى عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية