صفحة جزء
18089 ( وأخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا هلال بن العلاء الرقي ، ثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا المعتمر بن سليمان ، ثنا سعيد بن عبيد الله ، ثنا بكر بن عبد الله المزني ، وزياد بن جبير ، عن جبير بن حية قال : بعث عمر - رضي الله عنه - الناس من أفناء الأمصار يقاتلون المشركين ، فذكر الحديث في إسلام الهرمزان قال : فقال : إني مستشيرك في مغازي هذه فأشر علي في مغازي المسلمين . قال : نعم يا أمير المؤمنين ، الأرض مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس ، وله جناحان ، وله رجلان ، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس ، وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس ، وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس ، فالرأس كسرى ، والجناح قيصر ، والجناح الآخر فارس ، فمر المسلمين أن ينفروا إلى كسرى . فقال بكر ، وزياد جميعا ، عن جبير بن حية قال : فندبنا عمر - رضي الله عنه - واستعمل علينا رجلا من مزينة يقال له النعمان بن مقرن - رضي الله عنه - وحشر المسلمين معه قال : وخرجنا فيمن خرج من الناس حتى إذا دنونا من القوم ، وأداة الناس وسلاحهم الجحف ، والرماح المكسرة ، والنبل قال : فانطلقنا نسير ، وما لنا كثير خيول - أو ما لنا خيول - حتى إذا كنا بأرض العدو ، وبيننا وبين القوم نهر خرج علينا عامل لكسرى في أربعين ألفا ، حتى وقفوا على النهر ، ووقفنا من حياله الآخر قال : يا أيها الناس ، أخرجوا إلينا رجلا يكلمنا . فأخرج إليه المغيرة بن شعبة ، وكان رجلا قد اتجر وعلم الألسنة . قال : فقام ترجمان القوم ، فتكلم دون ملكهم قال : فقال للناس : ليكلمني رجل منكم ، فقال المغيرة : سل عما شئت . فقال : ما أنتم ؟ فقال : نحن ناس من العرب كنا في شقاء شديد ، وبلاء طويل ، نمص الجلد ، والنوى من الجوع ، ونلبس الوبر ، والشعر ، ونعبد الشجر ، والحجر ، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرض إلينا نبيا من أنفسنا ، نعرف أباه ، وأمه ، فأمرنا نبينا رسول ربنا - صلى الله عليه وسلم - أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده ، أو تؤدوا الجزية ، فأخبرنا نبينا عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى جنة ، ونعيم لم ير مثله قط ، ومن بقي منا ملك رقابكم . قال : فقال الرجل : بيننا وبينكم بعد غد حتى نأمر بالجسر يجسر . قال : فافترقوا وجسروا الجسر ، ثم إن أعداء الله قطعوا إلينا في مائة ألف ، ستون ألفا يجرون الحديد ، وأربعون ألفا رماة الحدق ، فأطافوا بنا عشر مرات قال : وكنا اثني عشر ألفا . فقالوا : هاتوا لنا رجلا يكلمنا ، فأخرجنا المغيرة ، فأعاد عليهم كلامه الأول ، فقال الملك : أتدرون ما مثلنا ومثلكم ؟ قال المغيرة : ما مثلنا ومثلكم ؟ قال : مثل رجل له بستان ذو رياحين [ ص: 192 ] وكان له ثعلب قد آذاه ، فقال له رب البستان : يا أيها الثعلب لولا أن ينتن حائطي من جيفتك لهيأت ما قد قتلك ، وإنا لولا أن تنتن بلادنا من جيفكم لكنا قد قتلناكم بالأمس . قال له المغيرة : هل تدري ما قال الثعلب لرب البستان ؟ قال : ما قال له ؟ قال : قال له : يا رب البستان أن أموت في حائطك ذا بين الرياحين أحب إلي من أن أخرج إلى أرض قفر ليس بها شيء ، وإنه والله لو لم يكن دين ، وقد كنا من شقاء العيش فيما ذكرت لك ، ما عدنا في ذلك الشقاء أبدا حتى نشارككم فيما أنتم فيه أو نموت . فكيف بنا ومن قتل منا صار إلى رحمة الله وجنته ، ومن بقي منا ملك رقابكم ؟ قال جبير : فأقمنا عليهم يوما لا نقاتلهم ، ولا يقاتلنا القوم قال : فقام المغيرة إلى النعمان بن مقرن - رضي الله عنه - فقال : يا أيها الأمير إن النهار قد صنع ما ترى ، والله لو وليت من أمر الناس مثل الذي وليت منهم لألحقت الناس بعضهم ببعض حتى يحكم الله بين عباده بما أحب . فقال النعمان : ربما أشهدك الله مثلها ، ثم لم يندمك ، ولم يخزك ، ولكني شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ، كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح ، وتحضر الصلوات ، ألا أيها الناس ، إني لست لكلكم أسمع ، فانظروا إلى رايتي هذه ، فإذا حركتها فاستعدوا ، من أراد أن يطعن برمحه فلييسره ، ومن أراد أن يضرب بعصاه فلييسر عصاه ، ومن أراد أن يطعن بخنجره فلييسره ، ومن أراد أن يضرب بسيفه فلييسر سيفه ، ألا أيها الناس إني محركها الثانية ، فاستعدوا ، ثم إني محركها الثالثة ، فشدوا على بركة الله ، فإن قتلت فالأمير أخي ، فإن قتل أخي فالأمير حذيفة ، فإن قتل حذيفة فالأمير المغيرة بن شعبة . قال : وحدثني زياد أن أباه قال : قتلهم الله فنظرنا إلى بغل موقر عسلا ، وسمنا قد كدست القتلى عليه فما أشبهه إلا كوما من كوم السمك يلقى بعضه على بعض ، فعرفت أنه إنما يكون القتل في الأرض ولكن هذا شيء صنعه الله ، وظهر المسلمون ، وقتل النعمان وأخوه ، وصار الأمر إلى حذيفة . فهذا حديث زياد ، وبكر . ( قال : وحدثنا ) أبو رجاء الحنفي قال : كتب حذيفة إلى عمر - رضي الله عنهما - أنه أصيب من المهاجرين فلان وفلان ، وفيمن لا يعرف أكثر ، فلما قرأ الكتاب رفع صوته ، ثم بكى ، وبكى ، فقال : بل الله يعرفهم ثلاثا . رواه البخاري في الصحيح مختصرا عن الفضل بن يعقوب ، عن عبد الله بن جعفر الرقي .

وفيه دلالة على أخذ الجزية من المجوس والله أعلم ، فقد كان كسرى ، وأصحابه مجوسا .

التالي السابق


الخدمات العلمية