صفحة جزء
[ ص: 196 ] وأما سورة الكوثر

فأخبرني بها الشيخ الرحلة أبو عمر محمد بن أحمد بن عبد الله بن قدامة المقدمي الحنبلي بقراءتي عليه بسفح قاسيون في دير الحنابلة ظاهر دمشق المحروسة قال : أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي قراءة عليه بالسفح أيضا ظاهر دمشق ، أخبرنا أبو علي حنبل بن عبد الله الحنبلي قراءة عليه ظاهر دمشق من السفح ، أخبرنا هبة الله بن الحصين الحنبلي قراءة عليه ببغداد مدينة السلام ، أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهب الحنبلي قراءة ببغداد ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي الحنبلي ببغداد ، أخبرنا عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل ببغداد قال : حدثني أبي ببغداد ، ( ثنا ) محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : أغفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إغفاءة فرفع رأسه متبسما - إما - قال لهم - وإما - قالوا : له : لم ضحكت ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أنزلت علي آنفا سورة فقرأ ، يعني بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر حتى ختمها قال : هل تدرون ما الكوثر ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : هو نهر أعطانيه ربي - عز وجل - في الجنة ، عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول : يا رب إنه من أمتي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . هذا حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ ، وأبو داود والنسائي من طريق محمد بن فضيل وعلي بن مسهر كلاهما على المختار بن فلفل عن أنس .

وهذا الحديث يدل على أن البسملة نزلت مع السورة ، وفي كونها منها ، أو في أولها احتمال ، وقد يدل على أن هذه السورة مدنية ، وقد أجمع من نعرفه من علماء العدد والنزول على أنها مكية ، والله سبحانه وتعالى أعلم - وأما الحديث - فمنه ما أخبرني به غير واحد من الشيوخ الثقات المسندين منهم الأصيل الرئيس الكبير أبو عبد الله محمد بن موسى بن سليمان الأنصاري قراءة عليه في يوم السبت [ ص: 197 ] ثامن عشر من ربيع الآخر سنة ثمان وستين وسبعمائة بدار الحديث الأشرفية داخل دمشق قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي قراءة عليه وأنا أسمع بسفح قاسيون قال : أخبرنا الإمام أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي وغيره ، أخبرنا القاضي ، أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي الفقيه ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن ماسي . ثنا أبو مسلم الكجي ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، ثنا حميد عن أنس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انصر أخاك ظالما أو مظلوما . قال : قلت : يا رسول الله أنصره مظلوما ، فكيف أنصره ظالما ؟ قال : تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه . هذا حديث متفق عليه عنه أخرجه البخاري في صحيحه عن مسدد عن معتمر بن سليمان بن حميد عن أنس به ، فكأن شيوخنا سمعوه من الكشميهني وأخرجه الترمذي عن محمد بن حاتم المؤدب عن محمد بن عبد الله الأنصاري كما أخرجناه ، وقال : حديث حسن صحيح . فوقع لنا سندا عاليا جدا حتى كأنا سمعناه من أصحاب أبي الفتح الكروخي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، فبيني وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه عشرة رجال ثقة عدول ، وهذا سند لم يوجد اليوم في الدنيا أعلى منه وأقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعيناي عاشر عين رأت من رأى النبي صلى الله عليه وسلم .

وإنما ذكرت هذه الطرق ، وإن كنت خرجت عن مقصود الكتاب ليعلم مقدار علو الإسناد ، وإنه كما قال يحيى بن معين - رحمة الله عليه - : الإسناد العالي قربة إلى الله تعالى وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وروينا عنه أنه قيل له في مرض موته : ما تشتهي ؟ فقال : بيت خال وإسناد عال . وقال أحمد بن حنبل : الإسناد العالي سنة عمن سلف . وقد رحل جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - من المدينة إلى مصر لحديث واحد بلغه عن مسلمة بن مخلد ولا يقال : إنما رحل [ ص: 198 ] لشكه في رواية من رواه له عنه فأراد تحقيقه ; لأنه لو لم يصدق الراوي لم يرحل من أجل حديثه ، ولهذا قال العلماء : إن الإسناد خصيصة لهذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكدة ، وطلب العلو فيه سنة مرغوب فيها ، ولهذا لم يكن لأمة من الأمم أن تسند عن نبيها إسنادا متصلا غير هذه الأمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية