باب المد والقصر  
والمد في هذا الباب هو عبارة عن زيادة مط في حرف المد على المد الطبيعي ، وهو الذي لا يقوم ذات حرف المد دونه .  
والقصر عبارة عن ترك تلك الزيادة وإبقاء المد الطبيعي على حاله ،  وتقدم ذكر حروف المد وهي الحروف الجوفية " الألف " ، ولا تكون إلا ساكنة ، ولا يكون قبلها إلا مفتوح " والواو " الساكنة المضموم ما قبلها " والياء " الساكنة المكسور ما قبلها ، وتلك الزيادة لا تكون إلا لسبب .  
( والسبب ) إما  
لفظي ، وإما معنوي     ( فاللفظي ) إما همزة وإما ساكن ( أما الهمزة ) ، فإما أن تكون قبل نحو  
آدم  ، و  
رأى  ، و ( إيمان ) ، و  
خاطئين  ، و  
أوتي  ، و  
الموءودة  وإما أن تكون بعد ، وهي في ذلك على قسمين : ( أحدهما ) أن يكون معها في كلمة واحدة ويسمى متصلا ( والثاني ) أن يكون آخر كلمة ، والهمزة أول كلمة أخرى ، ويسمى منفصلا . فما كان الهمز فيه متقدما سيفرد بالكلام بعد . المتصل نحو  
أولئك  ،  
أولياء  ،  
يشاء الله  ، و " السوأى " ، و  
من سوء  ، و  
لم يمسسهم سوء  ، و  
يضيء  ، و  
سيئت  ونحو بيوت النبيء في قراءة من همز ، والمنفصل نحو  
بما أنزل  ،  
ياأيها  ،  
قالوا آمنا  ،  
وأمره إلى الله  ونحو  
عليهم أأنذرتهم أم  ،  
لمن خشي ربه  ،  
إذا زلزلت  عند من وصل الميم ، أو بين السورتين  
في أنفسكم  ، و  
به إلا الفاسقين  ، ونحو  
اتبعون أهدكم  عند من أثبت الياء ، وسواء كان حرف المد ثابتا رسما ، أم ساقطا منه ثابتا لفظا كما مثلنا به ، ووجه المد لأجل الهمزة أن      
[ ص: 314 ] حرف المد خفي ، والهمز صعب ، فزيد في الخفي ليتمكن من النطق بالصعب ، وأما الساكن فإما أن يكون لازما وإما أن يكون عارضا ، وهو في قسميه إما مدغم ، أو غير مدغم ، فالساكن اللازم المدغم نحو :  
الضالين  ،  
دابة  ،  
آلذكرين  عند من أبدل ( واللذان ) ، و ( هذان ) عند من شدد ، و  
تأمروني أعبد  ، و ( أتعداني ) عند من أدغم ، ونحو ( والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ) عند  
حمزة ،  ونحو ( فالمغيرات صبحا ) عند من أدغم ، عن  
خلاد ،  ونحو  
فلا أنساب بينهم  عند  
رويس ،  ونحو و  
الكتاب بأيديهم  عند من أدغمه عن  
رويس  ، ونحو و ( لا تيمموا ) ، ( ولا تعاونوا ) ، و ( عنه تلهى ) ، و ( كنتم تمنون ) ، و ( فظلتم تفكهون ) عند  
البزي ،  والساكن العارض المدغم نحو ( قال لهم ) ، ( قال ربكم ) ، ( يقول له ) ، ( فيه هدى ) ، و ( يريد ظلما ) ، ( فلا أنساب بينهم ) ، ( والصافات صفا فالزاجرات زجرا ) عند  
أبي عمرو  إذا أدغم ، والساكن اللازم غير المدغم نحو ( لام . ميم . صاد . نون ) من فواتح السور نحو ( ومحياي ) في قراءة من سكن الياء ، ونحو ( اللاي ) في قراءة من أبدل الهمزة ياء ساكنة ، ونحو ( آنذرتهم ، آشفقتم ) عند من أبدل الهمزة الثانية ألفا ، ونحو ( هؤلاء إن كنتم ) ، و ( جا أمرنا ) عند من أبدل الهمزة الثانية المفتوحة ألفا والمكسورة ياء ، والساكن العارض غير المدغم نحو ( الرحمن ) ، و ( المهاد ) ، و ( العباد ) ، و ( الدين ) ، و ( نستعين ) ، و ( يوقنون ) ، و ( لكفور ) ونحو ( بير ) ، و ( الذيب ) ، و ( الضان ) عند من أبدل الهمزة ، وذلك حالة الوقف بالسكون ، أو بالإشمام فيما يصح فيه ، ووجه المد الساكن المتمكن من الجمع بينهما ، فكأنه قام مقام حركة . وقد أجمع الأئمة على مد نوعي المتصل وذي الساكن اللازم ، وإن اختلفت آراء أهل الأداء ، أو آراء بعضهم في قدر ذلك المد على ما سنبينه مع إجماعهم على أنه لا يجوز فيهما ولا في واحد منهما القصر ، واختلفوا في مد النوعين الآخرين ، وهما المنفصل وذو الساكن العارض وفي قصرهما ، والقائلون بمدها اختلفوا أيضا في قدر ذلك المد كما سنوضحه . فأما المتصل فاتفق أئمة أهل الأداء من  
أهل  العراق    إلا القليل منهم وكثير من المغاربة على مده قدرا واحدا      
[ ص: 315 ] مشبعا من غير إفحاش ولا خروج عن منهاج العربية ، نص على ذلك أبو الفتح بن شيطا ،  
وأبو طاهر بن سوار  وأبو العز القلانسي  وأبو محمد سبط الخياط  وأبو علي البغدادي  وأبو معشر الطبري  وأبو محمد مكي بن أبي طالب  وأبو العباس المهدوي   nindex.php?page=showalam&ids=11881، والحافظ أبو العلاء الهمداني  وغيرهم ، حتى بالغ  
أبو القاسم الهذلي  في تقرير ذلك رادا على  
أبي نصر العراقي ،  حيث ذكر تفاوت المراتب في مده ، فقال ما نصه : وقد ذكر  
العراقي  أن الاختلاف في مد كلمة واحدة كالاختلاف في مد كلمتين ، قال : ولم أسمع هذا لغيره ، وطالما مارست الكتب والعلماء فلم أجد أحدا يجعل مد الكلمة الواحدة كمد الكلمتين إلا  
العراقي ،  بل فصلوا بينهما . انتهى .  
ولما وقف  
أبو شامة     - رحمه الله - على كلام  
الهذلي     - رحمه الله - ظن أنه يعني أن في المتصل قصرا ، فقال في شرحه : ومنهم من أجرى فيه الخلاف المذكور في كلمتين ، ثم نقل ذلك ، عن حكاية  
الهذلي  عن  
العراقي .  وهذا شيء لم يقصده  
الهذلي  ولا ذكره  
العراقي  وإنما ذكر  
العراقي  التفاوت في مده فقط ، وقد رأيت كلامه في كتابه " الإشارة في القراءات العشر " وكلام ابنه  
عبد الحميد  في مختصرها " البشارة " فرأيته ذكر  
مراتب المد في المتصل والمنفصل  ثلاثة : طولي ، ووسطي ، ودون ذلك . ثم ذكر التفرقة بين ما هو من كلمة فيمد وما هو من كلمتين فيقصر ، قال : وهو مذهب  
أهل  الحجاز    غير  
 nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش  وسهل  ويعقوب ،  واختلف عن  
أبي عمرو ،  وهذا نص فيما قلناه ، فوجب أن لا يعتقد أن قصر المتصل جائز عند أحد من القراء ، وقد تتبعته فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة ، بل رأيت النص بمده ؛ ورد عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود     - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبرني  
الحسن بن محمد الصالحي  ، فيما قرئ عليه وشافهني به ، عن  
علي بن أحمد المقدسي ،  أنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=15069محمد بن أبي زيد الكراني  في كتابه ، أنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=13712محمود بن إسماعيل الصيرفي ،  أنا  
أحمد بن محمد بن الحسين الأصبهاني ،  أنا  
سليمان بن أحمد الحافظ ،  ثنا  
محمد بن علي الصايغ المكي ،  ثنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،  ثنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=16122شهاب بن خراش ،  حدثني  
مسعود بن يزيد الكندي  قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003851كان  ابن مسعود يقرئ  رجلا ، فقرأ الرجل :  إنما الصدقات للفقراء والمساكين   [ ص: 316 ] مرسلة ، فقال   nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود     : ما هكذا أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : كيف أقرأكها يا  أبا عبد الرحمن ؟  فقال : أقرأنيها " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " فمدوها     .  
هذا حديث جليل حجة ونص في هذا الباب ، رجال إسناده ثقات . رواه  
 nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني  في معجمه الكبير ، وذهب الآخرون مع من قدمنا ذكره آنفا إلى تفاضل مراتب المد فيه كتفاضلها عندهم في المنفصل ، واختلفوا على كم مرتبة هو ؟ فذهب  
أبو الحسن طاهر بن غلبون  ، والحافظ  
 nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني  وأبو علي الحسن بن بليمة  وأبو جعفر بن الباذش ،  وغيرهم إلى أنها أربع مراتب : إشباع ، ثم دون ذلك ، ثم دونه ، ثم دونه ، وليس بعد هذه المرتبة إلا القصر ، وهو ترك المد العرضي . وظاهر كلام التيسير أن بينهما مرتبة أخرى ، وأقرأني بذلك بعض شيوخنا عملا بظاهر لفظه ، وليس ذلك بصحيح ، بل لا يصح أن يؤخذ من طرقه إلا بأربع مراتب كما نص عليه صاحب " التيسير " في غيره ، فقال في المفردات من تأليفه : إنه قرأ  
للسوسي  وابن كثير  بقصر المنفصل وبمد متوسط في المتصل ، وإنه قرأ عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=14303الدوري  وقالون  على جميع شيوخه بمد متوسط في المتصل ، لم يختلف عليه في ذلك . قال : وإنما اختلف أصحابنا عنهما في المنفصل ، ولذا ذكره في جامعه وزاد في المتصل والمنفصل جميعا مرتبة خامسة ، هي أطول من الأولى لمن سكت على الساكن قبل الهمزة ، وذلك من رواية  
أبي بكر  طريق  
الشموني ،  عن  
الأعشى  ، عنه ، ومن رواية  
حفص  طريق  
الأشناني  ، عن أصحابه ، عنه ، ومن غير رواية  
خلاد  ، عن  
حمزة ،  ومن رواية  
قتيبة  عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ;  لأن هؤلاء إذا مدوا المد المشبع على قدر المرتبة الأولى يريدون التمكين الذي هو قدر السكت ، وهذه المرتبة تجري لكل من روى السكت على المد ، وأشبع المد كما سيأتي ، وذهب  
الإمام أبو بكر بن مهران  في البسيط ،  
وأبو القاسم بن الفحام  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=13757والأستاذ أبو علي الأهوازي  وأبو نصر العراقي  ، وابنه  
عبد الحميد  وأبو الفخر الجاجاني  ، وغيرهم إلى أن مراتبه ثلاثة : وسطى ، وفوقها ،      
[ ص: 317 ] ودونها . فأسقطوا المرتبة العليا حتى قدره  
ابن مهران  بألفين ، ثم بثلاثة ، ثم بأربعة . وذهب الأستاذ  
 nindex.php?page=showalam&ids=13492أبو بكر بن مجاهد  وأبو القاسم الطرسوسي  وأبو الطاهر بن خلف  إلى أنه على مرتبتين : طولى ، ووسطى ، فأسقطوا الدنيا وما فوق الوسطى ، وسيأتي تعيين قدر المرتبة في المنفصل ، وقد ورد عن  
خلف  ، عن  
سليم  قال : أطول المد عند حمزة المفتوح نحو ( تلقاء أصحاب ) ، و ( جاء أحدهم ) ، و ( يا أيها ) قال : والمد الذي دون ذلك ( خائفين ) ، و ( الملائكة ) . ( يا بني إسرائيل ) قال : وأقصر المد ( أولئك ) وليس العمل على ذلك عند أحد من الأئمة ، بل المأخوذ به عند أئمة الأمصار في سائر الأعصار خلافه ؛ إذ النظر يرده ، والقياس يأباه ، والنقل المتواتر يخالفه ، ولا فرق بين ( أولئك ) و ( خائفين ) فإن الهمزة فيها بعد الألف مكسورة .