صفحة جزء
( الثامن ) في حكمها ، وهل هي آية في أول كل سورة كتبت فيه أم لا ؟ وهذه مسألة اختلف الناس فيها ، وبسط القول فيها في غير هذا الموضع ، ولا تعلق للقراءة بذلك ، إلا أنه لما جرت عادة أكثر القراء للتعرض لذلك لم نخل كتابنا منه ؛ لتعرف مذاهب أئمة القراءة فيها ، فنقول : اختلف في هذه المسألة على خمسة أقوال ( أحدها ) أنها آية من الفاتحة فقط ، وهذا مذهب أهل مكة والكوفة ، ومن وافقهم ، وروي قولا للشافعي ( الثاني ) أنها آية من أول الفاتحة ، ومن أول سورة ، وهو الأصح من مذهب الشافعي ، ومن وافقه ، وهو رواية عن أحمد ، ونسب إلى أبي حنيفة . ( الثالث ) أنها آية من أول الفاتحة ، بعض آية من غيرها ، وهو القول الثاني للشافعي . ( الرابع ) أنها آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، وهو المشهور عن أحمد ، وقال داود وأصحابه ، وحكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، وهو من كبار أصحاب أبي حنيفة ( الخامس ) أنها ليست بآية ولا بعض آية من أول الفاتحة ، ولا من أول غيرها ، وإنما كتبت للتيمن والتبرك ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والثوري ، ومن وافقهم ، وذلك مع [ ص: 271 ] إجماعهم على أنها بعض آية من سورة النمل ، وأن بعضها آية من الفاتحة .

( قلت ) : وهذه الأقوال ترجع إلى النفي والإثبات ، والذي نعتقده أن كليهما صحيح ، وأن كل ذلك حق ، فيكون الاختلاف فيهما كاختلاف القراءات . قال السخاوي - رحمه الله - : واتفق القراء عليها في أول الفاتحة ، فإن ابن كثير ، وعاصما ، والكسائي يعتقدونها آية منها ومن كل سورة ، ووافقهم حمزة على الفاتحة خاصة . قال : وأبو عمرو ، وقالون ، ومن تابعه من قراء المدينة لا يعتقدونها آية من الفاتحة . انتهى . ويحتاج إلى تعقب ، فلو قال : يعتقدونها من القرآن أول كل سورة ليعم كونها آية منها أو فيها ، أو بعض آية - لكان أسد ; لأنا لا نعلم أحدا منهم عدها آية من كل سورة سوى الفاتحة نصا ، وقوله : إن قالون ومن تابعه من قراء المدينة لا يعتقدونها آية من الفاتحة ففيه نظر ، إذ قد صح نصا أن إسحاق بن محمد المسيبي أوثق أصحاب نافع وأجلهم ، قال : سألت نافعا ، عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فأمرني بها ، وقال : أشهد أنها آية من السبع المثاني ، وأن الله أنزلها . روى ذلك الحافظ أبو عمرو الداني بإسناد صحيح ، وكذلك رواه أبو بكر بن مجاهد ، عن شيخه موسى بن إسحاق القاضي عم محمد بن إسحاق المسيبي ، عن أبيه ، وروينا أيضا عن المسيبي قال : كنا نقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أول فاتحة الكتاب ، وفي أول سورة البقرة ، وبين السورتين في العرض والصلاة ، هكذا كان مذهب القراء بالمدينة قال : وفقهاء المدينة لا يفعلون ذلك .

( قلت ) : وحكى أبو القاسم الهذلي ، عن مالك أنه سأل نافعا عن البسملة فقال : السنة الجهر بها ، فسلم إليه وقال : كل علم يسأل عنه أهله .

التالي السابق


الخدمات العلمية