صفحة جزء
12898 ( أخبرنا ) أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد ، أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا أحمد بن منصور ، ثنا عبد الرزاق ، أنبأ معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر - رضي الله عنه - عن المرأتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله تعالى: ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) حتى حج عمر - رضي الله عنه - وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر - رضي الله عنه - لحاجته ، وعدلت معه بالإداوة فتبرز ، ثم أتى ، فسكبت على يديه فتوضأ ، فقلت: يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال الله تعالى: ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) ، فقال عمر - رضي الله عنه: واعجبا لك يا ابن عباس ، قال الزهري - رحمه الله - تعالى: كره والله ، ما سأله عنه ، ولم يكتمه ، قال: هي حفصة وعائشة ، ثم أخذ يسوق الحديث ، فقال: كنا معشر قريش قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي ، فتغضبت يوما على امرأتي ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت: ما تنكر أن أراجعك ، فوالله ، إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، قال: فانطلقت ، فدخلت على حفصة ، فقلت: أتراجعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقالت: نعم ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ؟ قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هي قد هلكت ، لا تراجعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تسأليه شيئا ، وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك - يريد عائشة ، قال: وكان لي جار من الأنصار ، وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينزل يوما ، وأنزل يوما ، فيأتيني بخبر الوحي وغيره ، وآتيه بمثل ذلك ، قال: وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لغزونا ، فنزل صاحبي يوما ، ثم أتاني عشاء ، فضرب بابي ، ثم ناداني فخرجت إليه ، فقال: حدث أمر عظيم ، قال: قلت: ماذا ؟ أجاءت غسان ؟ قال: لا ، بل أعظم من ذلك وأطول ؛ طلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، قال: فقلت: قد خابت حفصة وخسرت ، قد كنت أظن هذا كائنا حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ، ثم نزلت ، فدخلت على حفصة وهي تبكي ، فقلت: أطلقكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: لا أدري ؟ هو هذا معتزلا في هذه المشربة ، فأتيت غلاما له أسود ، فقلت: استأذن لعمر ، فدخل الغلام ثم خرج إلي ، فقال: قد ذكرت له فصمت ، فانطلقت حتى أتيت المسجد ، فإذا قوم حول المنبر جلوس يبكي بعضهم ، فجلست قليلا ، ثم غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام ، فقلت: استأذن لعمر ، فدخل ثم خرج إلي ، فقال: قد ذكرتك له فصمت ، فخرجت ، فجلست إلى المنبر ، ثم غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام ، فقلت: استأذن لعمر ، فدخل ، ثم خرج إلي ، فقال: قد ذكرتك له ، فصمت ، قال: فوليت مدبرا ، فإذا الغلام يدعوني ، فقال: ادخل ، قد أذن لك ، فدخلت فسلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو متكئ على رمال [ ص: 38 ] حصير قد أثر في جنبه ، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك ؟ قال: فرفع رأسه إلي وقال: لا ، فقلت: الله أكبر ، لو رأيتنا يا رسول الله ، وكنا معشر القريش قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، فتغضبت على امرأتي يوما ، فإذا هي تراجعني - يعني: فأنكرت ، فقالت: ما تنكر أن أراجعك ، فوالله ، إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر ، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هي قد هلكت ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يعني: قد دخلت على حفصة ، فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك ، فتبسم أخرى ، فقلت: أستأنس يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( قال: نعم ) ، فجلست ، فرفعت رأسي في البيت ، فوالله ، ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهب ثلاثة ، فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك ، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله ، فاستوى جالسا ، فقال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب ، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ، فقلت: أستغفر الله يا رسول الله ، وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن ، حتى عاتبه الله - عز وجل - . قال الزهري : فأخبرني عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ بي ، فقلت: يا رسول الله أقسمت أن لا تدخل علينا - تعني: شهرا - إنك دخلت علي من تسع وعشرين أعدهن ، قال: إن الشهر تسع وعشرون ، ثم قال: يا عائشة ، إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ، قال: ثم قرأ علي: ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا ) الآية ، قالت: قد علم ، والله ، أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ، قالت: قلت: أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة . قال معمر : وأخبرني أيوب ، قال: فقالت له عائشة : لا تقل إني اخترتك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت مبلغا ، ولم أبعث متعنتا . رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن أبي عمر ، عن عبد الرزاق بطوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية