صفحة جزء
16229 ( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس : محمد بن يعقوب من أصل كتابه ، ثنا أبو أمية : محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، ثنا عمر بن يونس بن القاسم بن معاوية اليمامي ، ثنا عكرمة بن عمار العجلي ، حدثني أبو زميل : سماك الحنفي ، ثنا عبد الله بن عباس قال : لما خرجت الحرورية اجتمعوا في دار وهم ستة آلاف ، أتيت عليا - رضي الله عنه - فقلت : يا أمير المؤمنين ، أبرد بالظهر لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم . قال : إني أخاف عليك . قال : قلت : كلا . قال : فخرجت آتيهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن ، فأتيتهم وهم مجتمعون في دار وهم قائلون ، فسلمت عليهم فقالوا : مرحبا بك يا أبا عباس ، فما هذه الحلة ؟ قال : قلت : ما تعيبون علي لقد رأيت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن ما يكون من الحلل ونزلت : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) قالوا : فما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار لأبلغكم ما يقولون وتخبروني بما تقولون ، فعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بالوحي منكم ، وفيهم أنزل ، وليس فيكم منهم أحد . فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشا ؛ فإن الله يقول : ( بل هم قوم خصمون ) . قال ابن عباس : وأتيت قوما لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم ، مسهمة وجوههم من السهر ، كأن أيديهم وركبهم ثفن ، عليهم قمص مرحضة . قال بعضهم : لنكلمنه ولننظرن ما يقول . قلت : أخبروني ماذا نقمتم على ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصهره والمهاجرين والأنصار . قالوا : ثلاثا . قلت : ما هن ؟ قالوا : أما إحداهن : فإنه حكم الرجال في أمر الله ، قال الله - عز وجل - : ( إن الحكم إلا لله ) وما للرجال وما للحكم ؟ . فقلت : هذه واحدة . قالوا : وأما الأخرى : فإنه قاتل ولم يسب ، ولم يغنم ، فلئن كان الذين قاتل كفارا لقد حل سبيهم وغنيمتهم ، وإن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم . قلت : هذه ثنتان . فما الثالثة ؟ قالوا : إنه محا اسمه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين . قلت : أعندكم سوى هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا . فقلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما يرد به قولكم أترضون ؟ قالوا : نعم . فقلت لهم : أما قولكم : حكم الرجال في أمر الله ، فأنا أقرأ عليكم ما قد رد حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوها من الصيد . فقال : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) إلى قوله : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) . فنشدتكم بالله ، أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم وإصلاح ذات بينهم ، وأن تعلموا أن الله لو شاء لحكم ، ولم يصير ذلك إلى الرجال ، وفي المرأة وزوجها قال الله - عز وجل - : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) فجعل الله حكم الرجال سنة ماضية . أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم . قال : وأما قولكم : قاتل فلم يسب ، ولم يغنم ، أتسبون أمكم عائشة ، ثم تستحلون منها ما يستحل من غيرها ؛ فلئن فعلتم لقد كفرتم ، وهي أمكم ، ولئن قلتم : ليست بأمنا لقد كفرتم ؛ فإن الله تعالى يقول : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) فأنتم تدورون بين ضلالتين أيهما صرتم ، إليها صرتم إلى ضلالة فنظر بعضهم إلى بعض . قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم . وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بمن ترضون أريكم قد سمعتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية كاتب المشركين سهيل بن عمرو ، وأبا سفيان بن حرب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمير المؤمنين : " اكتب يا علي ، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله " . فقال المشركون : لا والله ، ما نعلم أنك رسول الله ، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم إنك تعلم أني رسولك ، اكتب يا علي ، هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله " . فوالله ، لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير من علي ، وما أخرجه من النبوة حين محا نفسه . قال عبد الله بن عباس : فرجع من القوم ألفان ، وقتل سائرهم على ضلالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية